وكأني ربحت اللوتو أو فجأة انتقلت من مرحلة اللا- جمال إلى مرحلة تغيير كلي في الشكل... حدث أني في الأسبوع نفسه قرأت مبادرة مدرسة لبنانية بمحاولة كسر الرقم القياسي ودخول موسوعة غينيس بأكبر تجمّع الكتروني تحت شعار “wake up, no makeup”. من أين اكتسبت المؤثرات هذه الأهمية وهذه السطوة على أذهاننا؟ متى أصبح الشكل الخارجي أهمّ معايير النجاح؟ مبدأ ارتباط قيمة الشخص بعدد متابعيه مبدأ مخيف للحقيقة، ومبدأ وجود منصة لأشخاص يتحدثن بكل ثقة عن كل شي لا علم لهم به مفاجئ...من أعطى مغنية ناشئة الحق باختصار رسالة المرأة بالأمومة، ومن أعطى غيرها قدرة تحليل وباء كورونا واستخلاص عدم قدرته على الانتقال الا عبر سوائل الجسم، ومن أثبت خطأ نظرية التطور في بلوغ خاص بالماكياج.... إن هذا التعرض مخيف، ومجحف حقاً بحق أخصائيات واخصائيين درسن طويلا image consultancy ولكنهن لا يتمتعن بالوجه الجميل لاكتساب بلايين المتابعين... ولذلك أخصص هذا المقال لإعادة البديهي:
- كون شخص ما أخصائي في الذرة، لا يجعله قادراً على اجراء جراحة لكتفك! مجرد كونهن جميلات ومتابعات للموضة لا يجعلهن أخصائيات اجتماعيات ولا محللات نفسيات ولا حتى مذيعات سوى لأخبار خاطئة.
- إن الألوان والقصات علم بحد ذاته، وعلاقة الألوان على نفسية مرتديها وأيضاً على منظور الناس عن مرتديها هي علم، أثبته وكرسه علماء الأعصاب neuroscientists منذ ثمانينات القرن الماضي Hamind and Newpost)، ما ينفي فكرة الموضة التي تكتسح جيلاً بأكمله لأنه من غير الممكن أن تتطابق قصة واحدة أو لون واحد من شخصيات الجميع. توقفوا عن ارتداء شخصيات غريبة تنسيكم من أنتم. وأنا أكتب هذه الأسطر أحلل للمرة الأولى لماذا لم أفهم بعض الأشخاص أحياناً، لأن لبسهم وألوانهم لا تتطابق مع أسلوب كلامهم وطريقة تقديمهم لأنفسهم، فيتركوني بشعور متناقض أو بحيرة مزعجة.
- في دراسة طويلة أجريت في ثمانينات القرن الماضي على تأثير لباس الرياضيين الداكن على أدائهم وعلى منظور المشاهدين لهم، تبين أن اللاع نفسهم يسجلون أخطاء /اعتداءات أكثر في اللعب في الزي الداكن منهم في الزي الفاتح، وتبيّن أن مفهوم مشاهدين محايدبن لهم بأنهم أكثر شراسة في الأزياء الداكنة. دراسة أخرى أثبتت أن تبني القطط والكلاب الفاتحة أسرع من تبني القطط والكلاب الداكنة.... لأن الداكن بمفهوم العامة حاد. ولمن يتبنى أن مفهومنا للألوان الداكنة هو بسبب تعرضنا لهذا المفهوم بشكل سابق، مجددا أجرى Hamind and Newpost على أطفال بعمر 4 سنوات في غرفة زهرية وفي غرفة رمادية، تبين أن مستوى سعادتهم وثقتهم كان أكبر في الغرفة الوردية.... أي أن الألوان تؤثر علينا، ويرسل كل لون بحسب علم الطاقة رسالة خاصة لمشاعرنا، فكيف يكتسح لوناً ما مساحاتنا جميعا بالتوازي.
- يدعي البعض أن خسارة الانتخابات الأميركية ما قبل الاخيرة كانت بسبب خطأ مصممة ملابس لم تظهر المرشحة بالقوة المطلوبة! أي أن ملابسنا بالحقيقة تعكس رسائلنا الشخصية، وبما أن انطباعاتنا عن الأشخاص الآخرين نكتسبها خلال ال5-7 ثوان الأول في لا وعينا، هذا الانطباع هو بالأكثرية مرتبط بالشكل الخارجي، هنا تكمن أهمية اللباس.
- في دراستين جميلتين أجريت الأولى عام 2015 in Social Psychological and Personality Science تبيّن أنّ استخدام المهارات المعرفية يزداد عند ارتداء اللباس الرسمي بدلاً من اللباس الرياضي، أما الثانية فبينّت أن مهارات التفاوض تزداد بشكل كبير عند ارتداء بدلة، حيث تزيد الشعور بالقوة والسلطة.
- بناءً على إحصاء أجرته Digital marketing Institute، 70% من المراهقين يصدقون المؤثرين أكثر من الأخصائيين العاديين، و60% يتقبلون النصائح منهم. أتمنى أن يقرأ مؤثرونا هذه الإحصاءات قبل النصائح البالية المناقضة للمنطق.
إنّ العلم متفرق، وشاسع، وكل مجال وله أسراره، لذلك أرجوكم ليس كل من خلط لونين يصبح رساما أو فنان تجميلياً وليس كل من حصد متابعين "افتراضيين" أصبح مؤثراً مجتمعياً وليس كل من نصح في الموضة فهمها بل حفظها حفظاً.