حزب الضرورة

"بناء الاشتراكية مهمة تاريخية ضرورية وحتمية لتحرير" الطبقة العاملة من قيود الاستغلال والظلم" 

 فلاديمير لينين

 في مطلع القرن العشرين شهد العالم تحولات جذرية تمثلت في أزمة الرأسمالية وتحولها إلى طورها الإمبريالي مما أدى إلى تغيير خريطة العالم وبروز كيانات جديدة.

 وقد مثل اندلاع الحرب العالمية الأولى المشهد الأول لهذا العالم حيث كان تقسيم منطقة الشرق الأوسط وفق اتفاقية سايكس-بيكو أحد أبرز نماذج هذا التبدل. وقد نتج عن هذه الاتفاقية قيام دولة لبنان الكبير عام 1920 تحت الانتداب الفرنسي الذي يمثل أحد أوجه الاستعمار.

 نشأ هذا الكيان الهش القائم على التبعية الاقتصادية والسياسية للمركز الرأسمالي واعتمد في تركيبته على البرجوازية التابعة التي استخدمت التقسيم الطائفي لتغليف الصراع الطبقي وتشويهه وتوليد صراعات وأزمات دائمة بهدف تأبيد حكمها القائم على الاستغلال الطبقي.

 في ظل هذه التطورات والتفاوتات الطبقية وهشاشة الوضع الاقتصادي وتدني الأجور وفقدان الخدمات الاجتماعية والصحية الأساسية وحصر التعليم بفئات اجتماعية معينة مع ما رافق ذلك من قمع وتبعية للمستعمر وأدواته لتحقيق مصالحه وسلب شعوب المنطقة حريتها وثرواتها، برزت ضرورة التحرك العملي الذي تجسد بقيام "حزب الشعب" .

 تكونت النواة الأولى للحزب من عدد من النقابيين والمثقفين الثوريين وأعضاء التجمعات الثورية الذين منحوا هذا الإطار بعده الطبقي والتحرري. فكان  24 تشرين الأول/أكتوبر 1924 تاريخ ميلاد "حزب الضرورة"، حزب التحرر وتحقيق العدالة والوسيلة السياسية الأولى لتأصيل الصراع وتوجيه بوصلة النضال نحو التحرر والاشتراكية وتوحيد الجهود في مواجهة الاستعمار وتحصيل الحقوق.

ومع تواتر الأزمات ونشوء حركات التحرر والمقاومة في وجه المستعمر، أدى الحزب دوراً أساسياً في دعم هذه الحركات وتأييدها، بما في ذلك دعم الثورة السورية  الكبرى عام 1925 ضد الاستعمار الفرنسي. ومع توسع حجم الحزب وتفاقم دوره السياسي والنضالي تم تغيير اسمه إلى الحزب الشيوعي عام 1927 كشرط لإنضمامه الى الأممية الثالثة (الكومنترن) . لعب الحزب دوراً أساسياً في توجيه بوصلة الصراع لمواجهة المستعمر وتحقيق الاستقلال حيث كان للأمين العام الرفيق "فرج الله الحلو" دور محوري في التفاوض مع حكومة الاستعمار الفرنسي وتحقيق الاستقلال عام 1943. ومع تحقيق الاستقلال سعى الحزب لتوحيد صفوف العمال من أجل تحصيل حقوقهم فكان له دور في إقرار قانون العمل وتحصيل الضمان الاجتماعي. كما كان له دور أساسي في قيام الجامعة الوطنية وتعزيز التعليم الرسمي ليكون متاحاً لجميع الفئات، حيث كان الرفيق "فرج الله حنين" شهيد تأسيس الجامعة الوطنية. كذلك كان للحزب دور بارز في تفعيل وتعزيز دور المرأة السياسي والاجتماعي والنقابي وتحصيل حقوقها، وارتقى في صفوفه العديد من المناضلات في مختلف الميادين النضالية منهن الرفيقة "وردة بطرس" . أما في مجال القضايا القومية والأممية فقد أدى الحزب دوراً بارزاً في دعم حركات التحرر في المنطقة والعالم حيث شارك الشيوعيون اللبنانيون في الحرب الإسبانية عام 1937 ضد فاشية فرانكو. وكان لهم دور في التصدي للمشاريع الاستعمارية في منطقتنا ومواجهة المشروع الصهيوني منذ الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 حتى نكبة 1948، حيث اتخذ الحزب موقفاً واضحاً برفض التقسيم والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في وجه الاستعمار. وفي خمسينيات القرن الماضي وقف الحزب في وجه المؤامرات والأحلاف التي سعت لسحق ابناء منطقتنا واحتلال الأراضي واستغلال الموارد، فكان له دور أساسي في ثورة 1958 والتي عرفت بالثورة ضد الرئيس "كميل شمعون" وحلف بغداد . ساهمت هذه الأحداث في تعاظم دور الحزب وفعاليته السياسية والميدانية فكان من أوائل المدافعين عن المقاومة الفلسطينية وقام بتأسيس أولى تشكيلاته العسكرية تحت مسمى الحرس الشعبي للدفاع عن القرى الجنوبية من الإعتداءات الصهيونية وتثبيت الأهالي في قراهم الحدودية. وتشكلت لاحقاً قوات الأنصار التي ضمت أحزاباً شيوعية عربية للدفاع عن جنوب لبنان والمقاومة من أجل تحرير فلسطين. كما كان للحزب دور أساسي في الدفاع عن وحدة البلاد في وجه المشاريع التقسيمية ومواجهة القوى الرجعية ضمن صفوف الحركة الوطنية اللبنانية ابان مشاركته في ما يعرف بالحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 دفاعًا عن وحدة لبنان وسعيًا لتغيير النظام السياسي صنيعة الاستعمار وأدواته .

