تحية في أول أيار إلى : الطبقة العاملة اللبنانية والعالمية *


ترتفع اليوم راياتُ أولِ أيار في رحابِ الأرضِ كانبثاقِ الربيعِ من أعماقها، شامخةً دون استعلاء، حافظةً عهدَها للتاريخ بأنها الأمانةُ أبداً لإرادةِ التاريخ: إرادةِ التطورِ والتقدم، إرادةِ الخصبِ والعطاء، إرادةِ المسيرةِ الثوريةِ الدؤوبِ في طليعةِ القافلةِ البشريةِ الأرقى فالأرقى، والأنبلِ فالأنبل من حضارة الإنسان.

ترتفع اليوم راياتُ أولِ أيار معلنةً، من جديد، مع دورةِ الحياةِ الوَلود، أنّ الطبقةَ العاملةَ هنا وهناك، على مدى هذا الكوكبِ كلِّه، باقيةٌ في مكانها من القافلةِ الكبرى، راسخةُ الأقدامِ في مسيرتها التاريخية، ثابتةُ العزائمِ في معركةِ الإنسان من أجل السلام والحرية.
×××
ترتفع اليوم راياتُ أول أيار، وفي رأسِ الجانبِ الغربيّ من المحيط الأطلسي، في واشنطن، رؤوسٌ حاميةٌ تشتعل في تلافيفها، أكثرَ فأكثر، مطامعُ السيطرةِ على مصائرالشعوبِ وهواجس الاستمرارِفي نهبِ خيراتها الطبيعية وفي امتصاصِ قدراتها البشرية.
هذه الرؤوسُ الحاميةُ كلما رأتْ زَحْفَ الثورةِ الشاملةِ بمختلفِ فصائلها المباشرة، تتقدّمُ وتتقدّم بثبات، أخَذَتْها موجةٌ جديدة من الذعر، فإذا هي تزداد إصراراً على الوقوفِ بوجه الزحفِ الثوريِّ العالمي، وإذا هي تزداد ضراوةً في الدفاع عن مواقعها القديمة، وفي الاندفاعِ لاحتلال مواقعَ لها جديدة، رغبةً في انتهاز الفرصةِ الباقيةِ من الزمنِ أمامها، مرتميةً بنفسها وبالقوى التي تسيطرُ عليها قسراً في مهالكِ الانتحار، لا تبالي مهالكَ الانتحار...
وهذه راياتُ أولِ أيار، إذ ترتفع اليوم -وخضمّ المعركةِ يضطرب اضطرابَه في أميركا الشمالية نفسها وفي أميركا اللاتينية والعالم الأفروأسيوي بأسره ويقذف بهيَجانه إلى مرابعِ فلسطينَ المُعتَدى عليها- إنما ترتفع هذه الآيات، في يومنا هذا، بالذات، مُنذرةً أصحابَ تلك الرؤوس ِ الحاميةِ في واشنطن ومَنْ يأكل من معاجنِهم أو يكترشُ بفتاتِ موائدِهم، هنا وهناك وفي العالم العربي بخاصة، وفي لبنان بالأخصّ مُنذرةً هؤلاء جميعاً أن الطبقةَ العاملةَ -العالمية ومنها الطبقةَ العاملةَ العربيةَ واللبنانية، مع حلفائها الطبيعيين جميعاً في كل شعب- ماضيةٌ في مسيرتها المجيدة، على رأس هذا الزحفِ الثوريِّ الكبيرِ الشامل، وإنها لن تُخْليَ أبداً مكانَها في مركز عصرنا هذا، ولا في مركز التاريخِ البشري على مداهُ الطويل، ولن تنكّسَ أبداً رايتَها العظمى وإنْ طال المدى... ولكنّ المدى لن يكونَ طويلاً بقَدَرِ ما تزيّن لهم امانيهم الخادعة…
×××
وفي قلب المعركة العالمية ذاتِها، في خضمِّها المزيدِ المضطربِ هذا، تتحرك المعركةُ التحرريةُ التقدمية جبهة عريضة من جَبَهاتها، وتتحرّك فيها الطبقةُ العاملةُ العربية واللبنانية، والطبقاتُ الحليفةُ لها، قابضةً بسواعدها القويةِ على راياتِ أول أيار، لا لتحرسَها وتَحْميَ نقاوةَ رسالتِها التاريخيةِ الثوريةِ وحسب، ولا لترسيَ عظمَ مسؤوليتِها في أرض المعركةِ وحسب، بل لتنطلقَ -كذلك- بهذه الراياتِ في بلادنا، انطلاقتَها الموحَدة، في طريقِ الكفاحِ الصامد الصاعد الثابت، لتحرّرَ شعبَنا من قيودِ التبعيّاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والثقافيةِ كلِّها، ولتشقّ له سبيلَ الخلاصِ الأخيرِ من عبوديّاتِ التخلّفِ الاجتماعي والاقتصادي والفكري... من تركةِ الاستعمار القديم، ومن مكائدِ الاستعمار القديم، ومن مكائدِ الاستعمار الجديد وأتباعِه وعملائه، احتكاريين وإقطاعيين وحكّاماً ومرتزقةً وخائنين .
×××
إنّ راياتِ أولّ أيار، لترتفع اليومَ في أرضنا العربية، وأرضِ لبنانَ بخاصة، فوق غيوم الخامس من حزيران، كاشفةً ظلامَها الثقيل عن سمائنا، خافقةً بضياءِ الأمل يفتحُ لأعينِنا ووعيِنا مسالكَ الرؤيةِ إلى بعيد... رؤيةِ الطبقة العاملة موحِّدةً حركتَها النقابية، حاشِدةً صفوفَها جمعاء، مشتبكةً سواعدها بسواعد حلفائها والقوى الوطنية والتقدمية كلِّها، سائرةً في الطليعة على طريقِ الديمقراطيةِ الحقّ، ديمقراطيةِ الجماهير الشعبيةِ العربية، تمهيداً لإزالة آثار العدوان، ثم بلوغ ِالهدف الثوري الأكبر: الاشتراكية .
×××
عيدُ أول أيار ، عيدُ الأملِ العظيم، أملِ الإنسانِ بحضارتِه العليا .. عيدُ الفداءِ الأنبل في سبيلِ أنْ يصبحَ الأملُ حقيقةً، عظيمةً كالإنسان، مضيئةً كالشمس.
إلى الذين خلقوه عيداً بدمائهم، وإلى السواعد العمّالية التي ينبع من عَرَقِها بهاؤه وخيرُه... إلى الطبقة العاملة العالمية، والعربية، واللبنانية، تحيةَ ولاءٍ ورجاءٍ وكفاح...


*عنوان مقالة للشهيد المفكر حسين مروة في جريدة "النداء" بتاريخ 1/5/1968

  • العدد رقم: 355
`


حسين مروة