حنا غريب: فرص إعادة إحياء حركة التحرّر العربي تميل نحو التوطّد

أجرت مجلّة «الميدان» الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوداني مقابلة مع الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق حنا غريب، وتنشر مجلّة «النداء» النص الكامل لهذه المقابلة بالتزامن مع مجلّة «الميدان» السودانية.

أكثر من أربعة أشهر على الحراك في لبنان، ماهي آفاق هذا الحراك الآن؟

يتجّه النظام اللبناني نحو الاحتضار السياسي والاقتصادي وسط تعطّل أنظمته الإجرائية. واليوم، وبعد أن أصبحت الانتفاضة لاعباً أساسياً في الحياة السياسية في لبنان، فما بعد 17 تشرين الأول لن يكون كما قبله. فآفاق المرحلة الراهنة تبدو منفتحة على ثلاثة مسارات أساسية، وعلى القوى السياسية التغييرية أن تتحضّر لكلّ من هذه المسارات، والتي نوردها كالآتي:
- المسار الأول: أن تنجح قوى التغيير في إحداث خرق في النظام السياسي الطائفي، يضعف السيطرة الأحادية المطلقة لأطراف السلطة على موازين القوى القائمة، ويفسح في المجال أمام إمكان فرض حزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية المرحلية غير المسبوقة.
- المسار الثاني: أن تتحوّل الانتفاضة - وسط تصاعد تداعيات الانهيار الاقتصادي وتفاعلها وعجز الحكم عن مواجهتها - إلى ثورة سياسية واجتماعية عامّة تسقط النظام السياسي الطائفي وسلطته بالكامل.
- المسار الثالث: وفي حال عدم توفّر الفرص لتحقيق أيّ من هذين المسارين، فإنّ حظوظ المسار الثالث سوف تتعزّز باتجاه لجوء السلطة إلى ممارسة البطش والقمع واستثمار موجات الفقر والبطالة والهجرة والفوضى المعيشية، كغطاء ووسيلة للارتداد نحو أشكال من الفيدرالية، ما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى الشاملة.
من هنا لا خيار أمام الانتفاضة إلّا تثوير ذاتها بشكل متصاعد ومنتظم، وصولاً إلى التمكّن من قلب موازين القوى السياسية والاجتماعية بما يسمح بفرض تغيير أساسي في بنية النظام السياسي الطائفي وفي بنية الأقتصاد الرأسمالي الريعي.

ما هي القوى السياسية والاجتماعية التي تشارك في الحراك؟

هناك مروحة واسعة منالأحزاب والشخصيات السياسية والهيئات والتجمعاتالشبابية والنسائية والمدنية والنقابية والمهنية، ذات الانتماءات الشعبية والفئات الاجتماعية المتنوّعة، من كل لبنان وخارج منظومة السلطة السياسية، التي شاركت في الانتفاضة ولا تزال وأعلنت في 23 شباط الماضي عن قرارها بتنسيق جهودها وتجميعها في اطار "لقاء التغيير" – من أجل لبنان ديمقراطي – وفق أولويات معينة من الأهداف والعناوين البرنامجية، وتضم بالإضافة إلى حزبنا: التنظيم الشعبي الناصري، حزب الطليعة، الحزب الديمقراطي الشعبي، ندوة العمل الوطني، الحركة الوطنية للتغيير ومجموعة من الشخصيات السياسية الوطنية المستقلة وخبراء الاقتصاد وعلم الاجتماع. وهناك أيضاً مجموعات تشكّلت في ساحات الانتفاضة من مختلف المناطق ومجموعات أخرى مدنية غير مرتبطة بأجندات خارجية، فضلاً عن تجمعات نقابية مستقلة معارضة لسياسات السلطة الاقتصادية والاجتماعية. كما تشكّلت مجموعات جديدة ولدت من رحم الانتفاضة مثل مهنيات ومهنيون وهي مستلهمة من تجربة الثورة السودانية. كما ولد أيضاً التكتل الطلابي في الجامعات اللبنانية الرسمية والخاصة وعشرات المجموعات من الأساتذة الجامعيين ومن التجمعات الشبابية المحلية في الأحياء والبلدات. ونحن بصدد السعي، انطلاقاً من المسارات الأربعة: السياسية والنقابية والمدنية ومن ساحات المناطق، إلى قيام أوسع ائتلاف وطني جامع يكون قادراً على تغيير موازين القوى وإنتاج البديل السياسي للسلطة السياسية المسؤولة عن الأزمة.

