وكان باستمرار يؤكد ضرورة اقامة نظام ودولة وطنية ديمقراطية علمانية قادرة على حماية لبنان وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعلى تجنيب بلدنا وشعبنا مسلسل الصدامات والحروب والأهلية. وقد شكلت انتفاضة 17 تشرين رداً شعبياً بالغ الدلالة في تجسيد نقمة اللبنانيين من جميع الطوائف والمناطق وصرختهم المدوية باسقاط النظام الطائفي ومنظومته السلطوية، وضد الانهيار والافقار والاذلال الذي أوصلت شعبنا اليه. ولم تكن احداث الطيونة المؤلمة في الاسبوع الفائت بين اشخاص وجيران، فهي وليدة سياق صراعي طائفي مناقض كليًّأ لوجود أو بناء الدولة وتغييب معالمها بما فيها استقلالية القضاء وحماية الوضع الامني وتعزيز السلم الاهلي.
لقد كان في مقدمة اهداف الحزب الشيوعي الذي ناضل تاريخياً وما يزال من أجل تحقيقها، بناء وطن مستقل وحرّ، في هوية وطنية تجمع وتوحد اللبنانيين في الانتماء اليه، بدلاً من فشل تأسيسه على قاعدة الانتماء للطائفة التي تفرّق بين اللبنانيين وحقوقهم ربطاً بأحجام طوائفهم وفي لبنان 18 طائفة، وعلى تخويف جمهور كل طائفة بمطامع زعامات الطوائف الأخرى بقضم حصتها. وبالاضافة الى دور الحزب الاساسي في النضال لتحقيق مصالح الحركة العمالية والنقابية والدفاع عن حقوق الكادحين وفئات شعبنا الاجتماعية الاخرى، فإنه كان يقف باستمرار ضد الجمود وتمسّك الطبقة السلطوية بنظامها الطائفي وتحنيطه وتقديسه، تحت عنوان الفرادة اللبنانية، والزعم ان وجود لبنان مرتبط ببقاء نظامه القائم. وقد تسبّبت هذه المفاهيم والسياسات المعتمدة وبخاصة في الثلاثين سنة الأخيرة في الوصول الى استشراء الفساد ونهب المال العام، واحتماء كل فاسد بطائفته ومذهبه، وبالتالي الى الانهيار وافقار الشعب وإذلاله، والى التناقض والشلل في عمل السلطة نفسها، واضعاف دور الدولة بما يجعل زعامات الطوائف قادرة على فرض اولوية مصالحهم عليها، والى الابتزاز بالامتناع عن مشاركة ممثلي الطائفة في الحكومة أو الانسحاب منها، فتختل الميثاقية وفقا للمفهوم المتبع بشأنها، فيصبح الوضع السلطوي محكوما بين الخلل الميثاقي وبين الانصياع لإرادة ومصلحة هذا الزعيم الطائفي او ذاك.
ان هذا النمط من القواعد والممارسات السياسية يبقى الوضع اللبناني والوحدة الداخلية والسلم الاهلي تحت خطر الانزلاق الى التصادمات والحروب الاهلية،
وهذا يبقي الوضع بما في ذلك الدولة وسلطتها في حالة ارتباك وشلل وبالتالي اللجوء في كثير من الاحيان الى مساومات وتواطئات تنفيسية تبقي الاسباب الطائفية ومعاييرها كامنة في صلب النظام والدولة وسلطتها.
ان المشكلة الاساسية هنا هي في ان القيّمين على هذا النظام والتنظيرات التبريرية لادامته، لا يستفيدون من دروس التجربة عندنا وما يجري في العالم. فالحرب الأهلية المدمّرة التي جرى توقفها على اساس اتفاق الطائف، دون استخلاص العبر منها. فقد طرح الحزب الشيوعي مراراً ضرورة مؤتمر مصالحة وطنية، ليست بين زعماء طوائف كأشخاص، وإنما مصالحة شاملة مع الوطن وبناء الدولة والسلم الاهلي، ومع قضايا ومصالح شعبنا الوطنية والاجتماعية. لكن تواطؤ زعامات الطوائف مع الدول الراعية لمؤتمر الطائف اميركا والسعودية وسوريا، منعت تحقيق فكرة المصالحة الوطنية المذكورة التي تضع لبنان على طريق الخروج من دوامة الانقسامات والحروب الاهلية. فبقيت الاسباب التي فجرت الحرب الاهلية كامنة في بنية هذا النظام وسلطته متسببة بتكرار الهزات والتصادمات والحروب الاهلية. وما جرى في منطقة الطيونة واخطاره هو دليل قاطع على ذلك. وإن أية مساومة على حساب إستقلالية القضاء وفصل السلطات وكشف حقيقة تفجير المرفأ ومحاسبة المسؤولين، تحمل معها خطرين، الأول الإطاحة بما تبقى من معالم الدولة، وبالتالي إبقاء مرتكبي الجرائم بكل اشكالها متفلتين من الحساب، فيشجعهم ذلك على الامعان في ممارساتهم. ومما لا شك فيه ان من اهداف احداث الطيونة، إضعاف وضرب المناخ الشعبي المتصاعد الذي جسدته انتفاضة 17 تشرين، وتحويل الصراع الجامع ضد النظام ومنظومته السلطوية، الى صراع بين طوائف يستخدمة زعيم كل طائفة لاسترجاع المتفلتين من عبائته، وتحسين موقعه في جمهور طائفته.
لاسترجاع المتعلقين من عبائته، وتحسين موقعه في جمهور طائفته.
إن خطر الانزلاق الى فتنة وحرب اهلية، يبقى قائماً طالماً بقي النظام الطائفي. لذلك فإن النضال للتغيير وبناء نظام ودولة ديمقراطية علمانية كان وما يزال عند الشيوعيين واوساط لبنانية تزداد إتساعاً هدفاً وطنياً يجدر النضال والتضحية والاتحاد معاً لتحقيقه.