السلطة تستغل أزمة كورونا لإطلاق "جزّار الخيام"

ليس صدفةً أن يجري استغلال كل فرصة، حتّى لو كانت وباءً يفتك بالبشر، لتهريب أو تمرير ما يُرتكب من أعمال إجرامية وخيانية موصوفة، وسرقات ضخمة، واستغلال وحشيّ، لا يمكن أن تمرَّ في الظروف العادية. وينطبق هذا الأمر على إطلاق العميل المجرم عامر الفاخوري (جزار الخيام)، الذي استغلّت السلطة فرصة وباء كورونا وخطره ومنع التجمعات، لإطلاقه.

واستغلال الفرص كثيراً ما يُعتمد في مثل هذه الحالات وغيرها، فالإحتكارت الرأسمالية ودولها تعتمده نمطاً لتعظيم أرباحها، لأنّ هاجسها هو الربح وليس حياة الناس. وهل يمكن عزل فيروس كورونا ونشره في الصين، عن الهدف الأميركي بإلحاق أكبر ضرر بالإقتصاد الصيني، الذي اقترب تفوقه على الإقتصاد الأميركي؟ ألم يتسبّب تنافس وصراع الدول الرأسمالية لإعادة اقتسام ثروات وأسواق العالم، بِحربيْن عالميّتيْن في القرن الماضي، أوقعتا حوالي 70 مليون ضحية، عدا الدمار الهائل في الكثير من البلدان؟ وها هو رئيس أكبر دولة رأسمالية دونالد ترامب يحاول، وبكلّ وقاحة، استغلال فرصة حاجة العالم إلى دواء يشفي من وباء كورونا، ليعرض على شركة أبحاثٍ طبيّة ألمانية، شراءها بثمنٍ مغرٍ جدّاً، شرط أن تضعَ ما باتت على وشك أن تنتجه، للشفاء من الوباء المذكور، حصراً في يد الاحتكار الأميركي ليستغلَّ هذا الاحتكار الشعب الأميركي أولاً، بتدفيعه أثماناً تفوق أضعاف ثمنه في أوروبا، ثم بيعه للشعوب الأخرى بسعر احتكاري. لكنه تلقّى ردّاً حازماً من الوزير الألماني بأنَّ ألمانيا ليست للبيع، وإنّها إذا ما أنتجَتْ العلاج المطلوب، فسيكون لجميع البلدان، ليس لأميركا فقط.

لقد أحدث إطلاق العميل المجرم الفاخوري، حالة غضب شعبيّ واسع. كما نزع القشرة الوطنية أو ورقة التين التي تغطّي وجه السلطة. وكشف أنها في خطوتها، نفّذت أوامر أميركية ورضخت لضغوط واشنطن. وأنّ هذا التدبير الفاضح، شكّل طعنةً للكرامة الوطنية، وللمقاومين الأسرى وعذاباتهم، وللّذين استشهدوا لحماية الوطن وتحرير أرضه من الاحتلال الصهيوني. وأتى هذا التصرّف السلطوي المُهين لشعبنا وسيادة وطننا مضيفاً إلى الأزمة الإقتصادية والاجتماعية والمالية، أزمةَ الوجه الوطني لسياسات هذا النظام وسلطته. وليست تصرّفات أصحاب المصارف والمال وكبار التجار، سوى المثال على استغلال الفرصة لجني الأرباح وحماية ثرواتهم، بعيداً عن مصالح الناس وحاجاتهم ومصالح لبنان.

فبدلاً من أن تقوم البنوك بالسماح المودعين من سحب ودائعهم ورواتبهم لتلبية الضرورات المعيشية والعائلية، والإسهام بجزء من أرباحهم في التعاضد الاجتماعي، لمواجهة الضائقة الصحية والمعيشية للناس، استغلّت المصارف فرصةً افتعلتها، بإعلان إضراب موظفيها قبلاً، لتهريب عشرات مليارات الدولارات إلى الخارج. هذا عدا عن سياسة الهندسات المالية ودور البنك المركزي، في تحقيق أرباح للبنوك على حساب المال العام للبلد.

وفي سياق استغلال الفرص، فقد حدث معي في معمل النسيج والغزل في جديدة المتن، استغلال الإدارة فرصة توقّف المعمل 15 يوماً في شهر تموز 1957، بسبب انتشار الإنفلونزا، وأقدمت على صرفي من العمل تعسّفياً، مع زميلين آخرين، لتتجنّب إمكانية تحرّك عمّالي تضامناً معنا. ثمّ شمل الصرف التعسفي بعد ذلك، حوالي 150 عاملاً. وكنّا قد قمنا بإضرابيْن ناجحيْن عام 1955 و1956 ، شمل كلٌّ منهما 85% من عدد العمّال البالغ 1800 عامل وعاملة. وكانت الإضرابات السبيل الوحيد للحصول على الحقوق والمطالب التي انتُزعَتْ.

إنّ وصول البلد إلى هذا المشهد الاقتصادي والمالي والاجتماعي والصحّي القاتم، هو نتيجة فيروسات السياسة السلطوية، وليس الكورونية وحدها. فهي المسؤولة عن إنهاك الدولة واستنزاف عافية شعبنا. فأرباب المصارف والمال وكبار التجار المتحالفين مع سلطة زعماء الطوائف هم من أضعف الدولة وإمكانياتها ووظيفتها، للإستقواء عليها داخليّاً وخارجيّاً. فنمط تقاسم الدولة وسلطتها، حصصاً ومغانم ومحميات، هو الذي أتاح الفرص لوباء الفساد والهدر، وأفقد الدولة الكثير من قدراتها وواجباتها تجاه الشعب والوطن. مما جعل الناس الذين هم ضحايا السياسة الاجتماعية، عرضةً لأن يصبحوا ضحايا وباء كورونا أيضاً.

فأين هي دولة لبنان القوي؟ وهل العنفوان الوطني والتمسّك بالسيادة الوطنية هو بالرضوخ لإطلاق جزار الخيام؟ وهل تُستخدَم هيبة الدولة وعضلاتها، لقمع الشعب وانتفاضته المطالبة بالتغيير المشروع لإنقاذ لبنان؟