رغم اتّساع الحراك بشكل عام، ماهي القوى السياسية التي تصدت لقيادته؟

ثمّة حالة سياسية جديدة في البلاد، ممثلة في الانتفاضة، باعتبارها انتفاضة على مستوى الوعي الجماهيري، بحيث أنّها انتفاضة عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق، نزل فيها شعبنا إلى الشوارع بالآلاف المؤلفة حاملاً مطالبه لا صور زعماء الأحزاب الطائفية السلطوية فهي انتفاضة طبقية بامتياز ضد سلطة الرأسمال.المهم هنا، أنّ اليسار والحركة النقابية عموماً والحزب خصوصاً ساهموا في إنضاجها على مدى ثلاثين عاماً من النضال وهم الآن في قلبها ومنذ انطلاقتها وهم محط تقدير واحترام في ساحات الانتفاضة. ونحن الآن على تماسٍ مباشر مع قضايا الناس، ولا سيّما الشباب المنتفضين، الذين نقف معهم وإلى جانبهم. هذه معموديّة الحزب واليسار معاً: في أن ينجحا في تظهير انتفاضتهم وتمايزها في الموقف والشعارات، وتنظيم الصفوف في الساحات وعلى الصعيد الوطنيّ. ونحن نسعى ما أمكننا لتوجيهها بالاتجاه الذي يحقق مطالب المنتفضين. وعلينا كيسار مسؤولية العمل لبناء تحالفات سياسية مع كلّ قوى التغيير الديمقراطي المناضلة لبناء دولة علمانية ديمقراطية وإلى بناء تحالفات اجتماعيّة أيضاً مع الشرائح المنتفضة من الطبقة العاملة والأُجراء والمهمّشين أوّلاً، إضافةً إلى سائر الشرائح الاجتماعيّة والمهنيّة ثانياً، من أجل تظهير الجانب الاجتماعيّ والطبقي للانتفاضة.

ما هو الدور الذي يلعبه المهنيون والعاملون وبشكل خاص الطبقة العاملة؟

يلعب هؤلاء دوراً بارزاً في الانتفاضة رغم كلّ الصعوبات التي يعانون منها وفي مقدمها أنّ السلطة السياسية، قد صادرت قرار الاتحاد العمالي العام وروابط الموظفين ونقابات المهن الحرة نتيجة اصطفافاتها الطائفية في الانتخابات النقابية، فجعلوا من الهيئات النقابية مجرد مكاتب حزبية تابعة للسلطة. والجدير بالذكر هنا أنّ انتخابات المحامين قد جرت أثناء الانتفاضة وفاز بها محامو الانتفاضة. لقد ظنّت السلطة بهكذا سياسة إلغاء العمل النقابي وحقوق العمال والمهنيين، فحصل العكس، إذ انفجرت بوجهها انتفاضة شعبية عارمة لا تزال مستمرة لتاريخه وهي مرشحة في مثل هذه الصيرورة الثورية أن تتحول إلى ثورة فعلية، ذلك أنّ الحقيقة الدامغة هي أنّ حقوق الناس ملك أصحابها لا ملك قيادات الأدوات النقابية التي إذا ما تخلّت عن مسؤولياتها، الناس قادرة على التحرّك وتنظيم صفوفها دفاعاً عنها.

ثارت الجماهير اللبنانية ضد المحاصصة الطائفية للنخبة السياسية، برأيكم ماهو البديل؟

