فشل النظام المستمر... الكهرباء نموذجاً

جال مندوب جباية شركة الكهرباء على إحدى القرى ذات صباح وبدل أن يحمل فاتورة كهرباء للمنازل، حمل أوراقاً تضمنت إنذارات بالدفع. تفحّص ساكنو المنازل تلك الإنذارات، وإذا بها لا تحمل تاريخاً معيّناً، بل تضمّنت مبالغَ مالية يتوجب على المواطنين دفعها تحت طائلة الملاحقة القانونية.

يرجع الجابي هذه الأوراق إلى أيّام الحرب ويصر الكثير من الأهالي أنّهم، حينها، دفعوا كل ما ترتّب عليهم من مستحقات. سرقة "موصوفة" أخرى برسم وزارة "اللاكهرباء" التي تتحف المواطنين بأساليب نهب جديدة لتحصيل العجز فيما تنتصب البواخر التي تدفع الدولة سنويّاً حوالي 375 مليون ليرة دون تأمين الكهرباء.
تتكرّر القصة نفسها في بلاد الأرز، مرّت ثلاثون سنة على نهاية الحرب الأهلية وتقسيم تركتها على القوى الرابحة حينها وتلزيم السين السين لبنان من قبل أميركا ولا زالت الكهرباء غير موجودة. ولا زالت الحكومات تعتمد الوعود الكاذبة التي لا يمكن لأي عاقل الوثوق بها.
ومن المعلوم أن ثلث عجز الموازنة سببه عجز الكهرباء خصوصاً أن التحويلات إلى مؤسسة "كهرباء لبنان" التي وصلت منذ عام 1992 إلى نحو 40 مليار دولار على أساس تراكمي أي ما يعادل 45% من الدين العام للبلاد.
رؤية إيجابية وهمية
تتمسك رؤية الحكومة لملف الكهرباء بتقارير بنكية ينزع الخبراء الاقتصاديون الثقة عنها. ومنها تقرير لبنك عودة نشرت مضمونه صحيفة النهار، ويفيد بأن الناتج المحلي الإجمالي سيزداد بنسبة خمسة في المئة إذا ما تم تنفيذ تدابير الموازنة لعام 2019 وخطة إصلاح الكهرباء وفق ما وافقت عليه الحكومة في نيسان من العام نفسه.
غير أنّ النمو بنسبة خمسة في المئة لن يتحقّق برأي الخبراء بدليل أنّ المؤشرات تفيد عن تقلّص الدخل القومي، وهو تقلص مرشح للازدياد بحيث يساوي 5,5 إلى 6 مليارات دولار عام 2019 وعجز الكهرباء سيتجاوز 2500 مليار ليرة.
ورقة اقتصادية بلا آفاق
في ما تولّت الحكومة تحرير وإبراز ورقتها الاقتصادية التي طال انتظارها، برزت تساؤلات عن مدى إمكانية تنفيذ "خطة 2019" العلمية للكهرباء التي دمجت الحل المؤقت بالدائم. إذ بات ممكناً أن "يتولى ملتزم الحل الدائم تمرير حلّ البواخر المؤقت الوحيد المحتمل ضمن عرضه"، بحيث تُعفى وزارة الطاقة من الإحراج وتكون البواخر قد خرجت من طاقتها لتدخل من باب ملتزم الحلّين العتيد.
وعلم البارحة حين خروج الورقة الاقتصادية ان المطلوب في مشروع موازنة الكهرباء للعام 2020 يتجاوز 2500 مليار ليرة المعطاة بموجب قانون موازنة 2019. مما يفوق توقعات النائب ابراهيم كنعان وقتها حيث توقع ان يبلغ العجز خلال العام 2020 مقدار 250 مليار ليرة.
حمدان: النمط الريعي والعجز المتأصل للنظام أساس المشكلة
يرجع الخبير الاقتصادي ورئيس مركز البحوث والاستشارات د. كمال حمدان مشكلة الكهرباء في لبنان كما غيرها من الخدمات إلى المشكلة البنيوية في النظام اللبناني. ويعزو حمدان التردي إلى النمط الاقتصادي الريعي المعتمد كما الصدمات السياسية الداخلية، إضافةً إلى عدم كفاءة الطبقة السياسية وعجزٍ متأصل في طبيعة النظام نفسه.
"نصرف أموالاً طائلة على بناء مصانع فيول بينما العالم ودّع الفيول واتجه إلى بناء مصانع إنتاج طاقة تعمل على الغاز" يقول حمدان، شارحاً أنّ "الدولة بنت مصانع لتعمل على الغاز إنّما العجز والتواطؤ والتنفيعات التي تحولت إلى حصص سنوية توزّع على أرباب السلطة الحاكمة المستفيدين من سيادة الفيول".
ويستنتج حمدان أنّ "الخطة التي وضعت عام 2010 للانتقال إلى الغاز وتشجيع الطاقة البديلة عُرقِلت لأسباب عديدة أساسها التحاصص في تلزيم القطاعات الأساسية والفساد السياسي الذي يقبع في جذور النظام اللبناني".
وعلق بأنّ "البواخر لا تعدو كونها حلّاً مؤقتاً ضروريّاً في مرحلة ما، وإنما يجب العمل في ظل وجودها بجدية على إنشاء معامل لإنتاج الطاقة تعمل على الغاز والطاقة المتجددة". إذ لا يمكن للبواخر أن تحل محل الحل الدائم لإنتاج طاقة كهربائية مستدامة.
ويبقى السؤال بعد كل هذا العرض وتعليقاً على ما أعلنته الحكومة بتعهداتها التوجه نحو اقتصاد منتج، هل يمكن بناء اقتصاد منتج يعتمد في الأساس على الزراعة والصناعة في ظل المنظومة الاقتصادية النيولبرالية الحالية التي أرست قواعدها الحريرية السياسية والتي أمعنت في هشاشة الاقتصاد الوطني والتي نحصد نتائج فشلها يوماً بعد يوم؟
كل كلام خارج مكافحة الفساد ووضع خطط تنفذ خارج التحاصص وأيضاً خارج التبعيّة للخارج لا يعول عليه.

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 364
`


نسرين زهرالدين