روسيا والصين: درب بديلة عن جرف الغرب القاتل
من المؤكّد أنّ روسيا والصين تسعيان لكسر القطبية الواحدة للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة من خلال صراع سياسي اقتصادي يصل لحدّ الاشتباك حيناً والمهادنة حيناً آخر. وهذان البلدان لا يمثّلان الاستعمار فهما لا يمتلكان عناصر الإمبريالية رغم وجود النُظم الرأسمالية فيهما كلّ حسب خصائصه. صراع هذه الدول يتمثل في مصالح هذه الدول وفي كيفية تطوّرها ومواجهتها الإمبرالية. لدينا ما يكفينا من التجارب والحروب والخراب الذي عانت شعوبنا منه لنرى وبوضوح مصالحنا معهم، وفهم التغييرات العالمية التي تساعدنا في كسر نُظم الاستغلال الكولونيالي التي بنتها الرأسمالية في بلادنا.
إنّ صراع الدول الصاعدة مع الامبريالية الغربية هو صراع وجود ومصير للإنسانية. وعلى سبيل المثال ليس من المستغرب أن تقدّم هذه الشعوب إنجازاتٍ للبشرية في التكنولوجيا أو البحث العلمي واستعادة دورها كمستقطب للطلاب العرب الذين أغلقت بوجوههم أبواب الغرب بسبب أزمة الرأسمالية. لا نقول أنّ هذه الشعوب تقدم الهدايا لنا من باب الحب الساذج، إنما نعي أنّ لديها مصالحاً بدءاً من خط الحرير حتى معابر الغاز والنفط وتنمية المجتمعات التقنية وتطوير البنى التحتية والحتمي فيها. وهذا ما يقدّم لنا ما هو أفضل بأشواط ممّا قدّمته الإمبريالية من حروب ودمار. نحن أمام درب بديل وعر، أما النظام الرأسمالي فهو جرف قاتل دون شك.
العلاقة مع إيران وأجنحتها: بين الممكن والمستحيل
من لا يدرك التغيير وأدواته يجنح نحو الطوباوية في أشكال شتى، هكذا قال الشهيد مهدي عامل. وانطلاقاً من هذا القول، وفي تحليلنا للواقع الإيراني، يمكننا تحديد أن إيران دولة اسلامية رأسمالية، ببرجوازية وطنية أنتجت مجتمعاً مؤدلجاً يرفع عنه كاهل البحث في قضايا البلاد للدولة بأركانها الدينية والسياسية المتداخلة. وسياسة إيران الخارجية في صراع مع الولايات المتحدة الأمريكية (التي كانت دعمتها في حربها ضد صدام)، وتتماهى مع الصين وروسيا لكسر هيمنة الولايات الأميركية وتستغل غياب الدول الوطنية في بلادنا كي تثبّت مشروعها. إنّ ايران تقع في تناقضتها ضمن مشروعها ذاته؛ فلا يمكن أخذ المعيار السياسي دون الاقتصادي، إذ أنهما مترابطان، وهو ما يدفع المستوى السياسي والاقتصادي نحو المواجهة مع الإمبريالية.
هنا يتقارب التناقض الرئيسي والثانوي بين عدو خارجي وصراع داخلي، بين مشاريع سياسية (اليسار هنا ليس ندّاً لكي يكون شريكاً، ولكن، لا يمنع ذلك من التموضع الصحيح)، بالتالي الموقف الدافع بعجلة التاريخ نحو التغيير.
حزب الله المشروع والبراغماتية
الواقع الذي بناه الاستعمار من الرأسمالية الطائفية تلاقى مع مشروع ولاية الفقيه، ليصبح جزءاً منه. تكبحه ويكبح النظام اللبناني من الإنزلاق نحو تبعية كاملة للغرب، أي السلام مع العدو الصهيوني، كما فعلت أنظمة عربية أخرى. وهناك تناقض مع بنية النظام اللبناني في صراع حزب الله مع الغرب، لكسر أحاديته وتركيز مشروعه السياسي، الذي جعله يلجأ إلى توافق وطني فارغ (دون أساس). ولكنّ هذا التناقض وهول الأزمة في نظام معطّل أوصلنا لما نحن عليه اليوم. كان هناك فرص لحزب الله من خلال الانتفاضة لكسر هيمنة الغرب، ولكنّ موقعه الطائفي والصراع الطبقي داخله كبح حركته (أي تناقضه هو). واليسار ككل لم يقدّم مساحة تلاقي بين مشروع تغيير وطني يعادي الإمبريالية، فمشروعه (أي حزب الله) معادٍ فقط للإمبريالية من منظوره الايديولوجي دون أخذ العلاقات الاقتصادية كفعل كولونيالي بوصفه مجالاً أساسياً للاشتباك مع الإمبريالية.
وبالتالي، اليسار هو الوحيد والقادر على الانفتاح ليقدّم ما لا يمكن لتيارات إسلامية تقديمه. البرجوازية في بلادنا ليست وطنية ويجب سحقها لجشعها المتلطي بالطوائف والصراعات الدولية على حساب دماء اللبنانيين. ولا بد من الاستفادة من ضرورة كسر الهيمنة العسكرية والسياسة الأميركية ليتحقق ضرب الهيمنة الاقتصادية والإتجاه شرقاً كبديل جاهز.
وبعيداً عن الطوباوية، إنّ كسر الهيمنة والتغيير الاقتصادي مترابطان عضويّاً، ويفرضان نفسهما في كل صراع أيديولوجي سيفرض نفسه حكماً.
بتبسيط أكثر، إنّنا أمام صراع سياسي وعسكري، ولا بد لنا من أخذ موقفنا التاريخي ودفعنا لكسر هذه الهيمنة بكل الوسائل عبر إعلان الموقف من المرحلة وسعينا لتغيير هذا النظام الرأسمالي الكولونيالي، عبر تقديم بديل سياسي جدي وطني ضدّ التبعية، بديلٌ يرى مصلحة الشعب كأساس من خلال التقارب مع دول وشعوب ستقدّم لنا المستقبل الأفضل ممّا قدّمه النظام الرأسمالي بمكوّناته من خراب.