تويتر إلى الفوضى وانتهاك الحقوق والحريات

يؤكد ما نقلته صحيفة بوليتيكو الأميركية، في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أن منصة تويتر نشرت ملاحظة تقول إنها لم تعد تفرض سياساتها ضد نشر معلومات مضللة عن فيروس كورونا واللقاحات، وهي السياسة التي أدت إلى تعليق أكثر من 11 ألف حساب مضلل منذ سنة 2020، يؤكد المخاوف من الفوضى التي غاصت فيها المنصة، وربما ستغوص بشكل أعمق.

وتأتي هذه الخطوة غير المسؤولة ضمن سياسات الإشراف على المحتوى الجديدة التي اعتمدها المليادير، إيلون ماسك، بعد استحواذه، قبل أكثر من شهر، على المنصة مقابل مبلغ وصل إلى 44 مليار دولار، وعدم اهتمامه بمصداقية ما ينشر على المنصة.
ولا غرابة في هذا الأمر، إذ توقعه كثيرون حين تبين أن من بين القوة العاملة التي طردها مالك تويتر ورئيسها الجديد، إيلون ماسك، فرقٌ كانت مهمتها تنحصر في مراقبة مسألة حقوق الانسان والأخلاقيات المهنية وعمليات التضليل، خصوصاً الانتخابي منها. حينها بات واضحاً أن هذه المنصة التي تُعد نخبوية والأكثر تأثيراً بين المنصات المشابهة، تتجه نحو الفوضى التي لا يمكن السيطرة عليها، ولا يمكن التنبؤ بالذي قد تتسبَّب به من ضررٍ معنويٍّ، وربما ماديّ، لمنتسبيها. وإذ أظهر ماسك من الأيام الأولى لحيازته تويتر شهوةً عارمةً للتربَّح من هذه المنصة التي دائماً ما توحي أنها غير ربحية، وعلى عكس ما يفعله الآخرون الذين عادةً ما يؤجلون إظهار هذه النيات. لذلك فإن مسألتي الربح والفوضى قد لا تبقيان أثر هذه الوسيلة محدوداً في العالم الافتراضي، بل يمكن أن تنقلانه إلى العالم الواقعي، ما قد ينعكس على مصيرها.
وفي خطوةٍ تُعدُّ بمثابة المذبحة بحق الموظفين، طرد إيلون ماسك في أيامه الأولى في إدارة تويتر حوالي 3700 موظفاً، أي نصف القوة العاملة فيه، كما هدّد آخرين بالطرد إذا لم يوافقوا على تعليماته المتعلقة بشروط العمل الجديدة القاضية بالعمل لساعات طويلة وخلال أيام العطلة، وأغلق مقرات الشركة في وجههم لمدة أربعة أيام تأكيداً على إصراره. وفي عالم الأعمال والإعلام لا يمكن الحديث عن مصادفة قادته إلى طرد، من بين من طردهم، فريقاً مسؤولاً عن مراقبة التضليل الانتخابي، قبل أيامٍ من انتخابات التجديد النصفي التي جرت في الولايات المتحدة الأميركية، في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وهو ما يثير الشكوك في تعمُّده فعل ذلك، ونياته إدخال البلاد في فوضى، في وقت لا يتوقف الكلام فيه عن تدخلات خارجية في الانتخابات الأميركية. وقد خرجت أصوات من بين المطرودين المتخصصين بالنزاهة على تويتر تقول: "ألم يكن بإمكانه الانتظار حتى يوم الأربعاء؟"، وهي إشارة من عارفين إلى مدى تأثير هذه الخطوة سلباً على الانتخابات.
منذ الأيام الأولى التي ظهرت لدى ماسك فيها الرغبة بالاستحواذ على تويتر، بالطريقة ذاتها التي يفعلها كبار مالكي رؤوس الأموال لدى شرائهم الفرق الرياضية من دون أي اعتبار لكونها من أهم المنصات التي يعتمدها الصحافيون في نقل الأخبار بسرعة قبل أن (تفلترها) وسائل الإعلام، شعر المدافعون عن الحريات العامة وحرية الصحافة بالخطر من حصر هذه المنصة المهمة، والتي تضم مئات الملايين من المستخدمين بيد رجل واحد يتحكم بها وبما يريدون نشره. وفي ربيع السنة الجارية، حين خرجت أخبار عن نيته شراء المنصة، قال كثيرون