لقد نزلنا إلى الساحات لنرفع الصوتَ من أجل بناء الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة وتغيير السياسات الاقتصاديّة - الاجتماعيّة الفاشلة التي أوصلت البلاد إلى مديونية تجاوزت المئة مليار دولار أميركي وأفقرت الشعب وهجرت شبابه إلى الخارج. ومنذ البداية تقدّمنا بمبادرة كمدخل للحل ومفادها الدعوة إلى إعادة تشكيل السلطة من جديد عبر تشكيل حكومة وطنية انتقالية مشكلة من خارج المنظومة السياسية وذات صلاحيات استثنائية مهمّتها إقرار قانون جديد للانتخابات النيابيّة على أساس النسبيّة خارج القيد الطائفيّ، ولبنان دائرة انتخابيّة واحدة، وفق ما نصّت عليه المادة 22 من الدستور التي لم تطبقه منذ 30 عاماً بل قامت الحكومات المتعاقبة بتفصيل القوانين الانتخابية على قياس الطيقة السياسية الفاسدة التي ضربت صحة التمثيل النيابي قبل أن تنهب أموال اللبنانيين. هذا إضافة إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس هذا القانون الذي نطالب به بالإضافة إلى استرجاع الأموال والأملاك العامة المنهوبة والانتقال من نمط الاقتصاد الريعي إلى نمط الاقتصاد الوطني المنتج وبناء دولة الرعاية الاجتماعية دولة علمانية ومدنية وديمقراطية على أنقاض دولة المحاصصة الطائفية. وقد أطلقنا برنامجاً للحزب تناول رؤيته للمرحلة الانتقالية ويتضمن إضافة إلى ذلك رؤيته السياسية لمحاربة الفساد باعتباره فساداً سياسيّاً كامنا في نظامنا الرأسمالي. فالرأسمالية هي منبع الفساد والطائفية هي صيغته التي تتجلّى في المحاصصة. إضافة إلى إقرار قانون استقلالية القضاء، ورفع الحصانة عن المسؤولين الفاسدين الذين تعاقبوا على السلطة منذ ثلاثين عاماً ومحاكمتهم.

الوضع الاقتصادي في لبنان – حسب المعلومات - يشير إلى كارثة، ماهو تصوركم للحلول البديلة لسياسة التحرير الاقتصادي والليبرالية الجديدة؟

إنّ معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية هي سياسية قبل كل شيء وهي ناتجة بالأساس عن نظامه السياسي الطائفي التابع لشبكة الرأسمال المعولم، فضلاً عن التدخلات الخارجية والضغوط الأميركية المالية والاقتصادية الهادفة مع العدو الصهيوني إلى تنفيذ صفقة القرن وإلغاء حق العودة للّاجئين الفلسطينيين ونهب ثروتنا النفطية والغازية والإبقاء على النازحين السوريين لمنع الحل السياسي في سوريا وضرب المقاومة.
أمّا تصوّرنا للحلول البديلة لسياسة التحرير الاقتصادي والليبرالية الجديدة، فنحن نطرح مجموعة من البنود في مقدمها:
