قصة سلاح المقاومة الفلسطينية

إرتكزت الإنتفاضة الثانية في البداية على الفعل الجماهيري، قبل أن تأخد العسكرة الحيز الأكبر منها. برغم الضربات القاسية التي تلقّتها المقاومة في التسعينيات من ناحية المهندسين والمواد الأولية للتصنيع، وطبيعة التواصل الذي إتخد شكلًا عنقوديًا نتيجة لصعوبة التواصل المركزيّ المباشر، إستطاعت الفصائل أن تراكم خبرات العمل العسكري وتبني عليها في المستقبل.

عرفت الإنتفاضة صعوبات أمنية نتيجة لتضافر جهود السلطات الفلسطينية والإسرائيلية لتشديد الخناق على عمليات التصنيع التي لم تكن إلا نتيجة حتمية لإرتفاع وتيرة العمليات العسكرية، فإنعدمت فرص إنشاء ورش "ثابتة"، ومراكز تصنيع آمنة، نتيجة لصعوبة نقلها وعدم توافر العامل المادّي السامح لشراء أماكن مستقلة. فشَكلت البيوت والأراضي مركزًا للتصنيع، كما كانت المخارط ملجأً كلاسيكيًا للمقاومين، نتيجة لتوافر الأدوات اللازمة واليد الحرفية الخبيرة، في ظلّ العمل الذّاتي الغالب حينها، فعملت القوات الإسرائيلية على إستهدافها ومصادرة أدواتها.

كما حُفظت المواد والأسلحة والأدوات المستخدمة في التصنيع (في منازل المصنعين عادة)، دون مراعات الشروط الصحية  نتيجة لسرية العملية وسهولة كشف مواردها... ولم تشهد الإنتفاضة "ثورة" في مجال التصنيع إلا عند خروج المقاومين الذين عملوا مع مهندسي المقاومة سابقًا من سجون السلطة. 

لعب الفدائيون القادمون من الخارج دورًا هامًا في نقل الخبرات، لا سيِّما على مستوى المتفجرات والصواعق الكهربائية، فكانت مادة (الأسيتون بروكسايد) المتفجرة أو "أم العبد" باللغة الشعبية، والتي لعبت دورًا هامًا بعملية التصنيع المحلي وتحديدًا الأحزمة الناسفة، نتاج لجهود الأسير المحرَّر مازن ملصة وأيمن حلاوة. 

شهد التصنيع العسكري المحلي تطورًا ملحوظًا في نوعية وفعالية الأسلحة المُصنعة خلال الإنتفاضة، كما أدّى إلى كودرت مهندسين عملوا بعد الإنتفاضة على تقوية الجسم المقاوم ميدانيًا، فلم تشمل الصناعات الصواريخ وقذائف الهاون فقط بل لامست عدة أسلحة.

 

القنبلة اليدوية

إستندت آلية التفجير بداية على أعواد الكبريت، قبل أن يطوّر المقاومون أمثال محمد الضّيف وعدنان الغول وزاهر نصار صاعقًا ميكانيكيًا يشبه التقنية الأمريكيّة. فساهمت كلفة التَّصنيع الرخيصة والتنسيق العسكري المبكّر بين الفصائل، في غزارة إنتاج هذا السلاح في مختلف المصانع العسكرية.

 

الصواريخ المضادّة للدروع

ظهرت بداية قذائف "الأنيرغا" المضادّة للدروع لمواجهة آليات العدو المصفحة لا سيِّما في قطاع غزّة. لتخرج قذائق "البنا"، التي أُستخدمت أولًا لإستهداف ثكنة عسكرية شمال القطاع عام 2002، والتي طُورت لاحقًا الى "البنا1" و"البنا2"، كان عدنان الغول ومحمد الضّيف ممّن أشرفوا على تطويرها. تلا ذلك ظهور "البتّار"، والذي لم يحتج إلى رامٍ عن الكتف بعكس "البنا"، إذ أنه يُنصب على القاعدة ويُقذف بشكل سلكي ليبلغ مداه كيلومتر واحد.

وفي عام 2004 ظهر "قاذف الياسين" محاكاة للقاذف P2 في ظلّ صعوبة تهريب قذائف ال RBG  وإرتفاع سعرها، ليبلغ مداه ال 200 متر مع قدرة إختراق 16 سم في الحديد الصلب. 

 

الأحزمة الناسفة

لم تكن الإنتفاضة بداية عهد الأحزمة الناسفة، إذ سبق وأستخدمت في العمليات الإستشهادية قبل ذلك لاسيِّما تلك التي قادها الشهيد "يحيى عيَّاش". إلا أنّ تطورًا قد ظهر مع إنتفاضة الأقصى في كمية ونوعية المواد المستخدمة عدى عن آلية تفجيرها.  فبعد عودة "فواز بدران" من الأردن، تمكن من إعداد مادّة متفجرة مُنحت إسم "قسّام 19" التي شكلت طفرة نوعية من حيث قوة الإنفجار و درجة أمانها.

 

العبوّات

كغيرها من الأسلحة شهدت العبوّات المضادة للأفراد والدروع تطورًا هائلًا، فكان لسهولة إعدادها ونقلها إضافة للظروف العسكرية التي حتَّمت ضرورة إبتكار طرق جديدة لإخفائها (كما حدث في عملية عمانوئيل الأولى) أثرٌ  كبيرٌ في تقدم صناعتها. فكانت عبوة "شواظ 1" ذات ال 40 كغ أولى النماذج التي تم تصنيعها قبل أن يتفرع عنها "شواظ 2" و "3"، بعد تطوير المهندسين لمواد و نماذج بقدرة أعلى. 

 

لم يشمل التطور خلال الإنتفاضة أسلحة المقاومين فقط فكان لابد من إتباع أساليب جديدة في تدريب المهندسين بالإضافة إلى مشاركة المواد مع الفصائل وحفظها، منعًا لتراجع قدراتها في حال تغييب أحد مهندسيها قتلًا أو إعتقالًا. وسجّلت مقاطع مصورة تحوي طرق إعداد المواد و تركيبها وزعت على أقراص "CD" ونُشر بعضها على النت. 

لاشك أن هذا التطور كان نتاج أسماء نجهلها، وإخفاقات لم تقف بطريق نجاحات صنعتها جراحٌ رخُصت أمام تراب الوطن، و الأكيد أنه كان حصيلة إرادة آمنت بالممكن لتحقق الضروريّ أيّ المأمول لنا.