مخاطر تهدّد الحركة الشعبية

بعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الانتفاضة الشعبية التي شهدتها المناطق اللبنانية كافة، بات من الضروري خوض الصراع مع السلطة عن طريق تسليح الجماهير بالأداة المعرفية لفهم تناقضات هذه المرحلة. لذلك من المهم معرفة ما الذي يهدّد هذه الحركة الشعبية وكيف.

الحذر من الممارسات البرجوازية

إنّ البرجوازية اللبنانية، من موقعها المسيطر اقتصاديّاً و سياسيّاً، تمارس الهيمنة (بمعناها الغرامشي). وفي الواقع إنّ هذه الهيمنة هي جزء لا يتجزّأ من الممارسات الأيديولوجية البرجوازية في ميدان الصراع الطبقي الدائر والذي يشتد يوماً بعد يوم. وإنّ ما هو خطير بالفعل وما يهدّد الحركة الشعبية وأفقها في لبنان هو سيطرة هذه الممارسات على الحركة الشعبية. و يظهر ذلك من الطابع العفوي لهذه الحركة (بعد ٣ أشهر من اندلاعها) حيناً، و من خلال التيار الاقتصادي- الإصلاحي في طرح الحلول. وفي واقع الحال إنّ الاقتصادوية باتت تسيطر حتى على ممارسات بعض الأحزاب اليسارية. من هنا ضرورة خوض النضال بمعناه الماركسي اللينيني، أي على الصعد كافة: على الصعيد الأيديولوجي في ضرورة التمسّك بالوعي العلمي والمنهج الماركسي في تحليل التناقضات الداخلية والخارجية، وعلى الصعيد الاقتصادي (المطلبي) في أهمية خوض المعارك المطلبية اليومية التي يخوضها شعبنا، والنضال على المستوى السياسي - هذا ما تفتقده الحركة الشعبية في لبنان وبات يهدّدها عملياً- لضرب كل الإنزلاقات العفوية إلى موقع الخصم ولوضع إستراتيجية وبرنامج مسؤول لإدارة الأزمة ولتوضيح موقع الفئات الشعبية من الصراعات الجارية ليس في لبنان فقط بل على صعيد العالم. إنّ هذا النضال يتطلّب أعلى جرأة ممكنة لدى القوى البديلة ورؤية واضحة وشاملة لإنقاذ الاقتصاد والمجتمع من الإنهيار.

ملاحظات حول المفاهيم "الجديدة"

نتيجة للتعمية التي مارستها البرجوازية اللبنانية من ٣٠ سنة لليوم، من خلال أجهزتها الأيديولوجية كالإعلام والصحافة وغيرها، برزت بعض المفاهيم المشوّهة وذلك لإبعاد المنهج الماركسي-اللينيني و مفاهيمه الثورية التي فضحت الاستغلال الرأسمالي بأشكاله كافّة (في ظل سيطرة البنية الاقتصادية الإنتاجية كما في ظل سيطرة البنية الريعية). وحلّت مكان هذه المفاهيم وهذا المنهج، المفاهيم الاقتصادية والمنهج الميتافيزيقي في تحليل الواقع من خلال إظهار الأزمة بشقٍّ واحدٍ لتغييب الأزمة الشاملة التي تهدّد هذا النظام الاقتصادي والسياسي. فالمفاهيم لا تقع خارج الصراع الطبقي الدائم بأشكاله كافة. ونأخذ مثالاً مفهوم "الثورة" الذي بات واسعَ الانتشار وخاصّة على مواقع التواصل، إذ ما تشهده المناطق اللبنانية حتى الآن ليس ثورة بمعناها الماركسي حيث يغيب عن هذه الانتفاضة البرنامج السياسي الاقتصادي المشترك والإطار التنظيمي الموحد والهادف في نهاية المطاف إلى تغيير الواقع السياسي والاقتصادي بشكلٍ جذري.

وفي خضم هذا الصراع تحاول السلطة، عبر تعميم هذه المفاهيم، أن تمارس ممارسة انتباذية. إذ تنقل الصراع من المستوى السياسي الذي يهدّدها وجودياً إلى مستوى اقتصادي أو أيديولوجي بحت. ونشهد، كنتيجة لهذه الممارسة، سيطرة للتيار الاقتصادوي الإصلاحي بشكل خاص على مسار هذه الحركة. مثالاً على ذلك، تتردّد فكرة الانتقال من النموذج الاقتصادي الريعي إلى النموذج الاقتصادي المنتج وكأنّ هذه المهمة تتحقق بطريقة ميكانيكية بعيداً عن الصراع الطبقي المحتدم. إنّ هذه المهمة، التي هي ملحة بالطبع، تقع على عاتق القوى البديلة في صراعها الطبقي على المستوى السياسي ضدّ هذه السلطة. إنّ حامل هذا المشروع يجب أن يكون نقيض الطبقة المسيطرة ومؤسّساتها، فالتغيير في البنية الإقتصادية لا ينفصل عن النضال السياسي و ضرورة تغيير النظام السياسي - الاقتصادي.

من هنا ضرورة توخّي الحذر من الانزلاق إلى الموقع النقيض نظريّاً و بالتالي ممارسيّاً. إنّ الابتعاد عن ممارسة الانتباذية التي تغيب المستوى السياسي الذي من دونه لا تكون الحركة ثورية هو ما يتطلبه الحراك اليوم في لبنان لأنّ تأخر تشكيل إطار سياسي يحمل البرنامج القادر على إدارة الأزمة ويتلاءم مع المرحلة الراهنة يضعف أهداف الانتفاضة الشعبية.