القانون التشريدي للأجارات

عديدةٌ هي المواضيع التي ما زالت حتى الآن وقبل الكورونا تستأثر بإهتمام حياة ومعيشة الفئات الشعبية وبالأخصّ العمّال والمستخدمين وذوي الدخل المحدود ، والمتعلقة بمعاناتهم اليومية بسبب تدني إنعدام الخدمات الأساسية الحياتية والإجتماعية من السكن والنقل والكهرباء والمياه والصحة والتعليم والغلاء والإحتكار والأسعار وفرص العمل وحماية الأجور والضمان الإجتماعي والشيخوخة.


إنّ هذه المعاناة والصعوبات التي يتعرّض لها المواطنون نتيجة السياسات الإقتصادية والإجتماعية الخاطئة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة، خدمة الإحتكارات وأصحاب العمل والرساميل الكبرى والمصارف ومتقاسمي الحصص والنفوذ والصفقات.
ونحن اليوم في هذه العزلة التي فرضها علينا وباء الكورونا وأصبح غالبية العمال والمستخدمين وذوي الدخل المحدود بدون عمل وبدون أجور، أصحاب العمل أقفلوا مؤسساتهم وصرفوا عمالهم فانقطعت أجورهم وخسروا تعويضاتهم بسبب إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية والدولة غارقة في مديونيتها وخزينتها فارغة.

إنّ قانون الإيجارات التهجيري الذي أقرّه المجلس النيابي عام ٢٠١٤ قرّر تحرير عقود الإيجارات القديمة وألغى جميع ضمانات حق السكن والإستقرار الإجتماعي لحوالي مائة وثمانون ألف عائلة يشكلون ربع اللبنانيين المقيمين على أرض الوطن، وهي الضمانات التي نصت عليها القوانين الإستثنائية منذ عام ١٩٤٠ بإعتبار أن حق السكن له قوة دستورية وهو أحد بنود شرعة حقوق الإنسان.

إن هذا القانون التهجيري الذي عدل في شباط ٢٠١٧ تحت ضغط وتحرك العمال والنقابات خاصة لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين والإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين ، لازال مرفوضاً من المستأجرين بإعتبار أن هذا القانون هو كارثة وطنية تؤدي إلى تشريد وفرز طائفي ومناطقي وطبقي عجزت عنه الحروب الأهلية وإنهاء للعيش المشترك، مدارس علاقات إجتماعية وإنسانية.

إن المطلوب رد الكارثة الإنسانية الزاحفة على الوطن بهذا القانون التهجيري الأسود للإيجارات الذي يضيف إلى المخاطر الراهنة والتي تهدد السلم الأهلي والأمن الإجتماعي ومعالجة قضية الإيجارات القديمة وفق قواعد العدالة الإجتماعية والمصلحة الوطنية واعداد قانون عادل ومتوازن يرفع الغبن عن صغار وقدامى المالكين ويصون حقوق المستأجرين في السكن ويؤمن ضمانات الإستقرار لهم في إطار خطة سكنية تعالج الأزمة وتؤمن البدائل.

إذ أنه لايجوز إصدار قانون تهجيري يعرض المستأجرين القدامى الذين يفوق عددهم أكثر من ١٨٠ ألف عائلة فريسة هكذا قانون تهجيري وتشريدي أمام غول الإستثمارات العقارية وتوحش رؤوس الأموال والسماح للمالكين الجدد والشركات العقارية والمصارف أن يسرقوا حقوق المستأجرين في تعويضات الإخلاء.
إن هذا القانون المدان يؤدي في حال تطبيقه إلى الفرز الطائفي والطبقي والمناطقي وتدمير ماتبقى من عيش مشترك وعلاقات إنسانية وأجتماعية عجزت عنه الحرب الأهلية وكل الأحداث التي عاشها شعبنا اللبناني.

إن هذا القانون المدان في حال تطبيقه تتحمل السلطات الحاكمة حكومةً ومجلساً نيابياً ورئاسة الجمهورية وقضاءً مسؤولية حياة ومعيشة معظم المستأجرين وخاصةً كبار السن منهم الذين هم يعيشون على مساعدات ابنائهم وذويهم كون العديد منهم لا دخل لديهم أو مداخيلهم متدنية وأسعار الخدمات وكلفة المعيشة مرتفعة جداً والدولة هي المسؤولة عن أزمة السكن وأزمة التضخم والأسعار. والمستأجرون القدامى المعرضون للتشرد بهذا القانون الأسود قد نظموا عقد إيجار وفق القانون والتزموا بكل واجباته حافظوا على بيوتهم في سنوات الحرب ورمموا منازلهم مرات عديدة ومنهم من دفع تعويض للمالكين.
وهذا القانون المدان في حال تطبيقه سيمكّن الشركات العقارية والمصارف من وضع يدها على عقارات الأبنية القديمة ويشرّد المستأجرين دون أن يرحم صغار المالكين.

إستناداً لكل ما تقدّم ونظراً للأوضاع المعيشية الكارثية التي اوصلتنا إليها السلطات الحاكمة المتعاقبة نؤكد على: رفض قانون الإيجارات التشريدي الجديد، وضع قانون عادل للإيجارات ينصف المستأجرين وصغار المالكين، التأكيد على إعتبار حق السكن مقدس إستناداً إلى شرعة حقوق الإنسان، التأكيد على حق المستأجرين ببدل الإخلاء. إنّ إصدار قانون عادل للإيجارات يجب أن يتلازم حكماً مع صدور قانون للإيجار التمليكي بعد حصر المستأجرين القدامى وذلك لإحتواء مشكلة الخروج من قانون الإيجارات الاستثنائية تدريجياً على مراحل وإستناداً لكل ماتقدم أيضاً نطرح ما يلي: خطة وسياسة إسكانية مع إعطاء قروض ميسرة طويلة الأجل ، إعادة إحياء وزارة الإسكان بكامل كادراتها الإدارية القانونية والفنية على أن تناط بها أعمال تنفيذ الخطة السكنية وفي هذا الإطار نرى أن عمل وزارة المهجرين شارف على الإنتهاء وهي مازالت قائمة بكافة كادراتها، ندعو المسؤولين إلى تحويل هذه الوزارة إلى وزارة إسكان ليعاد احيائها كما كانت سابقاً بأن ترصد لها الأموال اللازمة لتأمين المسكن الآمن ولائق للمستأجرين القدامى ولمن ليس له سقفاً يأويه، وأن تناط بها أيضاً أعمال تدعيم كافة المباني القديمة الموجودة الأهلة بالسكان وذلك درء للأخطار الداهمة وذلك قبل أن يتحولوا قسراً إلى مهجرين.
هذه بعض الطروحات لإحتواء مشكلة الخروج من قانون الإيجارات الإستثنائي تدريجياً وعلى مراحل تساهم الدولة والأوقاف والبلديات في حلّ هذه المشكلة عبر إنشاء مشاريع وحدات سكنية وايجاد أماكن بديلة في ذات المنطقة التي أخلى المستأجرين منها وتخصيصها لشرائها من المستأجرين الذين سيتمّ اخلاؤهم حفاظاً واحتراماً للتوزيع المناطقي والطائفي والمذهبي. تلتزم جميع البلديات والأوقاف المسيحية والإسلامية في تقديم قسم من العقارات التابعة لها وتخصيصها لبناء أبنية سكنية بهدف بيعها من المستأجرين الذين سيتم اخلاؤهم من بيوتهم ولتشجيع الشباب الراغبين بتأسيس عائلة شراء شقة سكنية بأسعار مدروسة وموجهة من الدولة.