الطلاب يصنعون المستقبل، الآن!

لقد أثبت الطلاب اليوم، سواء طلاب المدراس والثانويّات أو طلاب الجامعات، عن وعي كبير للمرحلة التي يمر بها الوطن، وهو ما يؤكّد على الدور الريادي الذي لطالما قامت به الحركة الطلابيّة في لبنان. نشهد اليوم على حركة طلابيّة لم تنتظر من أحد اعترافاً صريحاً بشرعيّتها أو بوعيها، لم تقف هذه الحركة عند حاجز "سن الرشد القانوني" الذي يحول دون إمكانيّة مُشاركتها بالقرار السياسي في هذا الوطن، دون إمكانيّة مُشاركتها بانتخاب السلطات التشريعيّة في وطنها.

ومن هنا، نسأل اليوم، ألم يحن الوقت للاعتراف لهذه الشريحة بقدرتها على التعبير عن رأيها السياسي، عبر تخفيض سن الاقتراع إلى سن الثامنة عشر؟ ألم يُبرهِن طلاب الثانويّات اليوم عن وعي كامل، يكاد يفوق وعي الكثيرين من أبناء هذا الوطن الذين حرِصوا على وصول تلك السلطة الفاسدة إلى سُدّة الحكم؟


دورنا اليوم في هذه الانتفاضة الشعبيّة، كطلّاب في الجامعة اللبنانيّة، هو أن نوحّد الصفوف ونسعى إلى بلوَرة مطالبنا المُحقّة، الكفيلة بالنهوض بجامعتنا، التي تُشكّل السبيل العلمي الوحيد للنهوض بالوطن.
إنّ استقلاليّة الجامعة اللبنانيّة الإداريّة عن السلطة السياسية، هي أولويّة اليوم، وذلك بهدف حمايتها من التجاذبات السياسيّة والتدخّلات الحزبيّة، المُرتكزة على المُحاصصة والعلاقات الزبائنيّة، التي تعكس الواقع السياسي العام في لبنان؛ كما تُشكّل الاستقلالية المالية للجامعة ضرورةً في هذه المرحلة، يمكن تأمينها من خلال المداخيل المُباشرة، عوضاً عن تجيير مئات آلاف الدولارات سنويّاً، من جيوب الطلّاب إلى الشركات الخاصّة (Libanpost) عبر تلزيم تلك الأخيرة تخليص المُعاملات الإدارية التي تُشكّل مداخيل سنويّة ثابتة.
لقد عملت هذه السلطة طيلة السنوات الماضية على تفريغ جامعتنا الوطنيّة من إمكاناتها الماديّة والمعنويّة، ومنعها من تفعيل دورها كمؤسّسة لإنتاج وممارسة وتعليم البحث العلمي، فيما تُخرّج كليّاتها ومعاهدها سنويّاً "جيشاً" من الباحثين والباحثات، القادرين على رصد ومعالجة مشكلات الوطن.
لذا يتوجّب علينا اليوم كطلّاب المطالبة بإعادة تأسيس الجامعة كرافعة للمجتمع، من خلال البحث العلمي المُتخصّص الذي يربط بين الاختصاصات والمسارات التخصصيّة في كليّات ومعاهد الجامعة، وبين القطاعات المُختلفة في لبنان، لتكون الجامعة الوطنيّة قلعة للإنتاج البحثي والمعرفة العلميّة، بحجم مهمة بناء وطن منيع مستقل اقتصاديّاً وسياسيّاً. وقد عبّرت حناجر وصرخات الناس على امتداد البلاد عن ملامح هذا الوطن، في الانتفاضة المجيدة، منذ 17تشرين الأول/ أكتوبر.

الأحداث الأخيرة التي شهدتها الحركة الطلابية
شارك طلاب الجامعات والثانويات في الانتفاضة منذ أيامها الأولى ولكن الحراك الطلابي لم يتبلور ليكون حالة أساسية في المشهد السياسي إلّا منذ أيام قليلة وبعد عدة تراكمات منها دور المكاتب التربوية في إجبار الطلاب على الحضور وتهديدات مدراء المدارس للطلاب بالطرد، كلها عوامل أدّت إلى تفجّر الحركة الطلابية من صيدا وانتقلت لتعمّ كل أرجاء الوطن.
فعمّت المسيرات الطلابية، في مختلف المناطق اللبنانية، حيث توسّعت دائرة المشاركة من طلاب الجامعات والمدارس في موازاة استمرار المتظاهرين في استراتيجيتهم الجديدة في التحرك بالاعتصام أمام المؤسسات الرسمية.
كانت محطة الاحتجاج الأكبر في بيروت عند وزارة التربية، حيث أُقفلت الطريق بشكل كامل، ورفع الطلاب يافطات تطالب باستحداث مدارس رسمية وتندّد بارتفاع الأقساط في المدارس الخاصة.