إن هذه الخطوة تُعد تهديداً حقيقياً للديمقراطية، إذ يستخدمها صحافيون وكتاب ومدافعون عن حقوق الانسان وعن الحريات العامة. ولفت آخرون إلى أن إدارة هذه المنصة تتطلب قدراً كبيراً من المسؤولية، وماسك يفتقر لهذه المسؤولية وللمرونة والقدرة على التعامل مع كيانٍ شديد التنوع مثل تويتر. واستند الجميع في حكمهم هذا على ما شهدوه من استخدامه غير المسؤول لها عندما كان مستخدماً عاديّاً وأساء عبر تغريداته لمنافسيه في مجال الأعمال، وخوَّف مسؤولين واستخف بهم وبصحافيين وبكل من كان يعارض آراءه، فكيف سيكون الأمر عندما تصبح هذه المنصة مثل (لعبة إلكترونية) بين يديه وحده؟
إلا أن الأمر الأكثر خطورة يتعلق بالحريات الشخصية والمخاوف من إمكانية انتهاكها بسهولة، وبنشر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة الذي تقول منصات التواصل الاجتماعي إنها تضبطه عبر خاصية التنظيم الذاتي، العرضة بدورها للانتقاد بسبب قصورها، فما بالك حين تتفلت هذه الأمور بعد طرد أصحاب الأيادي التي كانت تتحكم بها؟ قال ماسك إنه يهدف إلى ضمان مشاركة الجميع بأفكارهم بحرية، وهذه الحرية ربما ستكون صورة عن الحرية التي مارسها حين كان مستخدماً عادياً وأساء لكثيرين. ومن المعروف أن من بين الذين طردهم ماسك مهندسين وتقنيين مسؤولين عن الصيانة وعمليات التطوير، وموظفي الأمن والسلامة الذين لا يشلّ خروجهم عمل المؤسسة فحسب، بل يجعل بيانات المشتركين عرضة للقرصنة، ما يضر بهؤلاء معنوياً، وربما جسدياً. من هنا، كانت إقالة فريق حقوق الإنسان في تويتر كاملاً، دافعاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، لكي يرسل رسالة مفتوحة إلى ماسك، في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يحثه فيها على "ضمان أن تكون مسألة حقوق الإنسان مركزية لدى إدارة تويتر تحت قيادتك"، كما جاء في الرسالة.
وإذ كان انتهاك حقوق الانسان، سواء من العاملين في المؤسسة أو من أصحاب الحسابات فيها، من الأشياء التي يمكن أن تدفع إلى زعزعة مصداقية المنصة، فإن احتمال قرصنة بيانات المستخدمين والتصرف بها، بعد إقالة عدد من التقنيين المسؤولين عن أمن المعلومات فيها، سيكون بمثابة الضربة القاسمة لها. وهذه الضربة قد تأتي لتعزز الضربة الأولى التي تلقتها حين قررت عدد من الشركات المهمة، من قبيل جنرال موتورز وآودي ولوريال وجنرال ميلز للصناعات الغذائية وقف إعلاناتها على تويتر، وهي خطوة قد تكون معدية لآخرين هروباً من المساهمة في نشر المحتوى المسمم.
بعد الفوضى التي بدأت تظهر والتي يتوقع أن تزداد، هل سيدخل تويتر وماسك في ورطةٍ ويهدد مصير المنصة بعد أن طرد هذا العدد الهائل من الموظفين، وبعد أن قرر ترك الحبل على الغارب لمن لا يجد لديه رادعاً عن التنمر على الآخرين؟ نستطيع توقع هذا الأمر حين نتذكر أن ماسك ناشد بعض المطرودين للعودة إلى عملهم عندما (تفاجأ) بأهمية عملهم وبحاجته إليهم. كذلك نتوقع هذا بعد الضربة المعنوية التي تلقاها من الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي علَّق على قرار ماسك إعادة تنشيط حسابه إنه غير مهتم بالعودة إلى المنصة، والتي يبدو أن ماسك أسبغ عليها قناعاً بدأ يخفف من بريقها، ويفتح الطريق أمام منصات منافسة لاستقطاب الراحلين عنها.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 411
`


مالك ونوس