كان الإعلام في تلك المرحلة، مقتصراً على الصحافة المكتوبة، وكانت الإذاعة اللبنانية، ثمّ التلفزيون أواخر الخمسينيات. لم يكن للشيوعيين واليساريين والأوساط العمالية والنقابية، صحيفة يومية تعكس نشاطاتهم ونضالاتهم الاجتماعية والوطنية، وتحتوي مقالات وتعليقات كتابها، رؤية وتوجهاً منبثقاً من المصالح الطبقية والوطنية لشعبنا، فكنا ننتظرها متعطشين إلى قراءة ما تحمله لنا. وكانت النداء اسماً على مسمى. فهي بمثابة نداء لعمالنا وطلابنا وشبابنا ومعلمينا وجميع الفئات الاجتماعية المستغَلة، للنضال من أجل حقوقهم، ومواجهة المشكلات والأزمات النابعة من طبيعة النظام السياسي الطبقي بوجهه الاقتصادي والاجتماعي والطائفي... نداء للنضال الموحد رفضاً للاستغلال ولانتزاع المطالب والحقوق. فالكثيرون من الأصدقاء والمناضلين والعمال والفئات الاجتماعية، يرون فيها ما يمثل إرادتهم وقضاياهم، إنها جريدتهم، هم الذين ساهموا في تأمين كلفة إصدارها. لذا لا تتبع "النّداء" لأي جهة خارجية أو داخلية، لا في سياستها ولا في تمويلها. كان من أبرز كتابها الأوائل، خليل الدبس، كريم مروة، محمد دكروب، حسين مروة، يوسف خطار الحلو، سهيل يموت ومحمد عيتاني، وغيرهم، إضافة إلى لمسات فرج الله الحلو ونقولا شاوي. من أبرز شهداء الإعلام والفكر والثقافة، سهيل طويله، خليل نعوس، حسين مروة، ومهدي عامل، وهؤلاء من كتابها. معظم الكتابات فيها تقوم على التطوع وشبه التطوع، فظلت لصيقة بمعيشة وحياة شعبنا وكادحيه. أبرز الحملات التي تصدرت صفحتها في السنة الأولى هي المطالبة بالقائد الشيوعي والوطني فرج الله الحلو، الذي اعتقلته أجهزة المباحث في دمشق في 27 حزيران 1959، وأخفت أثره. وكان لهذه الجريدة دور كبير في الحملات الشعبية داخلياً والسياسية والإعلامية خارجياً.
كما شكلت هذه الجريدة منبراً للتضامن مع نضال شعوبنا العربية ضد سيطرة الاستعمار والإمبريالية، وضد سياسات القمع والاستبداد للأنظمة العربية. وكانت قي توجهاتها التوعوية والتعبوية تمارس دوراً استنهاضياً للنضال ضد سياسة التخاذل وطنياً حيال اعتداءات العدو الصهيوني من جهة، وداعماً للحركة الشعبية وتصاعد نضالاتها من جهة أخرى، رداَ على بروز أزمة النظام مع أزمة بنك إنترا ومتفرعاته، وأزمة تصريف الإنتاج الزراعي، وقضية الأسعار والأجور، والمستأجرين، والطلاب وغيرهم، منذ منتصف الستينيات. كما جسَّدت مساندة شعبنا للقضية الفلسطينية، وللحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ولمقاومة العدو الصهيوني بعد نكسة 1967، وحق عودة الفلسطينيين إلى أرض وطنهم.
لقد كان دورها مميزاً في الدفاع عن الحريات الديمقراطية، وفي تطوير العمل المشترك بين القوى الوطنية وصولاً إلى تشكيل الحركة الوطنية وبرنامجها للإصلاح المرحلي الذي يطرح السبيل إلى إخراج لبنان من دوامة الانقسامات الطائفية والحروب الأهلية، وضد القمع السلطوي والميليشيوي الاستفزازي، وخطره على الاستقرار والسلم الأهلي. وعندما فجّرت قوى المشروع الطائفي الحرب الأهلية كخيار بديل لخيار الإصلاح، شكلت النداء من خلال مراسليها وكتّابها، مرآة عكست التطورات السياسية وما يجري على الأرض، داعية إلى لبنان عربي ديموقراطي علماني موحّد، وإلى الدفاع عن الثورة الفلسطينية. كان لهذه الجريدة الدور الأكبر في مواجهة الغزو الصهيوني عام 1982، فتصدّر بيان إعلان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، الذي وقّعَه جورج حاوي ورفيقه محسن ابراهيم، وعمليات أبطال المقاومة، صفحتَها الأولى.
لقد كانت "النداء" مدرسة خرّجت عشرات الكتاب الصحافيين المنتشرين الآن في العديد من وسائل الاعلام اللبنانية والعربية. وقد مرّت بصعوبات مادية وبعض انقطاعات. وكُلّفتُ بالإشراف سياسياً على إعادة إصدارها مجلة، من أوائل 2004 حتى عام 2013. وما زلت على عادتي أكتب مقالاً في كل عدد. ومع أن الصحافة المكتوبة في تراجع، فإني أتمنى أن تتمكن النداء فيما بعد، من العودة إلى الصدور يومياً. وبمناسبة عيد صدورها، أتوجه بالتحية إلى أسرتها وكتابها الأوائل، وبالتحية إلى كل شهدائها.