هناك عند مدخل مرج بسري، اصطفّ ثلاثون عنصراً من عناصر مكافحة الشغب، وبأمر من السلطة، منعوا المواطنين الذين يقارب عددهم المئة من الدخول إلى المرج. هي ليست المرّة الأولى التي يُمنع فيها المواطنون من الدخول، فقد تزامنت هذه الاستعدادات الأمنية مع تلك الميدانية الخاصة بأشغال إنشاء سد بسري. ليس هذا الأمر غريباً على السلطة اللبنانية التي اعتادت أن تضرب طوقاً حول مناطق عدّة قبل الانقضاض من خلالها على حقوق المواطنين وأملاكهم العامّة والخاصة أيضاً. من هنا، أتى تخوّف الأهالي أن "تنتهي أعمال السد قبل أن تسمع لأصواتهم آذان".
الأسباب الموجبة للتحرك في وجه السد
أتت هذه التحركات بعد اعتزام السلطة إقامة مشروع سد بسري، وهو سدٌّ مائيٌّ ضخم ذو تكلفة باهظة يموّله البنك الدولي بقيمة تقارب 500 مليون دولار، وسيقوم مجلس الإنماء والإعمار بتنفيذه. وبحسب المعنيّين، يهدف السد إلى "توفير مياه الشفة لمنطقة بيروت وضواحيها".
رفع بدايةً أهالي المنطقة الصوت، رافضين المشروع الذي يساهم في زيادة فقر السكّان وتهجيرهم من أراضيهم. ثم تشكّلت "الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري" من الأهالي والخبراء. توالت التحرّكات في بسري بقصد المناشدة والضغط لإيقاف المشروع. وبحسب الحملة، هناك أسباب موجبة للتراجع عن إنشاء السد لما سيكبده من عدة تداعيات سلبيّة على كافّة الصعد، يصفها خبراء البيئة والجيولوجيا بـ"الكارثية"، على اعتبار أن إنشاء السد سيقضي على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والحرجية والأثرية، ويهدد عشرات الآلاف من المواطنين بخطر حدوث الزلازل، إذ أن السد سيُبنى بجانب فالق زلزالي غير خامد، هو فالق روم. يساهم السد أيضًا في زيادة الدين العام، وذلك في ظلّ "توفّر بدائل أكثر فاعليّة وأقلّ كلفة لتأمين المياه" منها "إعادة تنظيم قطاع المياه الجوفية واستثمار الينابيع الجوفية وغيرها". وتعتبر الحملة في هذا الصدد أن "سدّ بسري لن ينجح في تجميع المياه وتأمين مياه شفّة نظيفة لبيروت"، بسبب "طبيعة الأرض الكارستيّة المتكسّرة والبنية الركاميّة الهشّة للقعر والتي ستؤدّي حتماً إلى تسرب المياه لجوف الأرض". وهذا ما حصل سابقاً في سد بريصا وسد القيسماني وغيرهما.
القضاء على الإرث البيئي والثقافي والتاريخي
تقدمّت "الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري" بطلب إلى وزارة الثقافة لتصنيف مرج بسري محميّة أثرية. ليس هذا كثيرًا على مرجٍ شاهدٍ على معالم أثرية نادرة ومهمة، والذي تختزن مساحته البالغة ستة ملايين متر مربع 58 موقعاً أثرياً من عصور تعود إلى فترات تاريخية متنوعة (فينيقيّة، رومانيّة، بيزنطيّة، مملوكيّة، إلى العثمانية)، والتي ستغطيها مياه البحيرة الاصطناعية المنوي إنشاؤها، مدمرة بذلك مواقع أثرية مهمّة وشبه مجهولة حتى الآن. هذا من ناحية القيمة التاريخية والأثرية، أما قانونيّاً، فإن إنشاء السد يخالف القرار 131/1، الذي يقضي بتصنيف مجرى نهر الأوّلي من المواقع الطبيعيّة، ويخالف المادّة 4 رقم 444 من قانون حماية البيئة.
هدفٌ للسياسة الخارجية الأميركية
تعود الدراسات الأولى لمشروع إنشاء سد بسري الى خمسينيات القرن الماضي، وتحديداً إلى برنامج "النقطة الرابعة"، وهو برنامح "مساعدات" أميركية، كانت من ضمنه دراسة عامة للموارد المائية في لبنان خلال السنوات الممتدّة من 1951 حتى 1954، ومن بينها استكشاف موقع لإنشاء سد على نهر بسري. وقد أعلن الرئيس الأميركي هاري ترومان عام 1949 للمرة الأولى عن البرنامج متناولاً حينها الأهداف الأربعة للسياسة الخارجية الأميركية.
توالت الدراسات وتحدثت الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن مشروع السد. وتأتي تأكيدات الحكومة اللبنانية الحاليّة والبنك الدولي، ضاربةّ بعرض الحائط كل الأسباب الموجبة لإيقاف المشروع. والجدير بالذكر أنه ينجم عن هذا السد رأسمالٌ كبيرٌ يستفيد منه السياسيون والطبقة الحاكمة. وهذه ليست المرّة الأولى التي يموّل فيها البنك الدولي سدوداً فاشلة، أو تقوم الطبقة الحاكمة في لبنان بتطبيق خطط لمشاريع فاشلة، غير آبهة بأي أضرار تنجم عنها لتدمّر البيئة كما القيمة الإنسانيّة.
تحركات مقبلة
تعالت الصرخات وهتف المتظاهرون مراراً "لا للسد، نحنا السد بوجّ السد"، واعدين "بالمزيد من التحركات في محاولةٍ لإيقافه، "علّ المعنيين يسمعون أصواتهم". "جاءت التحركات السابقة في مرج بسري، وأمام مبنى البنك الدولي في بيروت. و"قد يكون التحرك المقبل أمام مجلس الإنماء والإعمار" يقول أحد المتظاهرين التابعين لقطاع الشباب والطلاب في "الحزب الشيوعي اللبناني" الذي شارك في الوقفة الاحتجاجية الأخيرة يوم 24 آذار. وقد دعت الحملة إلى وقفة أخرى نهار الأحد المقبل الواقع في 31 من الشهر الحالي.