- البدء بإحداث تغيير لمنظومة السياسات التي اتُّبِعت في الاقتصاد اللبناني منذ عام 1992. وفي هذا الإطار، يجب تغيير أصل النموذج القديم، وهي الاستدانة الحكومية وتراكم الرأسمال الريعي الناتج عنها. فالإنفاق الكبير الذي حصل منذ ذلك الوقت على أساس المحاصصة الطائفية والفساد وبالتزامن مع خفض الضرائب على الرأسمال الكبير، أدّى إلى تراكم الدّيْن العام من جهة، وإلى تركز الثروة لدى القلّة من جهة أخرى. ومن دون هذا التغيير، فلا طائل في أيّ من السياسات، ولن يفيد لا الاتّكال على التدفّقات الخارجية ولا على إجراءات و"نصائح" صندوق النقد الدولي.
- العمل على حلّ معضلة الدين العام وتراكمه، وذلك عبر إلغاء دين المصرف المركزي على الخزينة اللبنانية، وهذه بدعة، إذ كيف للدولة ان تستدين من الدولة. فهذا الإجراء سيكون له وقع إيجابي جدّاً على موازنة الدولة اللبنانية. على أن يتمّ في المقابل وبموازاة ذلك، سحب المصارف لودائعها واستثماراتها لدى مصرف لبنان وإعادة إقراضها في الاقتصاد المنتج.
- إلغاء جزء كبير من الدين العام بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي للمصارف التجارية على أن يترافق ذلك مع عملية خفض موازية لقيمة الودائع المرتفعة والتي يملكها حوالي واحد بالمائة من المودعين، والتي جاءت نتيجة سياسة الفوائد العالية والتي لا وجود لها في أي بلد من بلدان العالم حيث وصلت في بعض الأحيان الى نسبة 45%.
- وضع قيود نظامية على رؤوس الأموال يمنع من خلالها التحويلات الكبرى إلى الخارج ويحصرها بالحاجات التعليمية والمعيشية للطلاب في الخارج، بالإضافة إلى تكاليف الاستيراد والتجارة الخارجية.
- استحداث نظام ضرائبي جديد يطال أساساً الثروات والأرباح، ويؤمن للدولة المداخيل التي تسمح لها بتمويل وظائفها الأساسية وخدماتها العامة، بدل التخلّي عن هذه الوظائف لكبار الرأسماليين عبر الخصخصة كما جاء في "الورقة الاصلاحية" لحكومة الحريري المستقيلة أو عبر ما يُسمّى "الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص"، الذي يخفي مطامع الاستيلاء على الأملاك والأصول العامة التي ينبغي أن تبقى ملكيتها للشعب.
- اعتماد الضريبة التصاعدية لتحقيق عدالة ضريبية أكبر وتوسيع الوعاء الضريبي. إنّ المدماك الأساسي للنظام الضريبي الجديد يجب أن يتضمّن: رفع معدل الضريبة على شركات الأموال إلى 30%، وضع ضريبة تصاعدية على الفوائد المصرفية بدءاً من 7% وصولا الى 15%، وضع ضريبة 2% على الثروة الصافية للأفراد فوق المليون دولار، تعديل ضريبة الانتقال بما يعفي عمليّاً الأكثرية الساحقة من الفئات الاجتماعية المتوسطة وما دون المتوسطة خصوصاً في الأرياف من هذه الضريبة بخلاف ما هو قائم اليوم، فرض ضرائب على الربح العقاري وعلى مداخيل كبار الأثرياء العاملين في الخارج وإخضاع الأوقاف العائدة للمؤسسات الدينية للضريبة وإلغاء الإعفاءات الضريبية لشركات الهولدينغ وشركة سوليدير، وكذلك "الإعفاءات التأجيرية" الممنوحة للكثير من مستخدمي أملاك الدولة ووقف قنوات التهرب الضريبي عبر الشركات القابضة وغيرها.

