مجلة النداء إلتقت الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الدكتور أحمين شفير الذي حاول قراءة المشهد الجزائري منذ الثمانينيات وتطوّره وأشكاله والسمات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والنقدية التي طبعته، والمآلات التي وصل إليها، مقدّماً رؤيته الاقتصادية والسياسية التي يعتقد أنها تضع البلاد على سكة الحل وتساهم في إخراجها من أزماتها المتراكمة ونقلها من نهج اقتصادي ريعي إلى نهج إنتاجي ولا سيما وأن الجزائر تتمتع بوجود البنية الاقتصادية المؤهّلة لذلك فضلاً عن وجود طاقات وخبرات علمية وطنية كبيرة.
فيما يلي النصّ الكامل للحوار:
- عكس الكثير من القراءات والمقاربات للحراك الشعبي في الجزائر التي تفسر خروج ملايين الجزائريين للشارع لأسباب سياسية فقط رافضين للعهدة الخامسة لبوتفليقة، أنتم تولون أهمية بالغة للأسباب الاقتصادية، ولكم قراءة اقتصادية سياسية للحراك الجزائري، هل توضحون لنا ذلك؟
نعم، يمكن اعتبار جذور الحراك الشعبي الذي تعرفه الجزائر منذ فيفري 2019 ولا زال مستمرّاً، رغم التضيقات التي يشهدها في الآونة الأخيرة، نتاج ما يقارب أربع عشريات من التحوّل الليبرالي التابع، أي منذ وفاة الرئيس هواري بومدين وتولي فريق جديد الحكم في الجزائر والذي نصّب الشاذلي بن جديد رئيساً، ليشرع منذ ذلك الحين في التخلّي عن الإستراتيجية التنموية وخيار بناء اقتصاد وطني مستقل قوامه التصنيع وتحديث القطاع الزراعي وأداته تأميم الثروات الوطنية (أساسا البترول والغاز) تحت شعار "نزرع البترول لنحصد التنمية".
التخلّي أن هذه الخيارات دون أيّ تقييم ودراسات علمية مسبقة، والشروع في سياسات إقتصادية ليبرالية منذ 1980 كانت له نتائج وخيمة على 3 أصعدة على الأقل:
- الجانب الاقتصادي: تعطيل شبه كلّي للأداة الإنتاجية الوطنية يظهر في توقّف التصنيع وتفكيك القطاع الصناعي الوطني (أقل من 5% من الناتج الداخلي الخام)، وتراجع القطاع الإنتاجي عموماً لصالح قطاع الخدمات وأساساً التجارة والسمسرة، وتبعية كبيرة للخارج سواء من ناحية السلع الاستهلاكية (الغذاء، الدواء، الألبسة...) أو السلع الاستثمارية (مواد التجهيز ومدخلات الصناعة والزراعة...)، وبقاء المحروقات كقطاع شبه وحيد لجلب العملة الصعبة. بالإضافة لصعود القطاع غير الرسمي الذي أصبح يراقب حوالي 50 % من الاقتصاد والكتلة النقدية في السوق. كلّ هذا رغم المداخيل الضخمة من صادرات المحروقات والتي قدرت ب 719.3 مليار دولار من سنة 2000 إلى غاية 2014 (بعض الأرقام تتحدث عن أكثر من 1000 مليار دولار خلال الثلاث عشريات الأخيرة). باختصار شديد، لقد أدّت السياسات الليبرالية المطبقة خلال أربع عشريات (أي منذ 1980) إلى تعطيل عملية التنمية الوطنية وتعميق تبعية الاقتصاد الجزائري للخارج ولتزايد الفوارق الاجتماعية وبين الأقاليم.
