كان الصّوت الصاخب في وجه الاحتلال، ولم يعبُر دون أن يترك بصماته في تاريخ لبنان، ليرفع دائمًا قبضة العمّال والفلاحين تحت راية العدالة الاجتماعيّة والمساواة.
لم تكن نواة الحزب تقليديّة، إنّما عبرت أشواطًا في البحث الواعي عن العدالة الاجتماعيّة وصياغة الطبقة العاملة كطبقةٍ حرّة، قادرة، حالمة…
لم يُنكّس راية المهمَّشين كأبناء وطنٍ يُرفَع فيه صوت الفقير فوق أصوات أطباق الأغنياء، وكان في طليعة النضال من أجل الاستقلال الوطنيّ في وجه الانتداب الفرنسيّ.
لا شكّ أنّ للحزب محطّاتٍ نضاليّة طويلة، وأوراقًا لا تُطوى من المناداة بحريّة الشعوب المضطهَدة، غير أنّه لا حوار يدور عن المقاومة إلّا واتّخذ الحزب الشيوعيّ فيه أبهى الصّفحات التي مرّت في التاريخ، وأقدس تجسيدٍ للإنسانيّة والوطنية.
فمنذ الاجتياح الإسرائيليّ للبنان عام 1982، خاض الحزب الصفوف الأولى للمواجهة. وفي ظلّ الانقسامات التي عاشتها البلاد، أُعلِنَت رصاصة الصمود في وجه الكيان عبر جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة – جمول، حيث كانت صرخةً من رحم الوجود لمجابهة اللّاوجود، أي الكيان الصهيونيّ.
قدّم هذا الحزب قوافل من الشهداء، راوين أرض الجنوب وبيروت، إيمانًا منه بأنّ الدفاع عن الأرض هو أسمى أشكال النضال الطبقيّ والوطنيّ.
من ساحات المقاومة إلى ميادين العمل والنقابات، ظلّ الحزب صوت العمّال والفلاحين وضمير الشعوب الحيّة.
ساهم في بناء الوعي الطبقيّ والاجتماعيّ، ودافع عن حقوق الطلاب والمعلّمين والعمّال، كما أنّه جمع في منابره الصوت الماركسيّ، وكان قائدًا للنهضة الثقافيّة في لبنان والعالم العربيّ، حيث أضاء الفكر الوطنيّ بأسماءٍ تخطّت حدود الأدب والفكر: فرج الله الحلو، مهدي عامل، حسين مروّة…
اليوم، وبعد مرور قرنٍ ونيّف، لا يزال هذا الحزب العظيم الفكر ثابتًا على مبادئه وتوجّهاته الداخليّة والخارجيّة، مؤمنًا بأنّ الشعوب الحرّة تبني نماذج من أوطانٍ رائدة في فلك العدالة والصمود.
بقي إلى اليوم يناضل من أجل وطنٍ علمانيّ، وشعبٍ حرّ، وإنسانٍ للإنسانيّة هُنا.
اليوم، وأمام هذه الذكرى، يمكن القول إنّ محطّات التاريخ سجّلت أسمى ما طالب به هذا الحزب من نضالٍ ومساواةٍ وعدالة.
ليست الذكرى حديثًا عن ماضٍ مشرّفٍ فحسب، بل دعوةٌ للمضيّ قُدمًا نحو مستقبلٍ تكون فيه مصلحة الشعب فوق كلّ اعتبار.
هي مناسبة نابضة بتضحيات الحزب الذي كان – ولا يزال – أمينًا على قضايا الوطن.
101 سنة من النضال، 101 سنة من الفكر الأصيل الذي يؤمن بأنّ الأوطان لا تقوم إلّا بنزع الطائفية وإسقاط الأنظمة التي دمّرت مقدّرات البلاد، وبأنّ الحرّية لا تُمنح بل تُنتزع بنضال الشعوب.
وأنّ لبنان الذي نحلم به لا يمكن أن يُبنى على أساس الطائفية والفساد.
هنا ينطق الحزب الشيوعيّ كما دائمًا:
عهداً لكلّ مناضلٍ رحل،
ويقينًا بفكر جورج حاوي،
أن نبقى كما كنّا دائمًا:
صوت المنفيّين في هذا الوطن،
صوت من لا صوت لهم،
وضمير الشعوب المناضلة حين يصمت الجميع
"سينتيا حوري"