مؤلفة الوثيقة من ثلاثة أجزاء؛ الأول الوثيقة الفكرية والثاني التقرير السياسي فيما تضمن الثالث التوجهات البرنامجية. حمل الجزء الأول توطئة عامة وستة فصول تبدأ باستعراض لمستجدات الوضع الدولي وسمة العصر الراهن، وحركة التحرر الوطني العربية بين الأزمة والتجديد، والبنية الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، والنظام السياسي وأزمته البنيوية (الطائفية)، والتحرر الوطني كطريق الى الاشتراكية والتحالفات الطبقة التي تشكل جسر العبور لإنجاز التحرر الوطني. وتناول الجزء الثاني أي التقرير السياسي، الوضع الدولي ثم الإقليمي فاللبناني. وتنتهي الوثيقة بالجزء الثالث الذي وضع التوجهات البرنامجية للحزب.
هذه الوثيقة مطروحة للنقاش في قواعد الحزب بغية تطويرها واغنائها بأفكار جديدة بما يخدم رؤية الحزب للقضية الوطنية. وسنتناول أبرز ما حملته من افكار في حلقتين متتاليتان.
إن فكرة التحرر الوطني تستمد مقوماتها من واقع استمرار بلداننا العربية عرضة للسيطرة الاستعمارية التي فرضت عليها، منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، علاقات إنتاج راسمالية تبعية قطعت الطريق على تشكل نواة نمو رأسمالي كلاسيكي كانت قيد التشكل آنذاك. فتحقق عبر هذه التبعية استغلال مضاعف لطبقتنا العاملة وشعوبنا من خلال مصادرة الثروات الطبيعية والبشرية وفائض الإنتاج الذي يفترض أن يكون مصدرًا للتراكم الرأسمالي في بلادنا. جاءت هذه المقدمة تحت عنوان الانخراط التبعي للبلدان العربية في الدورة الرأسمالية العالمية. وبعد استعراض لعدد من العناوين مثل مقومات وجود علاقات التبعية وتجددها، وراهنية الماركسية وأزمة النظام الرأسمالي، وآليات التوسع الامبريالي وتجديد التبعية، تغوص الوثيقة بالحديث عن الحركة الشيوعية ومفهوم الحزب للأممية التي تنظر إلى الارتباط العضوي الوثيق بين استراتيجية المركز الرأسمالي والامبريالي عمومًا من جهة، وعملية زرع الكيان الصهيوني المصطنع في هذه المنطقة من العالم من جهة ثانية، بالإضافة إلى الأنظمة العربية التابعة. وتضيف الوثيقة إن وظيفة هذا الكيان لم تقتصر على تشريد واقتلاع الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه فقط، بل شملت ايضًا وبالدرجة الأولى تكليف ذلك الكيان بممارسة دور الدركي في المنطقة لحماية المصالح الامبريالية ولتفشيل أية محاولة للتفلت منها، بحسب ما تشهد عليه الحروب والغزوات والاعتداءات المتكررة التي مارسها وما زال يمارسها ضد شعوبنا بدعم من القوى الامبريالية نفسها.
بعد هذه التوطئة تدخل الوثيقة في فصلها الأول المعنون بمستجدات الوضع الدولي وسمة العصر الراهن وفيه عدة عناوين منها أبرز التحولات على المستوى الدولي، والجديد في الرأسمالية وتداعيات العولمة حيث يرد في هذا السياق أن هيمنة رأس المال على الإنسان كنوع تقوم على أساس التشابك المعقد للاقتصادات والأسواق والشركات ورأس المال الوهمي والافتراضي والعابر، وسط تشكل نوع من الاقتصاد الشبكي المعقد الذي بات يجذب الى دائرة عمله كل اقتصادات العالم. وتناول هذا الفصل ظاهرة الدول الصاعدة فيتحدث عن الانجازات الكبيرة واللافتة التي حققتها الصين التي طرحت العديد من التساؤلات حول خصوصية التجربة الصينية في بناء الاشتراكية، حيث نجحت، بقيادة الحزب الشيوعي، في الاستفادة من آليات وأدوات وقدرات النظام الرأسمالي كي تسرع بناء القاعدة المادية الصلبة للاقتصاد الاشتراكي وتنجزها عام 2035. لتدخل المرحلة الانتقالية من الرأسمالية الى الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي ستنتهي عام 2050. وينتهي الفصل الأول بطرح سؤال: هل بعض الدول تابعة أم رأسمالية؟
حمل الفصل الثاني عنوان: حركة التحرر الوطني العربية _ بين الأزمة والتجديد؟ وفيه يتطرق الى دور الحزب الشيوعي اللبناني المبكر في التصدي لمهمة المشاركة في بناء البديل الثوري لقيادة حركة التحرر الوطني العربية بعدما أعاد الاعتبار الى الماركسية في المؤتمر الوطني الثاني عام 1968.