- على مستوى البنية الاجتماعية، أدّت السياسات الليبرالية إلى تصاعد كبير للفوارق الاجتماعية والتي تظهر في الدخول وفي الثروة العقارية وكذا في ملكية رأس المال، وبروز فئة اجتماعية ضيقة استفادت من قربها من السلطة (المحيط القريب لرئاسة الجمهورية) لتصبح الفئة الزبونة للنظام (أقل من 10 عائلات) استحوذت على جلّ الصفقات العمومية المرتبطة بالأشغال الكبرى للبنية التحتية (الطريق السيار شرق غرب، الموانئ، السدود وقنوات نقل المياه، بناء الثكنات والأشغال العمومية الأخرى)، كما استولت على العقار الصناعي والفلاحي، وقنوات الاستيراد والتجارة الخارجية، وكذا قطاع الخدمات (الهاتف النقال، ومراكز الدراسات والخبرة...). كما تعد هذه الفئة هي المستفيدة من عملية خصخصة القطاع العمومي ونهبه.
هذه الفئة الريعية الناهبة ازداد وزنها وتأثيرها على القرارات والخيارات الاقتصادية والسياسية للجزائر وهو ما يبرز في:
▪ تمويل الحملات الانتخابية لرئيس الجمهورية علانية
▪ التأثير بشكل مباشر على التعيّنات في المناصب العليا (الوزراء، الولاة، الإطارات السامية في الدولة وبالأخص في المواقع الحساسة مثل الجمارك والمالية والتجارة...، وكذا مسيري البنوك العمومية ودواوين الاستيراد...)
▪ الوصول إلى المجالس والهيئات المنتخبة (البرلمان، مجلس الشيوخ، المجالس المحلية، غرف التجارة...) بقوة المال (220 نائب في البرلمان لديهم سجل تجاري أغلبهم من المستوردين)
▪ التأثير المباشر على وسائل الإعلام (علي حداد أقرب المقربين للسعيد بوتفليقة أخو الرئيس جريدتين وقناتين تلفزيونيتين)
هذه الفئة بحكم طبيعتها الريعية الناهبة تفتقد للقدرة على تنمية البلد وخلق وتائر نمو عالية، بل لا تملك أي مشروع تنموي للبلد ولا مشروع مجتمع.
- على المستوى السياسي، تحول طبيعة الدولة من دولة مُنميّة Développementaliste إلى دولة ريعية غنائمية بكلّ مميزاتها، هذا التحوّل يبدأ مع حكم شاذلي في بداية 1980 ليتعمّق مع بوتفليقة، وذلك عبر وضع الآليات لنهب الريع البترولي وتحويله لقوى النهب الداخلي والخارجي (القطاع الوحيد تقريباً المستقبل للاستثمارات الأجنبية المباشرة)، ونقل الاقتصاد من الإنتاج إلى الاستيراد والتجارة والمضاربة ومن العمل المنتج إلى القطاع غير الرسمي، وتعميق الروابط بين الرأسمال المالي الدولي (تسديد الديون، تحويل الأموال المنهوبة للبنوك الأجنبية...) وكذا الرأسماليات الريعية التابعة في بلدان الخليج.
تجب الإشارة إلى أن هذه التحوّلات، لم تتم بسهولة بل عرفت مقاومة نشطة شعبية وعمالية ومن النخب الوطنية (إضرابات، احتجاجات...)، لكن النظام الحاكم، ككلّ الأنظمة الريعية، أجاد استخدام ريع المحروقات لضمان استقرار الجبهة الاجتماعية وشراء الذمم وإفراغ كلّ العمل السياسي والنقابي من محتواه محوّلاً معظم الأحزاب السياسية والنقابة إلى علب فارغة دون أي امتداد شعبي أو عمالي. وكان يجب انتظار سنة 2014 وانخفاض أسعار البترول ليدخل الاقتصاد الجزائري في أزمة حادة (انخفاض المداخيل من المحروقات بالنصف، علماً أنها تشكّل حوالي 95 من مداخيل الجزائر من العملة الصعبة) ولتطفو تناقضات النظام على السطح وتتفاقم كلّما تقلّص الريع وتآكلت احتياطات الجزائر من الصرف.