مع تعقد المشهد الإقليمي عام 1982 ووقوع العاصمة بيروت تحت الاحتلال، تكاتف الشيوعيون والوطنيون لإطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي ساهمت في دحر الاحتلال وتحقيق التحرير عام 2000. بعد التحرير عاد الحزب لينخرط في العمل السياسي والنضالي للدفاع عن حقوق العمال والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية عبر مختلف السبل النضالية بما في ذلك العمل النقابي. وكان له دور في المطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب لجميع الموظفين والعاملين، وما تلاها من تحركات مطلبية ومظاهرات سياسية، وصولاً إلى انتفاضة 2019 التي طالبت بإسقاط حكم المصارف وتغيير النظام الطائفي الريعي التابع.

 

 أما اليوم وفي ظل كل التطورات الإقليمية والعالمية، وبمناسبة الذكرى الأولى ما بعد المئة لتأسيس حزب الضرورة الذي كان الوسيلة الأنجع في التصدي للمحتلين والمستعمرين وفي قيادة حركة التحرر ودعم التحرريين، والذي ساهم في تحصيل حقوق العمال والمسحوقين، فإنه يتوجب علينا أن ننهض بفعلنا النضالي ونتشبث بعملنا التنظيمي ونتمايز في خطابنا وفعلنا من أجل تحرير بلادنا من كل أشكال الاستغلال والاحتلال ولتحقيق واجبنا تجاه الأجيال القادمة في ظل تصاعد التوحش الإمبريالي في عالمنا اليوم الذي يضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما: "إما الاشتراكية أو البربرية ".لذا فأننا ندعو كل من يؤمن بعدالة قضية التحرر، وكل طامح إلى عالمٍ تتساوى فيه الحقوق، وكل من يرفض الظلم والتبعية، إلى التنظم والتعاون في مختلف جبهات النضال المشترك، لنواصل معًا حلقات هذا المسار الطويل، ونحول أحلام الأجيال القادمة في عالمٍ عادلٍ تتحطم فيه قيود الاستغلال، الى واقعٍ ملموس. فليس أمامنا، في خضم هذا الصراع التاريخي، سوى خيار النضال الجماعي المنظم لتحقيق الإشتراكية كمقدمةٍ للتحرر الشامل للإنسان والأرض."

 

"تعالوا الى الحزب نحن لا نعدكم بإمتيازات بل بعمل دؤوب وشاق"

فلاديمير لينين 

 

"محمد كنج"