عاش أول أيار رمز نضال العمال للتحرر والتغيير

الأول من أيار هو عيد جميع العمال في لبنان والعالم على اختلاف أديانهم وطوائفهم وألوانهم.
تكمن أهميته أيضًا في الطابع النضالي لطبقة اجتماعية تُنتج الحاجات المادية للمجتمع، من غذاء وكساء وصناعة وزراعة وبناء وحرف... إلخ، والأهم هو أن الطبقة المنسجمة المصالح، تكتسب في نضالها لتحسين شروط عملها ومعيشتها وعيًا يعكس واقعها الاجتماعي، وبالتالي دورها التاريخي الذي يُختصر بأنها في نضالها لتحرير نفسها من الظلم الاجتماعي تحرر معها المجتمع بأسره. والمعروف أن العمال وذوي العمل المأجور، لا تعيش الرأسمالية بدونهم وبدون استغلالهم.

فوجودهم يتلازم مع وجودها ويشكلون نقيضها. كما أن الإمبريالية، وهي المرحلة العليا للرأسمالية، يتلازم معها شدة استغلال عمالها وشعبها داخليًا، واضطهاد الشعوب لنهب ثرواتها خارجيًا.
وإن التطور المتفاوت للدول الرأسمالية، خصوصًا في مرحلة الإمبريالية، يشدّد التنافس والصراع بين دولها وغيرها للسيطرة على ثروات البلدان الأخرى وأسواقها واستخدام العنف والحروب لأجل ذلك. وقد كانت الحرب العالمية الأولى والثانية في القرن الماضي وحجم الدمار الهائل وحوالي 70 مليون من الضحايا خلالهما، مثالًا وشاهدًا على ذلك.
وإن عدوانية وشراسة الإمبريالية اليوم، في أعلى هرم الرأسمالية، المتمثل بسلطة الولايات المتحدة، قد عبر عنها بوضوح الرئيس دونالد ترامب بقوله مؤخرًا: إن عصر الأخلاق انتهى، وإننا في عصر المصالح والربح، ولم تعد الحاجة إلى التلطّي بالديمقراطية كما قبلاً، ولا أكترث بموت عشرات ملايين الناس، وهذا ما تمارسه الدولة الإمبريالية الكبرى في عالم اليوم، وبخاصة في دعمها المفتوح لحروب العدو الإسرائيلي، لإبادة أطفال وأهل غزة وفلسطين، وجنوب لبنان وسوريا... إلخ.
هذا الوضع الذي تتكشف فيه وحشية الإمبريالية واستغلالها الشعوب الأخرى هو ما شكّل أساسًا للشعار التاريخي والثوري: "يا عمال العالم وأيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا"، والذي وضعه قائد ثورة أكتوبر الاشتراكية أوائل القرن العشرين فلاديمير لينين، الذي يحتفل ملايين الناس اليوم بولادته في 22 نيسان 1870، ولا يزال هذا الشعار على راهنيته، وهو يعكس الترابط الموضوعي والنضالي القائم على المصالح المشتركة في التحرر من وحشية العدو الإمبريالي المشترك.
إن بروز طبيعة الرأسمالية المتوحشة يجعل وعي العمال والشعوب أكثر سهولة وانتشارًا، ويبرز معه أهمية وجود حزب سياسي أو جبهة تعتمد نهجًا فكريًا وسياسيًا وبرنامجًا يعكس مصالح العمال وحلفائهم من الفئات الاجتماعية، ويعمل لتوحيد صفوفهم وتحركهم النضالي سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي. ويشكل الوعي وتناميه دورًا أساسيًا لمعرفة أسباب الأزمات والظلم الاجتماعي، إن الاستياء وحده لا يكفي. والفقر وحده لا يصنع ثورة بل وعي الفقر هو الذي يصنعها. هذا ما تكافحه طبقة الرأسماليين وتستخدم سلطتها وما تمتلكه في مجالات الإعلام ووسائل الاتصال لتشويه الوعي. وهي تستأجر كَتَبَة و"منظرين" لتصوير الواقع والحدث ليس كما هو بل بصورة تخدم مصالح الطبقة المستغلة وسلطتها. وكثيرًا ما ينسبون المساوئ في حياة الطبقات الشعبية، إما للحظ العاثر أو لإرادة خارجية إلهية ليطمسوا مصدر هذه المساوئ والخلل الكامن في صلب نظامهم الاقتصادي الاجتماعي.
