الدولة العلمانيّة هي الحل

في ظل الإفلاس الذي يعيشه لبنان على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وفي ظل التشنج الطائفي المُتجدد على ساحته، والذي يحصد، عند كل توتُّر على الأرض، ضحايا بريئة، يتجدّد النقاش حول طبيعة وشكل النظام الأنسب لحماية لبنان وتطوير مُجتمعه وإنسانه.وفي هذا الصدد، تعود إلى العلن شعارات قديمة جديدة تتداولها الطبقة السياسية الحاكمة، منها الإيجابي، كالمطالبة بقيام "الدولة المدنية"، رغم أنّ من يتبنى هكذا شعار من الزعامات لم يقرن تبنيه هذا بخطوات ملموسة بهذا الإتجاه، ومنها شعارات أخرى تناقض هذا الشعار، كطرح "الفيديرالية" بما تحمله من فرز وتقسيم لا يمكن أن يتحمّلُه الوطن، إلى شعارات مُستجدّة طرحت مُؤخّراَ خيار قيام "دولة الحياد"، بحجة رفض التبعيّة للـ "خارج" الإقليمي أو الدولي.

Image

عن التبعية والتطبيع

  من الواضح أن الدول العربية التي لم تستطع الفَكاك من تبعيتها للغرب، أو ربما لم تحاول، قد استمرأت هذه التبعية، وأصبح من السهل عليها تنويع أشكالها، حتى لم تجد غضاضة في التطبيع مع عدوها، الذي إن كان لا يرى فيها سوى تابعاً، فإن قوته الاقتصادية والعسكرية ستجعل منها كذلك لا محالة. ولا يمكن نكران حقيقة أن الكيان الإسرائيلي الذي اتفقت معه دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، أخيراً، على عقد اتفاق سلامٍ، أصبح قوةً استعماريةً تضاهي بعض القوى الاستعمارية الغربية بالقوة العسكرية والسطوة والنفوذ. واستناداً على قوته قدَّم هذا الكيان دليلاً على عدم سماحه لدول المنطقة بمجاراة هذه القوة، حتى لو كانت الإمارات المطبِّعة معه قبل أيام، فجاء إعلان قادته معارضتهم صفقة طائرات أميركية للإمارات، والمتزامن مع إعلان اتفاق السلام بينهما، ليثبت اعتباره الدول المحيطة به توابع لا أكثر.

Image

من هي القوى المؤهلة لتحرير لبنان كـ "شبه مستعمرة" تحت الانتداب الفرنسي؟

في مطلع مئويته الثانية لبنان يعود أدراجه إلى عصر الانتداب الفرنسي بدون جنود احتلال. هو اليوم "شبه مستعمرة" فرنسية بمباركة أميركية. وليس أدل على ذلك من أن الرئيس الفرنسي ماكرون يجمع رموز الطبقة المسيطرة اللبنانية (جميع ممثلي الأحزاب والتيارات الحاكمة) في قصر الصنوبر، الرمز التراثي للاستعمار الفرنسي في لبنان، ويملي على هؤلاء "العضاريط" خطة عملهم تحت التهديد بالاقتصاص من المقصرين. بالطبع جميع قادة الطبقة المسيطرة غير ملتزمة كلياً فحسب، بل هي تبشر سعيدة بالإملاءات الفرنسية، وبعضها يتبختر زهواً بما يوهم به الناس بأنه انتصار.

Image

"فرمان" فرنسي جديد... مئوية بؤس، وسلطة مرتهنة

تتكشّف مجموعة صراعات وتناقضات في الوضع اللبناني منذ إستقالة حكومة سعد الحريري بعد إنتفاضة 17 تشرين، هذه الصراعات والتناقضات تأخذ طابعاً لبنانياً وإقليمياً ودولياً وقد نجم عنها حتّى الآن تبدّلات وتحوّلات شديدة الأهمية، أبرزها إتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، والصراع التركي الأوروبي في حوض البحر المتوسط، والزيارات الأمريكية المتكررّة للمنطقة، وحضور فرنسيّ قويّ سافرٌ في الشؤون اللبنانية الداخلية أفضى إلى تكليف السفير مصطفى أديب لتشكيل الحكومة الجديدة، فضلاً عن الوضع الفلسطيني الذي يخضع لإختبار مشاريع نتنياهو التوسًعية العدوانية، مستفيداً من الدعم غير المحدود من قبل إدارة ترامب والحضور الأميركي القوي في المنطقة والجهود المبذولة من إدارته لتحقيق صفقة القرن، أمام إستقالة وتواطؤ الدور الرسمي العربي.

Image

النظام المأزوم وقاعدة التغيير

سادت مرحلة ما بعد الطائف سمة أساسية للبنية السياسية اللبنانية وآليات عملها وهي اعتماد الطرف المسيطر (البرجوازية اللبنانية) في هذه البنية على الخمول السياسي للطرف النقيض (الفئات المتضررة). إلا أنه رغم ذلك فإن الحالة الثورية في لبنان ليست غائبة في ظلّ تخبّط أطراف السلطة وعدم قدرتها على إعادة إنتاج نظام سيطرتها بأدواته التقليدية وبات طرح القطع التام مع هذا النظام طرحاً واقعياً ومَهمة ملّحة. من هنا ضرورة إعادة النظر نقدياً بطبيعة المرحلة الراهنة وتوصيف الأزمة الحالية.

Image

صراع المحاور ومسألة التغيير الثوري في لبنان والمنطقة

يبدو أن مسار التغيير الجذري في تكوين السلطة والنظام السياسي في لبنان، قد يتأخر سنوات إضافية، فإنّ الثورة المضادة التي تقودها قوى المنظومة الأوليغارشية، بوجهيها البوليسي- الأمني والطائفي الرجعي، وبجميع الوسائل الممكنة، قد تمكّنت تدريجياً، وعلى مراحل، من امتصاص الغضب الشعبي وتطويق انتفاضة السابع عشر من تشرين عبر تحفيز شارعٍ طائفي ضد آخر، واستخدام القمع والعنف، وإعادة إنتاج خطاب المحاور الإقليمية المتصارعة بما يتناسب ومصلحة نظامها السياسي ونفوذها المحلّي، قبل أن تتمكن قوى الانتفاضة من بلورة مشروعٍ سياسي موحّد واستحداث مجالس منتخبة تصارع السلطة القائمة بالمعنى الحقيقي للكلمة.

Image
الصفحة 7 من 16