مؤكدّا على الأمور التالية:
1. إن هذه الكارثة-الجريمة مهما كانت أسبابها المباشرة والتقنية تتحمل مسؤوليتها السياسية والإدارية الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة ومجالسها النيابية ليس فقط منذ 2014 بل منذ عام 1992. إنها المنظومة السلطوية المتمسكة بنظامها القاتل من يتحمل المسؤولية فهي التي جعلت الدولة مساحة للمحاصصة المذهبية والحزبية، وبتبعيتها لأوصيائها كشفت البلاد امام المزيد من التدخلات الخارجية والضغوط الأميركية مما أضعف القدرة على مقاومتها وأفقدها كل امكانيات بناء المرتكزات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية التي تلبّي احتياجات المواطنين، بما فيها القدرة على مواجهة الكوارث. وفي هذا السياق، تندرج حلقات الانهيار الاقتصادي والمالي الراهن والعجز الفاضح عن تأمين أبسط الخدمات العامة لمواجهة وباء الكورونا واستفحال ازمة الكهرباء والمحروقات، وهذه كلّها مقدمّات للكارثة الكبرى التي توّجها زلزال مرفأ بيروت بالأمس الذي من تداعياته المزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي. من هنا يجدد الحزب الشيوعي اللبناني موقفه بأن ليس بمثل هكذا نظام سياسي طائفي ومنظومة سلطوية تابعة نقاوم المشروع الأميركي – الصهيوني ونبني وطنا يليق بتضحيات شعبنا ودماء الشهداء؟ أن المهمة الأساسية اليوم أمام قوى التغيير الديمقراطي هو العمل على إسقاط هذه الحكومة وقيام حكومة مستقلة انتقالية من خارج المنظومة الحاكمة يكون في طليعة أولوياتها تصفية النظام السياسي الحالي وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة القادرة على مواجهة أزمة البلاد الثلاثية الأبعاد، والمتمثّلة في الانهيار الاقتصادي ووباء الكورونا والآثار الاقتصادية والاعمارية والاجتماعية لانفجار المرفأ المدمّر. وفي هذا الاطار يؤكد الحزب أن اللبنانيين اليوم أصبحوا أمام مفترق طرق تاريخي لا يمكن العودة من بعده إلى الوراء، وأن انفجار المرفأ قد فتح مرحلة نوعية جديدة وسرّع الخيار الوحيد أمامهم الآن هو التقدم الى الأمام لبناء هذه الدولة والعقد الاجتماعي الجديد.
2. إن الحزب الشيوعي اللبناني يرفض ويدعو اللبنانيين إلى رفض أي محاولة لاستغلال الكارثة التي حلّت بهم جميعاً وبدون تمييز، بغية تحويل حوافز توحدّهم وتضافر جهودهم وقواهم من اجل بناء مستقبل أفضل، إلى مناسبة للتشظي الطائفي والمذهبي والمناطقي والذي تحاول بعض القوى أن تحققه عبر إثارة النعرات الطائفية والمناطقية وإعادة الانقسام المرفوض بين اللبنانيين. إن الحزب يؤكد أن الوقت الآن هو للوحدة وللتضامن الوطني وليس لأي خطاب تقسيمي أو عنصري أو إقصائي. ويرفض الحزب بالتحديد كل محاولات الاستغلال السياسي أو الطائفي لهذه الجريمة لأغراض تتصل بتعديل موازين القوى بين أطراف السلطة الداخلية خدمة لمشاريع سلطوية أو مشاريع خارجية مشبوهة، من خلال تسعير حملات التحريض والعمل على استدراج قوى الخارج.
3. يدعو الحزب الشيوعي اللبناني - في ظل عدم وجود ثقة في المنظومة الحاكمة - إلى قيام لجنة تحقيق مدنية مستقلة عن السلطة السياسية من اجل جلاء الحقيقة من موقع المسؤولية الوطنية تجاه أسر الضحايا والحق العام، وصولا الى كشف كلّ من اهمل أوتغاضى أو أسهم في حصول الكارثة، على أن يتمّ فعلا سوق هؤلاء إلى العدالة وإنزال العقاب الرادع فيهم. ان هذه اللجنة المدنية المستقلة هي بمثابة الضمانة للبنانيين للوصول إلى الحقيقة والمحاسبة، ويجب أن تضم شخصيات وطنية وقانونية ومؤسسات مشهود لها بمهنيتها واستقلالها وما أكثرهم وهم موجودون في قلب الانتفاضة. ويرى الحزب أن هذه اللجنة تضمن إحاطة وامتلاك اللبنانيين مجتمعين لمسار التحقيق والعدالة بعيدا عن الانحياز والتعتيم والتدويل. وهو يرى في زيارة الرئيس الفرنسي للبنان دعم سياسي لهذه المنظومة الفاسدة وتعويم لها كما فعلت القوى الخارجية عموماً ومنها السلطات الفرنسية المتعاقبة طوال 30 عاما حيث أشرفت على تمويل فساد هذه المنظومة ودعمها بالمال في مؤتمرات باريس 1 و2و3 ، بدون ان ننسى ايضاً الموقف الفرنسي المستمر باحتجاز جورج ابراهيم عبدالله ظلماً بمخالفة واضحة للقرارات القضائية الفرنسية، تحت الضغط الأميركي والصهيوني.