هذا عدا أساليب القمع وافتعال صراعات تقسم صفوف العمال والشعب والتدخل السلطوي في الهيئات النقابية لفرض قيادات مطواعة للسلطة وبعيدة عن مصالح الجماهير العمالية والشعبية.
لقد ولد عيد الأول من أيار في خضم الصراع بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية وسلطتها. ففي مواجهة الاستغلال القاسي للعمال جرت تظاهرة عمالية ضخمة في شيكاغو عام 1886 تطالب بجعل يوم العمل 8 ساعات. لكن السلطة لجأت إلى دسّ عناصر من جهازها الأمني في التظاهرة، وإلقاء قنبلة على القوى الأمنية لتكون ذريعة لارتكاب مجزرة ضخمة للعمال، وهذا ما جرى، لكن لاحقًا كشف أحد القضاة الشرفاء حقيقة جريمة السلطة وتبرئة العمال. وعلى إثر ذلك، دعت الأممية العمالية الثانية بقيادة فريدريك إنجلز إلى اجتماع عُقد في باريس عام 1889 وقرروا اعتبار الأول من أيار عيدًا لعمال العالم، وأن تكون التظاهرات العمالية في جميع البلدان تحت شعار يوم العمل 8 ساعات. ومنذ ذلك التاريخ أصبح هذا العيد مناسبة لتكريم شهداء الطبقة العاملة، ورمز نضال العمال ووحدتهم لتحسين ظروف عملهم ومعيشتهم وضد الظلم الاجتماعي.
أما في لبنان، فقد جرى أول احتفال في هذا اليوم عام 1907 في محلة الروشة بيروت، كما جاء بالتواتر أيضًا أن احتفالًا جرى في الضبية - المتن في ذلك الوقت تقريبًا.
أما الاحتفال العلني الحاشد في أول أيار، فكان عام 1925 في سينما كريستال قرب ساحة الشهداء. وقد دعا إليه حزب الشعب اللبناني (الحزب الشيوعي اللبناني) وألقى مناضلون وصحافيون وسياسيون كلمات، نشرت الصحافة عنها. لكن في المراحل اللاحقة، استخدمت السلطة القمع والملاحقة لاعتقال المشتركين في تظاهرات ونشاطات هذا العيد. وكثيرًا ما كانت تقام سهرات وندوات في البيوت وأحيانًا في أحراج بعيدة عن السكن، وكان للشيوعيين في أنطلياس وعائلاتهم تجمعًا في العيد شرق فوار أنطلياس، فقام الدرك بالمداهمة وفض هذا التجمع، وكان تقرير الضابط: "نزهة ريفية غير مرخص بها"، وأصبحت عنوانًا لمسرحية أخرجها يعقوب الشدراوي وعُرضت في بيروت في الذكرى الـ60 لتأسيس الحزب الشيوعي عام 1984.
لقد جرى انتزاع الإقرار بأول أيار عيدًا رسميًا في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي. واتسعت الاحتفالات والنشاطات في هذا العيد بصورة طبيعية. لكن غير الطبيعي هو الحجم الكبير للتدهور المعيشي ولقيمة الأجور، للعمال ولكل العاملين بأجر، ومعه مصادرة البنوك لودائع الناس، والمعاناة المتصاعدة وفواتير الكهرباء والمولدات الكهربائية، وإلى مافيات الدواء والاستشفاء والمواد الغذائية وانتشار الفساد... إلخ. مما جعل لبنان يتميز بالفقر وقلة السعادة، وأصبح في أواخر اللائحة العالمية بالشأن المذكور، وكذلك بالحجم الكبير لهجرة الشباب، ولقد كانت انتفاضة 17 تشرين المليونية والعابرة للطوائف، تعبيرًا حقيقيًا عن إرادة التغيير...

تحية لعمال وكادحي لبنان ولشهداء النضال الاجتماعي والوطني

تحية لعمال غزة وفلسطين والبلدان العربية والعالم

عاش الأول من أيار رمز وحدة ونضال الطبقة العاملة التي بتحررها يتحرر المجتمع.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 429
`


موريس نهرا