وتُعدُّ مشكلة الشرعية المشكلة الأكبر التي يعاني منها بن سلمان، والتي احتاج لكي يستحقّها إلى اتباع أساليب تراوحت بين استجدائها من الخارج، وضرب الحريات في الداخل، عبر قتل المشكِّكين بأحقيته بها، من أمراء وصحفيين ودعاة دينيين وأكاديميين، وسجن بعضهم وتغييب آخرين. وعلى عكس الزعماء السعوديين الآخرين، امتنع بن سلمان عن الاستناد على الشرعية الدينية لكونه يريد أن يقدِّم نفسه للغرب أكثر انفتاحاً وأقل التزاماً من الناحية الدينية. كما افتقد الشرعية الدستورية حين انقلب على ابن عمه ولي العهد، محمد بن نايف، الأحق بولاية العهد وبالملكية بعد وفاة الملك سلمان بن عبد العزيز، فأفقده انقلابه على بن نايف هذه الشرعية.
ولم يبق له، والحال هذه، غير استجدائها عبر سبيلين؛ الأول الإيحاء بالإنجازات الكبرى لكي تشفع له أمام الشعب. وفي هذا المسعى كان مصيره الفشل لاستحالة تحقيق تلك الإنجازات بسبب استنزافه خزينة الدولة من أجل الإيفاء بعقود السلاح والاستثمار الضخمة التي وقّعها مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومع ودول غربية أخرى. والسبيل الثاني استجدائها من الخارج، وهو ما نجح به بعد إغداقه العقود على الرئيس ترامب، والتي وصلت إلى أكثر من 400 مليار دولار، وهو ما شجَّع الأخير خلال لقائهما، في 20 مارس/ آذار 2018، على بق البحصة التي كان ينتظرها بن سلمان، حين قال معلِّقاً على توليته العهد: "أرى أن والدك اتخذ قراراً حكيماً للغاية".
لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، يبدو أن بن سلمان لا يثق بالأميركيين في الاستمرار بدعمه حتى تنصيبه ملكاً بعد وفاة والده، وخصوصاً بعدما لمس من ترامب سياسة ابتزازه مالياً لكي يدفع أكثر، بل ومعاناته من تهديداته المتكرّرة حول وجوب دفع عائلته المال إذا أرادت استمرار حماية الولايات المتحدة لها. كما لا يساعدوه في الخروج من حالة النبذ عالمياً بعد ضلوعه في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي وجرائمه في اليمن. لذلك وجد ضالته في إسرائيل التي لا تُرَدُّ لها كلمة في البيت الأبيض. فعلاقاتٍ طبيعية مع إسرائيل ستجلب استقراراً لحكمه وتعقيلاً لسياسات ترامب تجاهه. وهو دور يأمل بن سلمان أن يقوم به الإسرائيليون الذين يعرفون أنه لن يتوفر لهم حاكم سعودي مثله يعترف بحقهم في الوجود، كما فعل هو حين صرّح لإحدى المجلات الأميركية، في أبريل/ نيسان 2018، أن للإسرائيليين "الحق في العيش بسلام على أرضهم".
ويبدو أن بن سلمان القلِق لم يقتنع بخطوات التطبيع التي انتهجها، لكي يقنع الإسرائيليين بجديته، لذلك احتاج لاعتماد سياسة تطبيع إعلامي وثقافي، ولنشر ثقافة التطبيع هذه جماهيرياً وتزييف التاريخ لإرضاء الإسرائيليين وخداع العرب والسعوديين، لضمان تقبلهم سياساته تلك، فجاء دور الدراما لتسانده. ومن المعروف أنه سعى إلى خطوات تطبيع شعبية، عبر ظهور بعض السعوديين في وسائل الإعلام الإسرائيلية، سواء ظهوره هو نفسه أو رسميين سعوديين آخرين أو حتى مواطنين عاديين. كذلك سُجِّلت زيارات متبادلة قام بها أفراد عاديون، سعوديون إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإسرائيليون إلى الأراضي السعودية، إضافة إلى زيارة وفد إحدى المحطات التلفزيونية الإسرائيلية أراضي المملكة.
ومن هنا تأتي المسلسلات التلفزيونية التي تروِّج للتطبيع لتتوّج الخطوات والتصريحات التي خرج بها بن سلمان وأفراد سعوديون آخرون، على مدى السنوات الثلاث الماضية التي أعقبت تنصيبه وليّاً للعهد. وللمفارقة، لم يجد القائمون على مسلسلي "أم هارون" و"مخرج 7" الذَيْن ساهمت محطة MBC التي يمتلك الأمير بن سلمان معظم أسهمها، بإنتاجهما، واللذين يعرضان على شاشتها، سبيلاً إلى اقناع المشاهد بمحتواهما إلا عبر تزييف التاريخ من أجل الخروج بحبكة متقنة. أولى مظاهر التزييف القول بوجود جالية يهودية كبيرة في دولة الكويت، تستحق أن يُفرد لأجلها مسلسل درامي من قبيل مسلسل "أم هارون". ونفي وجود جالية بهذا الحجم لم يقم به بعض النقاد العرب، بل رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة تل أبيب، يرون فريدمان، الذي صحَّحَ بالقول إن مجموعات صغيرة من اليهود عاشت في دول الخليج، وليس هذا العدد الكبير الذي يحاول المسلسل إظهاره.
وعلى الرغم من الاستنكار الواسع الذي قوبل به المسلسلان في العالم العربي، لوحظ حدوث تطوُّرٍ خطيرٍ تمثَّل بزيادة الأصوات السعودية النشاز على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تحطُّ من قدر الشعب الفلسطيني وتعلي شأن الإسرائيليين. وازداد بين المواطنين السعوديين أعداد من أخذوا يردِّدون مقولةً تدعي "عدم وجود شيء اسمه فلسطين، بل إنها إسرائيل وليس فلسطين". ومن الملاحظ أنه فيما مضى من السنين كان يُجَرَّم من يقول بهذا الأمر؛ إذ لم يكن يتساهل أي نظام عربي مع سردياتٍ من هذا القبيل، وكان أصحابها يُرسلون إلى السجون بتهمة الخيانة. أما هذه الأيام فيحق لنا التساؤل عن الأصوات السعودية التي اعتادت أن تناصر القضية الفلسطينية وتهاجم إسرائيل، أين غابت؟ أو بالأحرى هل غُيِّبَت من أجل إفساح المجال للأصوات التي تقلب الحقائق؟ ولمَ لا تُغيَّب؟ إذ لا استكمال لخطط التقرّب من الإسرائيليين من دون فعل ذلك.