هنالك حركة تضامن واسعة مع الشعب اللبناني، ماهي القضايا الاساسية التي تركز عليها حركة التضامن هذه؟

أبرز القضايا التي تركز عليها حركة التضامن هي المتعلقة بالتضامن السياسيوتبادل التجارب والخبرات وذلك من خلال الحوار والتواصل المتعدّد الأشكال والمشاركة في الاعتصامات والتظاهرات والندوات وإصدار المواقف الداعمة للانتفاضة، وما من شك، أنّ أيّ إنجاز يتحقّق لأيّ انتفاضة شعبية للتحرر الوطني والاجتماعي في بلداننا العربية يعتبر بمثابة دعم قوي لسائر الانتفاضات وللقضية الفلسطينية بشكل خاص التي تعتبر قضية العرب المركزية والتي يجري التآمر عليها من قبل الأنظمة العربية الرجعية التي تنتفض ضدها شعوبنا العربية وتسعى لتغييرها.

ما هو موقفكم من الحكومة الحالية، حيث أنّ القوى الاساسية التي تقف خلف الحكومة هي حركة أمل وحزب الله. هل يمكن الحديث عن أنّ هذه الحكومة يمكن تلبي مطالب وتطلعات هذه الجماهير الثائرة؟

لقد تحكّمت الأكثرية من أطراف السلطة بتسمية الوزراء وتوزيع الحقائب، مع تمثيل واسع للمصارف وقوى الرأسمال الكبير. وبدا واضحاً أنّ الحكومة تحمل في طيّاتها مشروع تسوية غير مباشرة مع الجانب الأميركي، عبر تركيبة حكومية تضم وزراءً مُرضى عنهم ويحمل بعضهم الجنسية الأميركية، فيما يحظى بعضهم الآخر بقبول ضمني من بعض أطراف السلطة الذين أصبحوا خارج الحكومة مثل الاشتراكي والقوات والمستقبل والكتائب، في محاولة التهرب من تحمل مسؤولية الانهيار والنأي بالنفس من أجل ركوب موجة الانتفاضة واستغلالها تحقيقا لمكاسب فئوية ضيقة و/أو تنفيذاً لأجندات خاصة أو خارجية.
وهذه المحاولة لن تعفي في جميع الأحوال تلك المعارضة من مسؤوليتها، كما غيرها من أطراف السلطة، من تعميق الازمة ودفعها إلى مشارف الانهيار. وضمن هذا السياق السياسي جاء تبنّي رئيس الحكومة حسّان دياب للموازنة التي أقرّتها حكومة سعد الحريري المستقيلة، وتبنّيه ضمناً للورقة المسمّاة إصلاحية المقترحة التي تشكل استمراراً للسياسات الاقتصادية والمالية التي أوصلت البلاد إلى الانهيار عبر سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومسلسل مؤتمرات باريس 1 و 2 و3 و4 ( مؤتمر سيدر). كل ذلك يعكس ترجمة أولية للمنحى الاقتصادي – الاجتماعي الذي سوف تتخذه حكومته لجهة: المضيّ في حماية مصالح رؤوس الأموال والريوع والمصارف، والاتجاه نحو خصخصة القطاع العام وتصفيته، والالتزام بأولوية تسديد فوائد الدين العام الخارجي المرتفعة، بالإضافة إلى استمرار المراهنة على مؤتمر سيدر وشروطه حيث يزداد منسوب الحديث عن الاستمرار بالاعتماد على خيارات صندوق النقد الدولي والخضوع لبرامجه التقشفية، وما تنطوي عليه من تداعيات خطيرة على الطبقة العاملة والفئات الفقيرة والمتوسطة في القطاعين العام والخاص. واستباقاً للسياسات والقرارات الموجعة التي تبشّر بها قوى السلطة، تمّ رفع مستوى القمع والتضييق على الحريات العامة، والعمل على فضّ الاعتصامات بالقوّة، بهدف كبح جماح الانتفاضة وتقويضها. نعم لا ثقة بحكومة حسان دياب لأنها حكومة المحاصصة الطائفية والرأسمالية. والمطلوب أن تتواصل الانتفاضة الشعبية وتتجذّر في إطار معركة طويلة الأجل، استناداً إلى برنامج يحمل رؤية سياسية واضحة بتحويلها إلى ثورة وطنية ديمقراطية لتحقيق التغيير الجذري والانتقال بلبنان من الدولة الطائفية والمذهبية إلى الدولة العلمانية الديمقراطية.

ماهو دور الشباب والمرأة في هذا الحراك؟

يحتلّ الشباب والطلاب، وبخاصة النساء والشابات والطالبات، دوراً مميّزاً، حيث تتقدّم عشرات الآلاف منهن الصفوف في التظاهرات والاعتصامات وطرح تطلّعات الانتفاضة نحو التغيير وإعادة تشكيل السلطة وتفكيك نظام الهيمنة الذكورية وكل اشكال التمييز ضد المرأة والتمرّد على إحكام السلطة قبضتها على إدارات المدارس والجامعات والإدارات والمؤسسات العامة الخاصة والدينية. وهذا الحضور النسائي الهام جدّاً في الانتفاضة، جعل من الاعتداء عليهن تحديداً مدعاة للخزي والعار للسلطة وميليشياتها الطائفية. فالشباب والشابات هم النواة الأكثر تحرّكاً ومشاركةً وتواصلاً في الانتفاضة باستخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال حيث تشاركوها قبل الانتفاضة مع أقرانهم الذين هجّرهم نظام الريع الى خارج لبنان بحثاً عن فرص العمل. فهؤلاء الشباب والشابات، في تبادلهم للأفكار، أنتجوا بيئةً معرفية وفكريّةً جديدة محفزة للانتفاضة على الظلم اللاحق بهم وبشعبهم، لا سيّما من خلال مقارنتهم لمستوى الحياة والمعيشة والخدمات المحققة في بعض بلدان الاغتراب كالخليج وأوروبا والولايات المتحدة وحجم الحرمان الكبير الذي يخضعون له في لبنان.

هنالك حراك جماهيري أيضاً في بعض البلدان العربية ( العراق، سوريا، الجزائر السودان، ومصر) وهناك قضايا تطرح بشدة مثل الاستقلال السياسي والاقتصادي، صفقة القرن، القضية الفلسطينية. ألا يستدعي ذلك نوع من التنسيق بين الاحزاب الشيوعية والقوى الديمقراطية لهزيمة المخطط الامبريالي الصهيوني الرجعي؟