4. ـإن الحزب الشيوعي اللبناني يدعو اللبنانيين إلى التمسّك بوطنيتهم التي برهنت أنها صمام الأمان في الظروف الصعبة التي مرّ ويمر بها لبنان. وهو يرى إن مشروع بناء دولة المواطنة الحديثة يجب أن يكون فوق كل محاولة ترمي الى استغلال الأزمة لتصعيد الدعوات إلى التدويل الذي لن تكون نتائجه إلّا وخيمة على لبنان لجهة امعانها في إضعاف الدولة ومرتكزات السيادة الوطنية والوحدة. ويرى الحزب ان كل مشاريع التدويل ليست إلّا مشاريع تقسيمية وجزء لا يتجزأ من الموبقات المعلنة والمضمرة للنظام الطائفي الذي يستمدّ قوّته من الخارج. وفي الوقت نفسه يثمّن الحزب المساعدات المالية والعينية والطبية والأغاثية للدول الصديقة والمؤسسات الأهلية العالمية وأفراد الجالية اللبنانية في الخارج، والتي تشكل جزءا من التضامن الأممي مع لبنان، الذي يسعى الحزب إلى تعزيزه عبر علاقاته مع الأحزاب الشيوعية واليسارية والصديقة حول العالم.
5. يدعو الحزب إلى التعويض المادي السريع على كافة المتضررين، وفتح الفنادق والشقق الفارغة امام المواطنين الذين خسروا منازلهم على نفقة الدولة، وتأمين دعم مادي وصحي واجتماعي في الأحياء المنكوبة، وإعفاء كل السكان في نطاق بلدية بيروت والبلديات القريبة المتضررة من كافة الضرائب والرسوم البلدية والكهرباء والماء خلال الأشهر المقبلة.
6. إن الحزب الشيوعي الذي يعتبر ان المرحلة الحالية هي مرحلة التغيير الديمقراطي بامتياز يرفض رفضاً قاطعاً استغلال الكارثة لتبرير التوجه الرسمي نحو التضييق على الحريات العامة والإعلامية وعلى حقّ التظاهر والتجمع والعمل السياسي والنقابي والمدني. وفي هذا الإطار، يرى الحزب أهمية أن تكون حالة الطوارىء مؤقتة ومحدودة الصلاحيات وألا تتعارض في شكل من الأشكال مع الحريات العامة والسياسية.
يعتبر الحزب الشيوعي اللبناني أن قوى الانتفاضة الوطنية مدعوة اليوم إلى إعادة النبض إلى الشارع وتصعيد المواجهة في وجه المنظومة السلطوية الحاكمة من خلال طرح برنامجها البديل الرامي الى تكوين سلطة بديلة تأخذ على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوق الشعب اللبناني عبر بناء الدولة الوطنية القادرة والعادلة على أنقاض نظام المحاصصة والتبعية والارتهان الفاشل والقاتل. فالمرحلة القادمة هي مرحلة التغيير الديمقراطي وبالتالي على قوى انتفاضة 17 أكتوبر أن تجمع طاقاتها وجهودها وتعمل على قيام أطر سياسية موحدة لقيادة الانتفاضة في هذه المرحلة الدقيقة. وفي هذا الإطار، يدعو الحزب إلى التجمع والتظاهر في ساحة الشهداء يوم السبت في 8 آب في الساعة الرابعة بعد الظهر تحت هذه الشعارات، وهو يحثّ الشيوعيين واصدقاءهم على الانخراط اليوم بكل طاقاتهم في فعاليات الاغاثة ورفع الأنقاض ومساعدة الجرحى والأهالي المنكوبين والمشردين من منازلهم، كما يدعوهم إلى أعلى درجات التأهب السياسي والتنظيمي في المرحلة الدقيقة المقبلة من أجل العمل على تحقيق الأهداف السياسية للانتفاضة، أي من أجل التغيير الذي ينقل لبنان إلى مرحلة التقدم والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
بيروت في 7/8/2020 المكتب السياسي