باسم القانون ...

لا يكون القانون موضع جدل ونقاش إلّا في النظم السياسية حيث للفرد قول في آليات اتخاذ القرار والرقابة والمساءلة والمحاسبة. لا حيث النظام مبني على أساس محاصصات برجوازية طائفية وسياسات مرتهنة تبعية تعتمد في استمراريتها الهشّة على جهل الجماهير وتجهيلها.

"أنا عم طبّق القانون ..." لم تجد السلطة إلّا هذه الجملة حجّة لكل إجراءاتها الجائرة بحقّ العمال من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، ولكنّنا كطلاب الجامعة اللبنانية نردّ على هذه الحجّة اليتيمة ونقول لشعبنا الآتي:
لقد صادرت السلطات المالية أموال الفقراء وميزانية الجامعة اللبنانية لسدّ عجز الدولة ووضعت صحة الأطفال قرابينَ لقرارات بفتح مطامر ومحارق باسم القانون. باسم القانون، اغتيل الإنتاج المحلي لصالح شركاتٍ دولية متعددة الجنسيات ومحاصصاتٍ طائفية. باسم القانون صودِرت أملاكٌ وطُرد وشُرّد السكان وهُدِّمت أحياءٌ وبُنيت مكانها مجمعاتٌ تجارية. باسم القانون، سُرق الضمان وأُغلقت المدارس وتدهورت أوضاع المستشفيات الحكومية. باسم القانون تُعذَّبن عاملات المنازل دون رقيب ولا حسيب. باسم هذا القانون حوكِم متظاهرو ساحة رياض الصلح وعوكر أمام هذا القضاء الذي لا يجرؤ أن يبحث في ملفات نهب الأملاك العامة. وأمّا اليوم فتعمل السلطة على شرعنة عودة عملاء الصهاينة من الكيان الصهيوني باسم القانون. أيّ قانون وأيّ قضاء هذا الذي يتشدّق به هذا الوزير وذاك النائب وأولئك المُهلّلين من أبناء الطبقة الميسورة والمتستّرة بتبعيّتها الطائفية؟
وعليه، نقول إن مأساة القانون في لبنان تكمن في محدودية علاقته مع المساحات الجماهيرية ضمن تركيبة الدولة التي لم يُسمَح للشعب بصوغ معالم استقلالها المُستورَد. فلم يلحظ طاقم حكمها عشية الاستقلال المزعوم نضالات الشعب ضدّ الاستعمارات المتتالية. إن سلطة دولتنا اللبنانية التي لا تلحظ نضالات أهل هذه الأرض لأجل التحرّر الوطني هي سلطة تدأب على نزع الهوية السياسية منا كلُبنانيين وسوريين وفلسطينيين. هي سلطة تنكر - بصلافة سلوكياتها ولغتها - وجودنا كجمعٍ سياسيّ، أي أنها لا ترانا كصانعي قرار، بل ترانا كديمغرافيات تابعة...
إن القانون في الدولة اللبنانية، في ظلّ هذه السلطة التابعة والمتهكّمة بنا كشعب وكتاريخ، هو الأداة السياسية التي تقوّض أحقية الإرادة الجماهيرية الواعية في قيادة الواقع نحو التغيير والتقدم، وهو حجّة الساسة الواحدة الوحيدة للتطبيع مع الظلم.
لكنّنا اليوم أمام واقع ينتظر منا أن نُحكِمَ تشكيلَه ووضع النقاط على حروفه وهو واقع احتجاجات مخيّماتنا الفلسطينية.
ما يحدث في مخيماتنا اليوم يتعدّى كونه صرخة جماهير عضّت على جراح القمع والتهميش والإفقار عقوداً طويلة. إن صرخة المخيم لهي فرصة للشعب اللبناني – الفلسطيني - السوري لردّ اعتباره من علاقة الاستلاب القيمي الذي فُرض عليه باسم القانون منذ الإستقلال حتى يومنا هذا. نحن أمام فرصة لنكسر محدّدات قانونهم (قانون السلطة التبعية) وأصفاده من خلال قلب مسارات الحديث العامودية فلا تكون الدولة حيث يكون الشعب تحت سقف قانون السلطة، بل تكون الدولة حيث يكون القانون انعكاساً للروحية الجماهيرية التي تتحقق عبر حوار حيوي بين السلطة كأداة تشريعية تنفيذية والجماهير كمرجع حيوي متجدّد للقيم ومفاهيم العدالة الإجتماعية.
أمام هذا الواقع نؤكد لشعبنا؛ أن لا حلّ لمأساة عدالتنا الإجتماعية إلّا وحدتنا الجماهيرية ضدّ نير هذه السلطة.
لذلك كله، يجب ألّا يقف نضال اللاجئين الفلسطينيين اليوم عند حدود حق العمل ولا عند حدود حقوقه المدنية ولا عند حدود المخيم لأن فعل هؤلاء اللاجئين السياسيين اليوم هو نضال لأجل الحق في الاعتراف بالذات الجمعية كفاعل سياسي ومنتج قيمي، هو نضال يتجلى بحوار مقلوب مع القانون وهذه السلطة المختبئة خلفه وخلف آلية إنتاجه المحتكِرة. هو حوار من أسفل الهرم السياسي إلى الأعلى – تتناحر فيه الجماهير الشعبية ضدّ خطاب الحجة الواحدة "أنا عم طبّق القانون". عندما تهتف المخيمات يتيمة هي تهتف للّبنانيين أن حان وقت إعادة الاعتبار إلى الحق الجماهيري في كسرعبودية الأمر الواقع وجبروت حماته. هم يهتفون لنا أن نستعيد كرامتنا طلاباً وعمالاً وأساتذة وعاطلين عن العمل. هم يهتفون لنا ولكن للأسف نحن مازلنا نفكر بهذه الحجة القانونية وتلك في دوامة من الترف السياسي الذي سيجهز على هذه الفرصة التاريخية.
نحن كطلاب من الجامعة الوطنية، لبنانيين وفلسطينيين وسوريين هنا لنقول لشعبنا ولهذه السلطة التبعية أننا لن نقبل أن تُكتَب نصوصُ قوانيننا ودساتيرنا في القصور الفرنسية العثمانية وفي الأحياء المسروقة من أهلنا بعد الآن، فلا منظومة تصوغ معالم العلاقات بين أبناء هذه الأرض وسلوكيّاتهم إلّا ما سيُصاغ بأقلام الطلبة ونضالاتهم. لن تملي علينا برلمانات برؤساء مؤبدين ولا وزرائهم أعجميي الهوى ولا رؤسائهم المعسكرين ميثاق عيشنا. فلا شرعيّة لقانون ينزع من الشعب سيادته على مصير الآتي من الأيام.