اليوم وبعد مضي ما يقارب العقدين من الزمن عن تلك الحقبة، تتردّد في جنبات العالم جوهر كلمات ونوس، وان أتت على أنقاض جائحة هزّت العالم بأسره، وطرحت من جديد قضايا فكرية قد ظن البعض أنها ذهبت مع أدراج الرياح، تعود لتطرح أسئلة تحتاج لأجوبة على من صدّر نفسه على أنه "حاكم" للتاريخ، وأنه المنتصر والمسيّر له، وهو يظهر اليوم بأنه عاجز عن توفير الألبسة الواقية لكوادره الطبية. هو المُتجبِّر والمهدّد بتحريك بوارجه الحربية في كلّ أنحاء العالم، ومواطنيه في الداخل يتهافتون على المواد الغذائية التي أفُرغت بين ليلة وضحاها من المخازن.
الأشهر الخمسة الماضية من انتشار الوباء كوفيد 19، شكّلت تجربة من المبكر الحكم على نتائجها، ولكن مما لاشكّ فيه يمكننا أن نقرأ بعض عناوينها. لذلك فأننا نجد أن هناك تخلخلاُ للمتغيّرات التي تحكم معادلة العالم، وأن الحاجة تفرض زوال بعض هذه المتغيّرات المؤثّرة لتحلّ محلها أخرى قادرة على تفسير حركة التاريخ. ويمكننا القول أن تصريح رئيس صربيا سوف يٌسجّل على أنه أحد معالم هذا التغيير المقبل، ولن يكون مجرّد موقف آني، حيث أنه صوّر في محاكاته موت النظام القديم وولادة آخر جديد من أحشائه ، مشدّداً على أن : " التضامن العالمي غير موجود.. وأن التضامن الأوروبي غير موجود.. لقد كان كلّ هذا قصة خرافية على الورق... ولدينا الكثير من الأمل بالطرف الوحيد الذي يستطيع أن يساعدنا في هذا الظرف الصعب أنه جمهورية الصين الشعبية."
هذا التصريح لم يكن الوحيد، ولكنه كان الأبرز في التعبير عن الخلل الموجود في تركيبة المعادلة القائمة حالياً، وأن الطرف الوحيد والمعبّر عنه بالصين هو القادر على إصلاح هذا الخلل البنيوي، وخاصة وأنه خلال هذه الأزمة أثبتت الصين بالبرهان والدليل الملموس لجوهر الهدف الذي يطرحه الحزب الشيوعي الصيني بأن المستقبل المشترك للبشرية هو بالتفاعل والتناغم بين دول العالم وليس بفرض التهديد والوعيد، وإنما هو أيضاً بمد يد العون والوقوف لجانب الدول الأخرى التي تأثرت وبشكل كبير بجائحة كورونا ومساندة منظمة الصحة العالمية وتزويدها بالدعم المادي لا التهديد بقطع المساعدات عنها كما هدّد بذلك رأس البيت الأبيض .
إن التضامن الأممي بين شعوب الأرض في سبيل السعي لحياة حرة وكريمة بعيداً عن العوز والفقر والجوع، في ظل نظام اقتصادي اجتماعي يحفظ مبدأ العدالة الاجتماعية، ويعزّز القيم الإنسانية، ويقدّم الرعاية الصحية والتعليمية المجانية، ويقضي على الجهل والتخلّف، ويرفع من مستوى الرفاهية والتطلعات المشتركة لغد أفضل وأجمل.. كل هذا لم يعد حلماُ.. ولم يعد من مخلّفّات الماضي كما حاول أن يشيّع البعض مطلع التسعينيات من القرن الماضي...على العكس من ذلك ما تزال هذه المهام قائمة ومُلّحة التنفيذ، وأن دورة الأيام تكشف أهمية تضافر الجهود لتحقيقها، وأنّ البديل الذي يجب أن تقع على كاهله القيام بهذه المَهمة بدأ يتبلّور، وأن العولمة التي يتطلّع إليها هذا البديل اليوم، هي عولمة التطوّر العلمي والمعرفة والثقافة والقيم الإنسانية، لا عولمة الاستغلال والهيمنة على ثروات الشعوب.
(*) طالب دكتوراه في الجامعة الدولية للاقتصاد والأعمال – بكين