عمد الطلاب إلى التنقل بين الجامعات داعين زملاءهم للانضمام إليهم ومطالبين الإدارات بإقفالها، توافد مئات الطلاب إلى ساحة رياض الصلح بعد الظهر وهم يهتفون بالشعارات الوطنية الموحدة بين كل اللبنانيين بعيداً عن الطائفية، مطالبين بإحداث تغيير وطني صحيح يبدأ بمحاسبة الفاسدين وإعادة المال المنهوب. ونُظّمت مسيرة مماثلة في جونية وانتقلت إلى ساحة المدينة حيث افترش الطلاب الأرض، وانتقلوا بعدها إلى مكاتب شركة «ألفا» مغلقين مدخلها. وفي عاصمة الشمال طرابلس، خرج آلاف الطلاب بمسيرات عدة جابت شوارع المدينة، رافعين الأعلام اللبنانية.


تحرك مجمع الحدث... حدث تاريخي
دعا تكتل طلاب الجامعة اللبنانية إلى تظاهرة طلابية في مجمع الحدث وذلك الخميس 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، تحت عنوان "من الجامعة اللبنانية إلى الوطن". لبّى الطلاب الدعوة بكثافة وكُنّا أمام مشهد تاريخي، حيث وصل عدد المشاركين إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف طالب. جابت المسيرة أرجاء مجمع الحدث كاسرة لحاجز الخوف الذي لطالما هوّلت الأحزاب الطائفية به. وفي قراءة هذا التحرك عدة معطيات أساسية:
- تلاحم الحركة الطلابية مع القضية الوطنية، أي أن الطلاب تحرّكوا لمطلب أشمل من قضية جامعية تفصيلية. تحرّك الطلاب من أجل وطنهم وسعياً لبناء مستقبل أفضل.
- المطالب المرفوعة تعكس وعي طلابي عالي، ومنها استقلالية الجامعة اللبنانية الإدارية وإقرار قانون البحث العلمي وميزانية الجامعة اللبنانية.


تكتل طلاب الجامعة اللبنانية بديل عن اتحاد طلاب الجامعة اللبنانية
شكل تكتّل طلاب الجامعة منذ تأسيسه من سبعة شهور علامة فارقة في التاريخ الحديث للحركة الطلابية. تأسّس هذا التكتّل في خضم إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية أواخر الفصل الثاني من العام الدراسي 2018-2019. وقد لعب التكتّل دوراً أساسيّاً في تحصيل وحماية ميزانية الجامعة اللبنانية ودفع بشكل فعّال ليحقق أهل الجامعة انتصاراً على السلطة السياسية الساعية وبشكل ممنهج لتدمير الجامعة. ويضاف إلى ذلك، الإعلان الذي اتخذه التكتل بمعارضة ومقاطعة الإنتخابات الطلابية وفق قانون أُسقط على الطلاب من قِبل مجلس الجامعة، رافضين الهرمية والأحادية في اتخاذ القرارت في القانون كما النسبية المشوّهة، اللوائح المكتملة الإقصائية والعنصرية المتمثلة في إقصاء الطلاب غير اللبنانيين من حقهم في الانتخاب والترشح.


غابت الانتخابات الطلابية منذ عشر سنين، وتمّ ضرب اتحاد طلاب الجامعة الوطنية خلال الحرب الأهلية مما جعل طلاب الجامعة اللبنانية دون ممثل فعلي طيلة سنوات طويلة. تكتل طلاب الجامعة اللبنانية هو تكتل للطلاب المستقلين الساعين بحسب تعريفهم لحماية الجامعة اللبنانية وتحصيل حقوق طلابها. كما يسعون للارتقاء بالعمل الأكاديمي والبحثي في الجامعة. هذا في التعريف، أمّا بالشكل العملي، التكتل موجود في معظم فروع الجامعة اللبنانية في مختلف المناطق. وهذا الانتشار ساهم في تحركات طلابية في مختلف أنحاء الوطن خلال الانتفاضة الشعبية الحالية. بناء على ما تقدم هذا التكتل قد يكون بديل فعلي على الأرض عن أي اتحاد تعيد السلطة إحياءه بما يخدم مصالحها، ليترك تكتل طلاب الجامعة اللبنانية بصماته في تاريخ الحركة الطلابية والوطن.