جنوب العودة والكرامة والمقاومة

لم يخافوا من رصاص العدو الصهيوني وجرائمه المروعة المرتكبة بحق الشعب اللبناني. ولم يتراجعوا أمام التهديدات والمخاطر والمحاذير التي أطلقها العدو المحتل. ولم يتنظروا لحظة واحدة بعد انتهاء مهلة الستين يوماً على اتفاق الهدنة مع هذا المحتل الغاصب لبعض قرى الجنوب. بل، تداعوا للعودة إلى قراهم ومنازلهم المهدمة بفعل العدوان الصهيوني – الاميركي الأخير.

فعند ساعات الفجر الأولى من صباح يوم أمس الأحد الواقع فيه 26 كانون الثاني 2025، توافدوا بالآلوف وتوالدوا، كأنهم فطر الأرض. هم فطر الجنوب والوطن. هم أهل الصمود والمقاومة. هم أهل الشهداء الأبطال والجرحى والمفقودين، هم ريحان الأرض التي دنسها العدو الصهيوني ويرفض الخروج منها وعدم الالتزام بمهلة ال 60 يوماً للانسحاب من بعض قرى الجنوب والتي رعتها وهندستها الإدارة الأميركية شريكته في العدوان الوحشي على لبنان وشعبه ومقاومته. هم أسياد الرأي والقرار والحق بالعودة ومقاومة الاحتلال بقضباتهم وحناجرهم وصدورهم العارية. وهم، هم، من أرعبوا دائماً هذا العدو بترسانته العسكرية وقواته المتحصنة وراء تكنولوجيا فتاكة الذين راحوا يطلقون الرصاص على جموع المحتشدين أمام قراهم لا فرق بين طفل أو امرأة أو طاعن في السن، ليسقط في يوم المواجهة التاريخي أكثر من 22 شهيداً وشهيدة و125 جريحاً من المدنيين ومن عناصر الجيش اللبناني على مرآى من لجنة المراقبة الدولية الكلفة تنفيذ إتفاق 1701 ، واليونيفيل، ومجلس الأمن، والعالم. وليصدر البيت الأبيض بيانه الذي يؤكد المؤكد في شراكته مع العدو الصهيوني عبر السماح بتمديد مهلة الانسحاب الصهيوني من 26 كانون الثاني إلى 18 شباط القادم.
شعب الصمود والمقاومة الوطنية اللبنانية توافد من مختلف الإنتماءات ومن كل المناطق اللبنانية، تلاقت إرادتهم القوية عند النقطة الصعبة في جنوب الوطن، وتلاقت كرامتهم الوطنية على تحدي المحتل وإجباره على الإنسحاب من القرى الأمامية باللحم الحي، وتشابكت قبضاتهم على إكمال مسيرة المقاومة، بمقاومة شعبية مدنية، ليثبتوا لمن يهمه الأمر القريب والبعيد، الداخلي والخارجي، أن المقاومة طريق الطريق والحل، وأن التحرير هو الهدف. ولا شيء يستطيع إيقاف هذا النهج الوطني رغم كل الظروف الصعبة وتغيير موازين القوى التي استجدت. وليثبت شعبنا اللبناني أنه يستطيع أن يحقق المستحيل ولو في زمن الوصاية الأميركية ومشروع الشرق الأوسط الاستعماري التدميري، وفي زمن الدعم الأميركي في كل الإدارات المتعاقبة غير المحدود للكيان الصهيوني، وفي ظل محاولة بعض رواد المناصب وصغار المراهنين على تلميع صورة العصر الأميركي الجديد.
إنه يوم تاريخي مجيد في تاريخ المقاومة الوطنية، إمتد بمقاومته الشعبية على طول الحدود مع فلسطين المحتلة بمواجهة العدو الصهيوني . شهد الوطن كله نبض الحياة والكرامة والعزة بسلاح الإرادة والعزم والتصميم على تحرير القرى الأمامية من رجس المحتل الصهيوني الغاصب. وتابع كل الشعب مشهدية الإصرار والتقدم نحو تراب الوطن التي تفوقت على جحافل العدو الصهيوني الطامع في أرض الجنوب ومياهه، ومحاولاته اليائسة للقضاء على مقاومته.
يوم أمس، إختلطت دماء الشهداء بدموع النصر بتراب الجنوب، وإمتزجت رائحة الريحان بشتلة التبغ والزيتون. وعند المساء حملت الطيور خبر عنفوان الشعب اللبناني الصامد الأبي، وبسالته في مقاومة شعبية بمواجهة عدو محتل غاصب، لتتحول أنظار العالم نحو الجنوب اللبناني كما تحولت بنفس المقدار نحو شعب غزة ومقاومته. وكما يجب أن تتحول في كل منطقة وقرية يدنسها العدو الصهيوني، ومن أجل مقاومة وطنية عربية شاملة ضد الاحتلال والتطبيع والخضوع والاستسلام.
ما أشبه يوم أمس في جنوب لبنان، بيوم الجمعة 26 شباط 1999 حين حرر شباب وطلاب لبنان ومن كل الجامعات والمناطق بلدة أرنون الجنوبية بمقاومة وطنية شبابية مدنية وبالقبضات العارية من دنس المحتل الصهيوني.
لقد آن لشعب لبنان بكافة قواه الوطنية والديمقراطية التحريرية والتغييرية أن يبادر إلى إعلان "النداء الوطني" بإقتلاع كافة سواتر التفرقة الطائفية والمذهبية والطغمة الرأسمالية والتبعية والفساد للسير قدماً نحو بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية المقاومة، من أجل التحرير والتغيير الديمقراطي.
تحية إلى أهلنا في جنوب العودة والكرامة والمقاومة.المجد للشهداء والشفاء للجرحى.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 427
`


سمير دياب