2- هذه المؤشرات الخطيرة تمظهرت في تآكل احتياطي الصرف من العملة الصعبة من جهة، وتراجع قيمة العملة والوطنية من جهة ثانية، هل توافقون هذا الرأي وما هي حقيقة هَذين القطاعين النقديين المهمين؟
الوضع الاقتصادي الخطير يظهر في الاستمرار في تآكل احتياطي الصرف من العملة الصعبة بوتيرة سريعة، إذ لم يتبقَ منه سوى 42 مليار دولار تقريباً حسب التصريحات الرسمية (أي أقل من سنة استيراد على الأكثر) بعد أن كان يقدّر ب 197 مليار سنة 2013. أكثر من ذلك، تعرف ميزانية الدولة عجزاً منذ بضع سنوات ليصل إلى 13.75% من الناتج الداخلي الخام سنة 2021 (حوالي 21.75 مليار دولار)، هذا بالرغم من التخفيض في الإنفاق العمومي والاستثمارات المنتجة الأمر الذي انعكس سلباً على إنتاج المؤسسات العمومية والخاصة وفاقم من البطالة.
فضلاً عن ذلك، تعرف قيمة العملة الوطنية انزلاقا خطيراً منذ بضع سنوات يؤكّده قانون المالية 2021 والذي تضمّن إقرارَ تخفيضها بنسبة 11.45 %، وهو ما انعكس على الأسعار ومعدّلات التضخّم، التي عرفت ارتفاعاً في الأشهر الأخيرة تتراوح بين 30 إلى 50 % في المواد الأساسية و100 % في أسعار بعض المواد مثل قطع غيار السيارات. هذا بالإضافة إلى غياب شبه كلّي للدولة في عملية ضبط الأسواق الأمر الذي زاد من تدهور في القدرة الشرائية للمواطنين وبالأخص العمال المأجورين والموظفين، هؤلاء التي لم ترتفع أجورهم منذ 2008.
كلّ هذا الوضع، حرّك الجبهة الاجتماعية من خلال عدد من الإضرابات في القطاع الخاص والعام، واحتجاجات عمالية في قطاع الوظيف العمومي (التعليم، الحماية المدنية، عمال البلديات...)، التي لم تجد أي صدى من طرف السلطات سوى اتهام العمال بالخضوع لأجندات خارجية ولأيادي أجنبية تحرّكها تريد زعزعة استقرار الجزائر.
3_ هل النظام السياسي لا يدرك تلك المتغيرات والأزمات ..؟ أم أنه هو نفسه مشى فيها لتحقيق مآرب من استمسكوا به وتحكّموا بالبلاد طيلة هذه السنوات ..؟
التحوّلات التي عرفتها الجزائر منذ 1980 والنتائج المترتبة عنها، أفقدت النظام الجزائري تدريجياً مشروعيته التاريخية والسياسية والاجتماعية، كما عرف تضيّقاً في قاعدته الاجتماعية والسياسية المؤيدة له. وواعياً بهذا التحوّل والخطر الذي يحمله، عمد النظام إلى:
▪ تعويض تحالفاته التقليدية (الشعبية مع الثورة التحريرية المجيدة، والعمال والفلاحين والطلبة وصغار المنتجين والإطارات الوطنية المدنية والعسكرية خلال مرحلة التنمية) بتحالفات جديدة مع رجال أعمال صنعهم النظام نفسه يفتقدون لكلّ مؤهلات إدارة أعمالهم وما بالك في إدارة شؤون بلد مثل الجزائر.
▪ استبدال الأيديولوجية الوطنية بأخرى تقوم على الانتفاع والزبائنية من خلال تعميم الرشوة والفساد، وعلى إحياء الانتماءات العائلية والجهوية والطائفية، واستخدام الدين والزوايا كأداة سياسية وإيديولوجية لتمديد الحكم.
