ادفع يا سعدو

تخيّل الأمر معي، إذا كان عليك دين لبائع الخضار بجوار منزلك (ليكن اسمه خضر). وأصبح الأمر ضاغطاً، ولنفترض أنه لديك أخ اسمه سعدو يعيش معك في المنزل ويأكل ممّا تشتريه من خضر. فماذا ستفعل في هكذا وضع؟

سيكون لديك خيار من ثلاث، أو تعمل على زيادة إنتاجيتك لتغطية الدين. أو تطالب سعدو بأن يتحمل مسؤوليته ويشاركك في سداد الدين، أو تسعى للحصول على المال عبر دائن ما. وبما أنك كنت قد بدأت بالاستدانة من خضر، فهذا يعني أنك غير قادر في ظرفك الحالي على زيادة إنتاجيتك. فلنعتبر أن أخاك لم يقبل بتحمل المسؤولية لا بل عرض عليك أن يقدم لك مستحقات خضر كدين ومع فائدة. في هكذا حالة لن يكون أمامك إلا الاستدانة. فلنفترض أنك حصلت على قيمة الدين من سعدو ولتكن قيمته 100$ مضاف إليه فائدة، ولتكن نسبتها 10%. في هذه الحالة ستتمكن من سد الدين المتوجب عليك لخضر. ومن جهة أخرى، تراكم عليك دين جديد قيمته 110$.


هل انتهت القصة؟ أبداً. الحياة مستمرة، وحضرتك، بعد أن قمت بتسديد الدين لخضر، وراكمت دين جديد لدى سعدو. ستبدأ منذ اليوم الثاني في الاستدانة مجدّداً من صاحب محل الخضار خضر. خاصة إن كان إنتاجك أقل من مصروفك. فتخيّل معي إن كنت لا تنتج أصلاً. بهذه الحالة، سيكون عليك أن تراكم دين جديد من دائن جديد أو من سعدو نفسه، ولكن ليس لتدفع 100$ جديدة لخضر فحسب، بل ولتدفع الـ110$ لسعدو. وبهذه الحالة عليك أن تستدين 210$ لتسد الدين. وإن كان هذا الدين بنفس الفائدة الاولى، حينها سيصبح المبلغ المتوجب عليك 210$ مضاف إليهم فائدة 10%، أي الدين الإجمالي 231$. وإن استمرت هذه الحالة لمدة 30 سنة. فهذا المبلغ سيتضاعف مئات المرات.


تقريبا هذا ما حصل في لبنان. عمد مصممو اقتصاده السياسي على جعله في خدمة دين عام، الذي هو بدوره في خدمة هؤلاء المصممين، أي تلك السلطة التي حكمت بعد الحرب بالتحالف مع ما يُسمّى "الطغمة المالية"، أصحاب المصارف والثروات المتوارثة.


تخيّل معي أنك أحد الذين قدّموا لصديقنا في المثال قرضاً بقيمة 100$، ولتكن يا صديقي شخصاً جشعاً يعبد المال، ويسعى إلى تكديسه. فهل ستسعى إلى إيقاف هذه الدوامة في لحظة ما؟ أم ستقوم بتديين صاحبنا أكثر، ومن ثم تصبح خدمة الدين أو قيمة الفوائد المفروضة عليه أكبر بعشرات المرات من الدين الأساسي نفسه. وأن يبقى صديقنا في المثل الأول يدفع لك مدى الحياة دون التمكن من سداد الدين ولا حتى فوائده. ألن يكون ذلك عملاً رائعاً لشخصٍ جشع مثلك؟


من جهة أخرى. تخيّل معي يا صديقي الجشع أن يطلب منك أحدهم حلّاً لهذه المشكلة. ألا وهي إيقاف تدهور حالة صاحبنا المديون. فما الذي ستقترحه؟ أعتقد أنك ستطلب منه أن يتقشف. وإن قالوا لك هو أصلا لا يأكل، فستقول أن الله في عونه! سأبحث له عن دين جديد ليسدّد لي قسماً من مستحقاتي. سأتنازل من أجله وأتحول إلى شحاذ يصول ويجول على الدائنين لأؤمن له مالاً على شكل دين، ليعطيني إياهم على شكل خدمة دين. ولكن يا صديقي، أنت حققت ثروات طائلة من هذه اللعبة، وهي مستمرة منذ ثلاثين عاماً، ألا يجب أن تدفع أنت قليلاً؟ ألم يقم هذا الرجل المسكين بدفع لك دينك الأساسي مئات المرات خلال هذه الفترة؟ طبعاً ستقول: أنا لا دخل لي. هذه هي اللعبة. أنا اعطي الدين وهو يعمل كل حياته ليدفع لي. وماذا عن سعدو؟ فهو يأكل ويشرب ممّا يشتريه أخاه، فلماذا لا يدفع؟ ستقول: سعدو قام بواجبه، وقدم ديناً لأخيه كي يسدد دينه لخضر، هل نسيت؟ طبعا لم أنسَ.


أخيرا. في حالة لبنان بعد الحرب، أفضل طريقة كان ممكن اعتمادها لتغطية عملية إعادة الإعمار هي ضريبة تصاعدية على الدخل والثروة، يتم من خلال عائداتها تمويل هذه العملية. وبهذه الحالة، لا يحتاج البلد الى الاستدانة. والان بالعودة الى مثالنا، صديقنا الجشع، وليكن اسمه فؤاد مثلا، بما انه أحد مصممي الاقتصاد السياسي لهذا البلد، طبعا لن يقبل أن يساهم في نهضة البلد عبر دفع ضرائب، لأنه بذلك لن يحقق اي عائدات مالية، بل سيكون مواطن كغيره يتحمل كلفة اعادة بناء الاقتصاد. لذا فؤاد، عمل وسيظل يعمل على إغراق الدولة بديون تكون عائدات فوائدها له. وهكذا سيكون كل اللبنانيين يعملون لدى فؤاد وأصدقائه. فكلما زاد حجم الدين زادت ثروات فؤاد وأصدقائه.


أخبار متفرقة: الرئيس الحريري في الإمارات بهدف الحصول على أموال للبنان على شكل ودائع بفوائد عالية. الجراح وشقير يرفضون الحضور أمام المدعي العام المالي، ويستخدمون الغطاء الطائفي لمنع التحقيق معهم في قضايا فساد، وهو نفس الأسلوب الذي اعتمده فؤاد السنيورة عندما تم فتح ملف الـ 11 مليار. جمال ترست بنك اقفل نتيجة للعقوبات الأميركية.