فقد ذاق الشعب مرارة تجربة نظام الطائفية، شللاً وخلافات وحروباً اهلية. وعدا دور هذا النظام في حماية الفساد والفاسدين، فانه يخلق قابلية ودوافع لتعزيز موقع وهيمنة زعيم كل طائفة على السلطة واطرافها. وهذا ما حدث قبلاً في هيمنة المارونية السياسية. ثم السنية السياسية في المرحلة الحريرية. والآن في مطامح الشيعية السياسية. ويترافق ذلك كما قبلاً باستقواء زعامة الطائفة بمساندة خارجية، ويصبح لبنان ساحة لصراعات الداخل والخارج. مما يضعف مناعة لبنان ووحدته الداخلية، خصوصاً في ظروف اكثر خطورة، تواجه فيها منطقتنا المطموع بثرواتها وموقعها الجغرافي، صراعاً دولياً، ومخططاً اميركياً وصهيونياً يرمي الى اثارة الفوضى وتفتيت بلدانها، خصوصاً المحيطة باسرائيل ولبنان منها. مما يجعل اي شحن طائفي، وكل تباعد بين اللبنانيين أو طرح اشكال تقسيم وفدرلة. يصب في اهداف المخططات العدائية ضد لبنان وشعوب المنطقة. وليس غريباً ان يشكل التأجيج الطائفي الآن، خدمة متبادلة بين زعماء الطوائف تؤدي الى شد عصب جمهور كل طائفة لكل منهم، لتحسين وضعه الانتخابي وسط طائفته. ويتأكد هنا ان الثابت هو تلاقيهم حتى وهم مختلفون. ألم يتبين ذلك في مواجهتهم السلطوية والميلشياوية للانتفاضة الشعبية الضخمة التي دفعتها الازمات وضيق فسحة العيش وفساد السلطويين ونهب المال العام الى الانتفاض؟ ولا يخرج الاتهام للانتفاضة بأنها صنع السفارة، عن اساليبهم في التضليل والخداع. فوجود افراد تابعين لسفارات لا يعني اطلاقاً ان المليون منتفض عدا عائلاتهم واهلهم، هم اتباع سفارات. انهم من طينة شعبنا الطيب الذي عرفه تاريخنا بمقاومته للظلم ببعديه الاجتماعي والوطني. فهو ضد الافقار والجوع، ويريد بناء وطن ودولة عدالة اجتماعية لا طائفية وقادرة على حماية لبنان من مطامع وعدوانية اسرائيل. واهم الامثلة الحية على تلاقي اطراف السلطة المختلفين ضد الحركة الشعبية والنقابية، وقوفهم معاً، قوات، ومستقبل، وتيار وطني، ضد اللائحة النقابية المستقلة للعاملين في كازينو لبنان. وحيث كان الفارق 6 اصوات بين اللائحتين. وكذلك في نقابات اخرى، منها مثلاً لجوء افراد نافذين الى تكسير صناديق الفرز في انتخاب نقابة اطباء الاسنان منذ حوالي الشهر لانهم كانوا خاسرين.
ان استمرار نظام التحاصص الطائفي وطبقته السلطوية العاجزة، هو استمرار لمزيد من الازمات والتناقضات وبالتالي التمادي بالانهيار. وان من مصلحة المخطط الاميركي الصهيوني بقاء نظام الانقسامات هذا لاخضاع لبنان بالتدخل من منافذه المفتوحة. والمواجهة الحقيقية لهذا المخطط هي في تلاقي القوى الحريصة على مصالح الوطن والشعب، ضد استمرار هذا النظام ومنظومته السلطوية. ولا تجدي هنا الدعوة الى حوار السلطويين. فقد سبق ذلك حوارات بينهم غير مجدية وهي مضيعة للوقت.
فالخروج من حالة الازمات والتدهور، هو بتلاقي قوى التغيير في ائتلاف وبرنامج تغييري مشترك، سواء في التحرك الشعبي ام في المجال النقابي والانتخابات النيابية. ولا سبيل لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية وتعزيز مناعة لبنان، ألا بوحدة قوى التغيير وتصاعد النهوض الشعبي لتحقيقه.