▪ الاعتماد على المشروعية الخارجية بديلاً للمشروعية الداخلية، من خلال تشديد التبعية للخارج وتوجيه الاقتصاد الوطني لخدمة مصالح الرأسمال الأجنبي والرأسماليات الريعية التابعة في الخليج.
4_ ما هي الأسباب الاقتصادية العميقة التي جعلت الشعب الجزائري ولا سيما منه الشباب للخروج والتعبير عن رفضهم الجذري لما آلت إليه ظروف البلاد ..؟
أعيد وأكرّر، الأزمة الحالية للجزائر هي نتاج 4 عشريات من تطبيق السياسات الليبرالية والتي بدأت من عهد الرئيس شاذلي منذ 1980 لتستمر مع العهد البوتفليقي، وأعتقد أن الآليات العامة الملموسة لتحويل المسار هي التالية:
- التخلّي عن خيار التنمية الوطنية المستقلة، الذي شرع فيه في السبعينيات في عهد الرئيس بومدين، على أساس التصنيع وبناء اقتصاد منتج مع كلّ المكاسب المصاحبة له (التخطيط، التشغيل، رفع القدرة الشرائية...)، لصالح سياسات اقتصادية ظرفية تفتقد للنظرة الاستراتيجية البعيدة المدى، ونمو موعود يأتي بصفة تلقائية من الانخراط في السوق العالمية وفي طروحات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. ليصبح النمو قضية القطاع الخاص والاستثمارات الجنبية المباشرة.
- التخلّي عن خيار بناء اقتصاد منتج موجّه للداخل نحو تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، لصالح إقتصاد موجّه للخارج نحو الاستيراد.
- لتحقيق ذلك، تم وضع أرمادا من التشريعات والقوانين باتجاه:
▪ دعم القطاع الخاص المحلي والأجنبي من خلال قوانين الاستثمار وجلب الاستثمار الأجنبي المباشر (منح مزايا متعددة ومتنوعة مثل العقار والقروض والمعاملة الوطنية بالنسبة للمؤسسات الأجنبية...)
▪ قوانين إعادة الأراضي المؤمّمة لأصحابها والاستفادة من العقار الفلاحي
▪ قانون رفع الاحتكار على التجارة الخارجية وتحريرها
▪ قوانين إصلاح النظام المصرفي والجبائي لصالح الرأسمال الخاص المحلي والأجنبي (تحويل الأرباح مثلا)
- بالإضافة للوسائل القانونية، تمّ توسيع استخدام كلّ الوسائل الملتوية (الفساد، التخويف والتعنيف، التعسف في استخدام السلطة، استغلال الثغرات القانونية، الغش والتهرّب الضريبي...).
وصول بوتفليقة للسلطة كرّس هذا الخيار الليبرالي المتوحّش وعمّقه أكثر ليصبح التوجّه واضحاً نحو دفع الاقتصاد الجزائري في أحضان قطاع خاص محلي وأجنبي ناهب لثروات البلد، وخضوع أكثر للخارج ومصالح قوى الريع العالمي (الرأسمال المالي الدولي والشركات ما فوق القومية والرأسماليات التابعة الخليجية).
