أضاءت نادين من خلال عملها السياسي والخدماتي، على الأشكال المختلفة للاضطهاد البطريركي، مركّزة على حق الأمّهات بحضانة الأطفال، واستغلال رجال الدين لمواقعهم. فهي، كأغلبية الأمّهات العازبات اللواتي حرمتهنّ المحاكم الدينية أولادهنّ، قد عاشت حياتها تتلمّس الساعات القليلة التي تقضيها مع ابنها، كلّما سمح لها أباه وأهله بذلك.
سنقوم في هذا النص بما كانت نادين لتحبّه عند الكلام عنها، أي جعل موضوعها مسألة حقوق وحريات وظلم نظام، بدلاً من قصة فرد. فالمأساة وراء موت نادين ذات شقّين، شقّ يتعلّق بظلم عاشت بسببه ثلث عمرها كأم محرومة من حياتها وطفلها، وشقّ قتلها من قبل السلطة الجائرة التي تحرمنا الحياة عبر نهبها لثرواتنا. كما تُقتل النساء في منطقتنا كلّ يوم، قتلت نادين على يد السلطة الدينية والسلطة السياسية.
ربّما أكثر ما آلم الناس، بعد فكرة موت نادين ذاتها، هي فكرة أنها ماتت دون أن تحقّق حلمها وحلم النساء بقوانين عادلة ومنصفة، وبالعيش ولو لأيام، مع أولادهنّ. فالمحاكم الدينية، من حكم نصوص عمرها آلاف السنين، حتى حكم رجال ذكوريين ينتفعون من مواقعهم ويغتنون منها أو يحصلون من خلالها على مزيد من الامتيازات، هذه المحاكم بعيدة كلّ البعد عن حاجات المجتمع والأفراد، وبالأخص عن مصلحة النساء وأطفالهنّ.
في السياق اللبناني، اعتادت النساء (خاصة) التعرّض للتكفير والاتهامات بالجنون أو الخروج عن الأخلاق الحميدة، إذا ما رفعن أصواتهن ضدّ السلطة الدينية. وقد ثبّتت هذه الأخيرة شرعيتها في المجتمع، ممّا نتج عنه انقلاب العائلة والأصدقاء والقرية على النساء إذا ما اعترضن على قرارات المحكمة. وقد بدأت نادين ورفيقاتها حملة منظّمة وفاعلة وحقيقية وجريئة لا تهاب التهديد، للاعتراض على قرارات المحكمة الجعفرية الجائرة بحق الأمهات والنساء بعامّة، وكلّ المحاكم الدينية في لبنان. "الفساد الفساد جوا العمامات"، صرخة نادين التي عبّرت عمّا يجول في خواطر العديد من النساء اللواتي اضطررن للجوء للمحكمة الجعفرية والتعرّض لذكورية رجال الدين وتحرشاتهم وعروضهم الجنسية. فما الذي قد يدفع صبية في التاسعة العشرين لتكون بهذا الغضب؟ ما الذي يجعل موتها يكون القصة الأساسية التي يتكلّم فيها الناس بصدمة وفجيعة وألم؟ "صارت حياتي عبارة عن حرب وقضية، بلا ما إلحق أحلامي وطموحي" تختصر نادين معاناة الأمهات العازبات برسالة بسيطة ترسلها لصديقتها، تختصر فيها كيف تحوّل المحكمة الدينية حيواتنا وأحلامنا إلى صراع.
من ناحية أخرى، يذكّرنا موت نادين المفاجئ نتيجة لحادث سيارة على أتوستراد الدامور، بطرقاتنا القاتلة وتخاذل الدولة عن تأمين أساسيات سلامة الطرقات. والمسألة الأهم في هذا السياق هي سوء المواصلات العامة وغيابها في أكثر الأحيان، ممّا يجعل العديدات والعديدين منّا مجبرين على القيادة لساعات طويلة، حتى عند التعب والإرهاق، بسبب غياب البديل. لكانت نادين بيننا اليوم، لو أنّها استقلّت قطاراً من بيروت إلى الجنوب، ونامت في طريقها إلى أهلها وأصدقائها.
ما قتل نادين ويقتل النساء والمحرومين كلّ يوم، هو سلطة دينية تتحكّم بحيواتهم ومستقبلهم وأطفالهم، وسلطة سياسية تريد للناس الموت عبر صياغة سياسات منحازة ضدّ الفقراء.
لقد أعادت نادين من خلال عملها، موقع النساء الرافضات لأهواء العمامات، إلى الواجهة، إلى الحيّز المسموع والمرئي من مجتمعاتنا. في اليوم الذي سننتزع فيه حقوقنا، ذلك اليوم المشرق الذي يشبه كلّ أحلامنا، سيكون لنادين جوني حصّة فيه، حصة الأم التي أمضت سنواتها القليلة في العمل من أجل ابنها وأبناء وبنات غيرها، من أجل نفسها هي وحياتها هي وصحّتها النفسية هي ضدّ من وضعوا النساء الرافضات لسلطة الدين والمال، في غرفة الأمراض العقلية، وفي مصاف الكافرات المنبوذات من مجتمعاتهن.