المرحلة الجديدة تستوجب نهجاً تغييرياً جديداً

يدخل لبنان مع إنتخاب جوزيف عون رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة، مرحلةً جديدة حيث يشعر اللبنانيون بالارتياح، لأنّ الرئيسين هما من خارج السرب السلطوي. لذلك يعقدون الآمال على إصلاح وتغيير الأوضاع، من بناء الدولة ومكافحة الفساد، إلى تحسين معيشة الناس الاجتماعية، إلى حلّ مشكلة الكهرباء والمياه، وإعادة أموال المودعين واسترداد الأموال المنهوبة، إلخ. لكن لا بد من الإشارة إلى أن تزايد التدخلات الخارجية في الوضع الداخلي يرتبط بالانقسامات العَمودية والتناقضات الداخلية، وبعجز السلطة حتى عن انتظام عملها، وإلى تحلُّل الدولة والانهيار.

ولا يمكن أيضاً تجاهل دور الحرب الوحشية للعدوّ الصهيوني ضد لبنان وفلسطين، مستنداً إلى الدعم الأميركي والغربي، وما نجم عنها من آلاف الشهداء اللبنانيين المقاومين، وعشرات آلاف المصابين، ومن دمار كبير في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وأماكن أخرى. ولم يأتِ كل ذلك بفعل الصدفة أو بعوامل طارئة. وإذا ما فضحت التدخلات الخارجية السافرة دعاة السيادة اللبنانية الذين وقفوا في الصف وراء رغبة المتدخّلين وسياستهم، فإنّ التردّي المريع لمجمل أوضاع لبنان واللبنانيين هو الذي أتاح ويتيح للخارج التدخّل.
ترتبط هذه الأوضاع بطبيعة نظام التحاصص والانقسامات الطائفية في السلطة وخارجها، وتخلق دوافع لزعامات الطوائف للاستقواء بهذا الخارج أو ذاك. فبناء الدولة وسلطتها على أساس المفهوم الطائفي للميثاق الوطني، يجعل الدولة وسلطتها جمعاً للطوائف، وتفاوتاً في الحصص والمواقع بين اللبنانيين تبعاً لأحجام طوائفهم. وتصل الصراعات المذكورة للطموح إلى هيمنة طائفة تُختزل بزعيمها في السلطة. وهذا ما يخلق خللاً في مجمل عمل السلطة وبنيتها، وفي دور الدولة، سواء في المجال الوطني والدفاع عن الوطن والشعب، أم في مجال مكافحة الفساد وتدهور معيشة الناس الاجتماعية.
لقد شكّل الاستمرار بالتمسّك بنظام الأزمات والانقسامات الطائفية العامل الأساسي في انفجار الحرب الأهلية التي استمرّت 15 سنة، وتسبّبت بالكثير من المآسي والدمار. وإنّ إعادة بناء الدولة بعد اتفاق الطائف على الأسس نفسها، استولدت الانقسامات والتناقضات نفسها. وأظهرت المناصفة بين المسيحيين والمسلمين أنّها ليست حلاً، وكذلك الوساطات والوصايات الخارجية. فالسلطة والدولة لا تُبنيان على تقاطعات بين طوائف، ولا على هيمنة طائفة على السلطة، وهي تُبقي لبنان الوطن والدولة في العناية الفائقة التي ربّما تحفظه حياً لكن تمنع معافاته، وبقاؤه هكذا يجعله محنّطاً.
لقد كانت هذه الأسباب مجتمعة في أساس تردّي الوضع الاجتماعي والوطني، وتفاقم الاستياء الشعبي، وانفجار إنتفاضة 17 تشرين المليونية، التي شكّلت تعبيراً جلياً عن إرادة شعبنا في كل المناطق والطوائف. وإذا ما استطاعت الطبقة السلطوية حماية سلطتها بالقمع والتحريض الطائفي، إلا أنّ شعلة الانتفاضة لم تنطفئ في نفوس الناس، وقد أدخلت مجموعة من التغييريين إلى البرلمان.
مع بداية مرحلة جديدة لا بدّ من التأكيد أنها لا تكون جديدة إلا باعتماد الإصلاح والتغيير، بما في ذلك في أسس بناء الدولة. فالميثاقية بمفهومها الطائفي منعت توحيد اللبنانيين وطناً وشعباً ودولة.. والبديل هو بناء دولة المواطنية والعدالة الاجتماعية، والدولة القادرة على حماية لبنان. وهي بذلك تجمع كل الطاقات تحت سقفها، وتسير بلبنان في طريق تحقيق وحدته ونهوضه.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 427
`


موريس نهرا