ويظهر ذلك جلياً من خلال:
▪ قانون خصخصة المؤسسات العمومية
▪ قانونا الطاقة والمحروقات، الذي أريد من خلاله تسليم ثروات البلاد للرأسمال الأجنبي
▪ إمضاء عقد الشراكة مع الاتحاد الأوروبي
5- هل للحراك الجزائري رؤيا اقتصادية لحل تلك المعضلات التي تتخبط بها البلاد ..؟
مما سبق يظهر جلياً أن الحراك لا يحتوي على مطالب سياسية فقط، والتي عبّر عنها بالمطالبة بتغيير النظام وطرق التسيير (شعار تتنحاو قاع أي ليرحلوا جميعا) وبناء دولة القانون والمؤسسات والعدالة والديمقراطية، بل هو يحمل بُعداً اقتصادياً واجتماعياً عبّر عنه الحراك بشعار (كليتو لبلاد يا سراقين أي نهبتم البلد أيها اللصوص) والذي يعكس الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية الكارثية التي وصلت إليها الجزائر والمتمثّلة في مأسسة الفساد وتفشّي ظاهرة نهب الأموال العمومية وتحويلها للخارج، وتراجع النمو الاقتصادي خاصة في القطاعات المنتجة (الصناعة تساهم بأقل من 5% من الناتج الداخلي الخام أي من ثروة البلد)، وصعود طبقة من أصحاب الأموال الريعيين زبونة للنظام السياسي استعملت المال الفاسد لتنفُذ إلى مواقع القرار الاقتصادي والسياسي (البرلمان، الإدارة المركزية والإدارات المحلية...) وكذا للسيطرة بصفة مباشرة أو غير مباشرة على منظمات المجتمع المدني (منظمات أرباب العمل، الغرف التجارية، النقابة، الجمعيات الرياضية والثقافية...). الوجه المقابل لهذا الوضع هو تردّي الحالة الإجتماعية للجزائريات والجزائريين والتي تظهر في تراجع القدرة الشرائية وازدياد مظاهر الفقر والفوارق الاجتماعية وتردّي نوعية الخدمة العمومية (أساسا الصحة والتعليم)
6_ حاول النظام في عدة طرق اقتصادية وسياسبة واجتماعية فتح ثغرات في جدار تلك الأزمات للخروج من المأزق العالق فيه هو والبلاد على حدٍّ سواء، فهل وصلت تلك المحاولات إلى مقدّمات ناجعة أم أنها وصلت إلى حائط مسدود ..؟
كلّ المحاولات لإنقاذ النظام لم تفلح، بل عرف الوضع انسداداً وتأزّماً فجّر غضب الفئات الشعبية والعمال (الذين لم يتوقفوا في نضالاتهم من أجل الرفع من قدرتهم الشرائية والدفاع عن الحق في العمل والسكن والخدمات العمومية للماء والطاقة... عبر وسائل عدة: إضرابات العمال، ومسيرات البطالين، والاحتجاجات بمختلف الأشكال...)، وكذلك الفئات الوسطى والإطارات الوطنية المدنية والعسكرية الذين تراجعت قدرتهم الشرائية ومكانتهم الاجتماعية. إعلان ترشّح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، هو الدليل عن عدم قدرة النظام على تقديم حلول لمشاكل هذه الفئات والمواطنين بصفة عامة، بل هو دليل عن عدم قدرة النظام تجديد وإعادة إنتاج نفسه لا من ناحية مكوّناته البشرية ولا خطابه ولا تقديم البديل. وضع الانسداد الاقتصادي والسياسي هذا هو الذي فجّر حراك 22 فيفري، ليخرج الملايين من الجزائريين معربين عن رفضهم للفساد ولنهب الثروات الوطنية من طرف فئات ضيّقة من الناهبين والسماسرة. الحراك الشعبي والضغط الجماهيري من أجل التغيير أوقف العهدة الخامسة لبوتفليقة، وعجّل الصراع داخل مختلف أجنحة الحكم يظهر حجم الفساد على السطح (ولكن ليس كله):
▪ توقيف ومحاكمة وسجن 15 وزيراً في عهد بوتفليقة من ضمنهم وزيرين أولين، بتهمة الفساد واستغلال النفوذ من أجل الربح الشخصي والثراء غير المشروع وتحويل الأموال.
▪ توقيف ومحاكمة وسجن حوالي 10 ولاة بنفس التهم.
▪ توقيف ومحاكمة وسجن 3 "مدراء عامون" لبنوك عمومية بتهمة تبديد الأموال العمومية ومنح قروض بدون ضمانات وبطرق مشبوهة (بأوامر تأتي من فوق وبالهاتف في الغالب).