وفي سياق الحديث عن موقع الانتفاضات العربية من أزمة التحرر الوطني ترى الوثيقة أن الأحداث قد أثبتت أن موازين القوى وأدوات التغيير لم تكن تسمح لهذه الانتفاضات أن تحقق إنجازات كبيرة وواعدة. ومع ذلك فقد انتجت مناخًا جماهيريًا جديدًا باقحام الجماهير الشعبية في مسرح الصراع السياسي، وبفتح صفحة جديدة في تاريخ النضال الديمقراطي والصراع الاجتماعي والطبقي في جميع البلدان العربية. وتدلل الوثيقة على ذلك بتكرار الانتفاضات الشعبية في السودان والجزائر ولبنان والعراق وغيرها. وتضيف ان الانتفاضات العربية أدت الى سيطرة مناخ من الخوف في الأوساط الحاكمة في البلدان العربية من دون استثناء، لمجرد توافر الجرأة لدى الشعب على مواجهة الأنظمة السياسية التابعة وحماتها الامبرياليين. وتستطرد بأنه ينبغي الاعتراف بأن استمرار أزمة حركة التحرر الوطني والقوى الثورية العربية شكل عائقًا رئيسيًا أمام إمكان اضطلاع هذه الانتفاضات بدورها الناجح في التصدي لمهمات التحرر الوطني، وبناء اقتصادات وطنية مستقلة وحماية الثروات الوطنية من النهب الاستعمار الذي يحول من دون تطوير القوى المنتجة.
وبعد استعراض آثار الحروب الامبريالية ومشروع الشرق الأوسط الجديد يبرز عنوان لافت في الوثيقة وهو: ظاهرة الممانعة وأزمة قيادة حركة التحرر، وفيه أنه وعلى خلفية أزمة حركة التحرر الوطني العربية قفزت الى الواجهة قوى سياسية تستظل بالفكر الإسلامي والموروث القومي كخلفية فكرية، وانخرطت في مواجهة العدو الصهيوني والتدخل الامبريالي في بلادنا، من دون أن يكون لديها مشروع تحرري اجتماعي يختلف في الجوهر عن المشاريع التقليدية القائمة. وبعد تسمية القوى الممانعة تشخص الوثيقة ازمتها بالقول: إن ممارساتها السياسية وما نشر من وثائقها لا يتضمن بديلاً سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا متميزًا عن الرأسمالية، بل إن ما تستهدفه قوى الممانعة هو السعي لتحقيق استبدال طبقي من طبيعة النظم القائمة نفسها، مع توسل العامل الطائفي والديني للتحشيد والتعبئة، ما يسهم في تعزيز الانقسامات المذهبية ويضعف نضال الشعوب من أجل قيام الدولة الوطنية العلمانية العادلة، كمرحلة انتقالية في اطار مشروعنا الوطني للتغيير والتقدم.
إن مشكلة تيار الممانعة أنه يكرر تجربة فصائل قوى التحرر السابقة متجاهلاً النتيجة التي وصلت إليها، ما يرجح أنها سوف تصل مستقبلاً الى النتيجة نفسها. وبعد استعراض الآثار المتناقضة للدور الايراني على حركة التحرر العربية تنتقل الوثيقة الى القعر الذي بلغته الأزمة الذي أشرت إليه صفقة القرن. وعليه فهي تطرح حركة تحرر وطني من نوع جديد / مقاومة عربية شاملة وفيه دعوة الى توحيد طاقات القوى اليسارية والتقدمية حول أولويتين متلازمتين ومتكاملتين: أولوية المقاومة بكل الوسائل بما فيها خصوصًا المقاومة المسلحة ضد العدو الصهيوني والاحتلال الأجنبي، وأولوية مواجهة نظم التبعية والقمع والاستبداد السياسي والاجتماعي التي شكلت تاريخيًا المرتكز الداخلي الفعلي لهذا العدوان. وتنهي الفقرة الأخيرة من الفصل الثاني بأنه من واجبنا كأحزاب شيوعية عربية وكيسار عربي استخدام كل أشكال النضال الملائمة والمطلوبة، كل في بلده بالدرجة الأولى وعلى المستوى القومي عمومًا، من أجل تشكيل كتل شعبية وازنة وصولاً الى تعديل وتحسين موازين القوى الداخلية وبالتالي العربية، وتجديد حركة التحرر الوطني.