إنّ أزمة الرأسمالية هي ازمة عالمية تظهر تجليّاتها اليوم في تراجع النمو وتمركز الدخل والثروة في يد القلة والانهيار الاجتماعي للطبقات العاملة والوسطى، وبالتالي ارتفاع حدّة التناقضات الطبقية، في الدول النامية بشكل خاص بفعل الاستغلال المزدوج نتيجة تبعية أنظمتها للقوى الرأسمالية المهيمنة ومشاريعها العدوانية الهادفة للسيطرة ونهب الثروات ( صفقة القرن، القضية الفلسطينية) هذا من جهة،ومن جهة ثانية حال الاستغلال الطبقي لبرجوازياتها الداخليةالمرتهنة للقوى الراسمالية المهيمنة. وفي خضم هذه المرحلة تتفجّر الانتفاضات الشعبية رفضاً لعدم المساواة والتهميش والإفقار والاستغلال في دول عديدة في المنطقة العربية من ( لبنان، العراق، سوريا، الجزائر السودان، ومصر). ونرى في هذه الانتفاضات مدخلاً نحو تجديد حركة التحرّر الوطني العربية فانتفاضة الشعب اللبناني مثلاً ضدّ النظام الرأسمالي اللبناني التابع لمراكز الرأس المال المعولم، تندرج أيضاً ضمن أفق مواجهة الامبريالية الأميركية، باعتبار هذا النظام أحد أدواتها التي تعتمد عليها في تصفية القضية الفلسطينية وتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية ومذهبية تبرّر وجود الكيان الصهيوني ودولته العنصرية في المنطقة.
وهو ما يستدعي من الأحزاب الشيوعية العربية واليسار ليس فقط اللقاء والتواصل بل رفع سقف المواجهة في الخارج والداخل والعمل على الارتقاء بالانتفاضات، وصولاً إلى تحويلها إلى ثورات وطنية ديمقراطية، تتكامل فيها وتتعاضد مهمات التحرر الوطني بمهمات التغيير السياسي – الاقتصادي والاجتماعي في بلداننا العربية وعلى الصعيد القومي العام. وتنطبق هذه الوجهة أيضاً على الموجة الثانية من الانتفاضات الشعبية، بصفتها تشكّل نمطاً جديداً ومتقدّماً عمّا سبقها من انتفاضات، لجهة دور الأحزاب الشيوعية واليسار البارز فيها.
وكلّما تعزّزت الأبعاد التحرّرية الوطنية لهذه الانتفاضات وتوضّحت خلفياتها الطبقية والاجتماعية وتنامى دور التشكيلات النقابية والعمالية فيها، فان الظرف يصبح مؤاتياً لكسر موازين القوى السائدة وإقامة دول وطنية ديمقراطية وعلمانية، تكون جزءاً لا يتجزأ من مشروع إعادة إحياء حركة تحرر وطني واجتماعي عربية من نوع جديد لإلحاق الهزيمة بالمخطط الامبريالي الصهيوني الرجعي. وهو ما يدفع أيضاً باتجاه تراجع المشاريع الإقليمية، ولا سيّما مشروع أردوغان الذي يحاول من خلال احتلاله للأرض السورية إعادة سلطنته العثمانية، وهو ما نعلن إدانتنا له ودعم موقف التصدّي السوري له بكل الإمكانيات والوسائل المتاحة.
إنّ فرص إعادة إحياء حركة التحرّر العربي هذه تميل من الناحية الموضوعية نحو التوطّد بفعل تزامن الأنتفاضات الشعبية مع عوامل عدّة ذات صلة بما انتهى إليه وضع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، من أنظمة رجعية وقوى ومجموعات ظلامية، في كلّ من سوريا والعراق واليمن ولبنان لجهة تعاقب الانكسارات السياسية والعسكرية؛ وانسداد أفق الأنظمة والحركات الإسلامية الممانعة كمشاريع بديلة، واختلال السيطرة العسكرية المطلقة للعدو الصهيوني على المستوى الإقليمي بعدما فشل في اعتداءاته المتكرّرة على لبنان وغزّة ودول الطوق عموما؛ واستطراداً، التراجع غير المسبوق للدور الأميركي في المنطقة وسط استمرار تفاقم أزمة النظام الرأسمالي وبداية تشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

أخيراً اسمحوا لي في ختام هذه المقابلة أن أتوجه بأسمى آيات التقدير والاحترام إلى الرفاق في الحزب الشيوعي السوداني قيادة وأعضاء وإلى شهدائه الأبرار وسائر شهداء الثورة السودانية وأمتنا العربية وعهدنا لهم جميعاً على متابعة المسيرة حتى تحقيق الأهداف التي سقط من أجلها الشهداء.

بيروت، آذار 2020