▪ توقيف ومحاكمة وسجن ما لا يقل عن 10 من رجال الأعمال والذين يعتبرون النواة الأساسية الأولى الأوليغارشية التي تشكلت في العهد البوتفليقي، بتهم التمويل غير الشرعي لحملات الرئيس وتحويل الأموال.
▪ عدد كبير من الإطارات السامية في مختلف الهيئات الحكومية (وزارات، بنوك ومؤسسات عمومية...) بتهمه منح الامتيازات بدون حق وتلقي رشاوي.
▪ توقيف ومحاكمة وسجن ما لا يقل عن 100 ضابط سام من قادة الجيش والمخابرات أغلبهم بتهم الفساد واستغلال النفوذ والثراء غير المشروع.
لكن بدت لدى معظم الجزائريين أن هذه الاعتقالات والمحاكمات ما هي إلّا عملية تصفية حسابات بين مختلف الأجنحة في السلطة، وأن النظام رغم "مباركته للحراك"، لم يظهر أي استعداد للتغيير الحقيقي للخيارات الاقتصادية والاجتماعية، ولا لفتح حوار حقيقي مع كلّ الفاعلين من أجل الخروج من الأزمة وبناء مشروع اقتصادي واجتماعي تنموي حقيقي ووضع الآليات السياسية الكفيلة بتحقيق ذلك على رأسها بناء مؤسسات ديمقراطية.
7- أليست الانتخابات التشريعية التي ستجري في 12 من الشهر الحالي هي الحل السياسي للأزمة القائمة؟ حيث سيتمكن الجزائريون من محاسبة من تسبب بالانهيار الاقتصادي والإتيان بممثلين جدد لهم يُعبّرون عن هواجسهم وطموحاتهم ويحقّقون أحلامهم في إعادة بناء الاقتصاد الوطني ..؟
النظام الحاكم في الجزائر، بعد استخدامه لكلّ الوسائل لكسر الحراك (إحياء النزعات القبلية ومحاولة زرع الفراق، توقيف الحراكيين وسجنهم، تقييد حركة الصحافيين...)، ورغم محاولة استرجاع شرعيته بتنظيم انتخابات رئاسية وتعديل الدستور
لم تعرف أي انخراط جماهيري، ها هو اليوم يريد تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة بالقوة محاولاً تجديد النظام بنفس "النخبة السياسية السابقة" بأوجه جديدة (تعليمات أعطيت لتشجيع أبناء وبنات الوزراء ورؤساء الأحزاب السياسية زبونة النظام للتشريعيات مع ضمان نجاحهم)، في جوٍّ من تصاعد للقمع ولجم الصحافة والأحزاب المعارضة (توقيف الحراكيين والصحافيين وتهديد الأحزاب بنزع الاعتماد).
8- ما هو الحلّ السياسي الواقعي الممكن تحقيقه في الجزائر ومن أنه إخراج البلاد من أزماتها المتعدّدة ..؟
اعتقادي وقناعتي وقناعة معظم المتتبعين للوضع في الجزائر أن الحلّ السياسي هو مفتاح الخروج من الأزمة وأن التعجيل في إيجاد التوافق الضروري من أجل بناء نظام سياسي جديد، الانتخابات التشريعية الحالية والانتخابات التي سبقتها ليست الحلّ الوحيد والآني، وإنما هي جزء من حلٍّ يجب أن يدرج ضمن مسار عميق وطويل المدى لبناء نظام سياسي جديد يقوم على الديمقراطية والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء وضمان الحريات الفردية والجماعية وضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجميع. وضع أسس هذا النظام السياسي الجديد لا بدّ وأن يدرج في مسار لبناء مشروع مجتمع جديد والنهوض بالاقتصاد الوطني باتجاه دعم قدراته الإنتاجية والتكنولوجية وتطوير طاقاته البشرية. وهذا لا يمكن تحقيقه إلّا بفتح حوار جاد ومسؤول وصادق مع كلّ الفاعلين.