أثناء دراستي الجامعيّة، كانت هناك طالبة مسجّلة معي في صفّ نظريّات في علم الاجتماع. كان من الجليّ أن وجودها في المكان الخطأ، فلم أتفاجأ حين توقّفت عن الحضور بعد مرّتين أو ثلاث. بعد مرور عدّة سنوات، اكتشفت أنّ هذه الطّالبة هي "فاشونيستا" أشهر من نار على علم في الوطن العربيّ.
أمّا تجربتي الثّانية مع هذه الفئة كانت حين قرّرت إحدى قريباتي في الهجرة الدّخول في هذا المجال عبر "الانستغرام". لا يعنيني الأمر طبعًا فلها حرّيتها الشّخصيّة وخياراتها. لكنّني كنت دائمًا مطمئنة: "لا أحد سيعلم أنّها قريبة لي، فالعائلة كبيرة أوّلًا، وثانيًا هي تستخدم اسم والدها وليس اسم العائلة". لكن ذات مرّة عرّفت فيها عن نفسي لأحد السّكان في رأس بيروت حيث نفوسي، فإذا بالشّخص يستفسر إن كنت شقيقة هذه الفتاة. وفي مرّات أخرى كان البعض يتفاجأ، بشكل سلبيّ في أغلب الأحيان، حين يعلم صلة القرابة الوطيدة بيني وبينها!
لنكن واقعيّين بعض الشيء، هل يحتاج شخص في الأربعين أو الثّلاثين، أو حتّى العشرين من العمر، لمن يعرض له خيارات لثياب أو موضة ما؟ الموضة عالم مختلف تمامًا عن وسائل التّواصل الاجتماعيّ. لا أستطيع أن أقرّر فجأة أنّني أصلح لهذا المجال حتّى لو بلغ عدد المتابعين لحساباتي ما يفوق الـ٥٠ ألف أو حتّى المليون.
لا أدري إن كان الخطب بي أم في الأخرين. في أكثر من مؤسّسة دوليّة عملت بها، كان الشّغل الشّاغل لمديرات المؤسّسة هو هذا الموضوع! وكأنّنا نقرّر أن نلجم أنفسنا بالانسياق وراء "الفاشونيستاز". أوّلًا سنشعر بالحرج من ثيابنا الجيّدة لكن القديمة، الّتي لا يتناسب تصميمها أو ربما لونها مع ما يجري في كوكب "الفاشونيستاز". ثانيًا، إنّنا نبتعد عن ما يتناسب مع شخصيّتنا ويريحنا ويشبهنا، ونشتري من المتاجر الّتي تسوّق لها هذه الشّخصيّات. نعتقد أنّهن يعرضن لنا ثيابًا جميلة لصالحنا في حين أن النّظام القائم أكبر بكثير من ذلك. صدّقوني لا أحد سيكترث إن كان ما تلبسونه جميل أو مريح، ما دمت تتابعونهم وتحبّون صورهم. يحصلون على الأهميّة والمال، وأنتم تكرهون كلّ ما هو جميل لديكم أكثر.