العيد الستين للحزب وَبَعْـــــــد.. فـــــــإلى الفَـــــــرح الأكبر
فإلى الفرحِ الأكبر يا شعبَنا، يا حزبَنا، يا شهداءَ شعبِنا وحزبِنا .. يا أبطالَ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية في ساحاتِ وطننا ..
أيّها الحاضر هنا رغم أنف الجلاّدين!
أيّها الحاضر هنا تباركَ هذا العرس - ولا أقول المأتم - عرس الشهادة والفداء، عرس الكرامة والإباء، عرس الوطنية الحصينة المنيعة الهادية سواء الطريق.
أيّها الحاضر هنا...
ها إنّك ترى الشعب -شعبك الذي أحببْتَ وفديْت- كيف يبادلُك الوفاء بالوفاء، كيف يحوم على جراحك يقبس منها شعلةَ الحقد المقدّس على الطغاة أعداءِ الكرامة البشرية ، وشعلة اليقين الثابت بأنّ النصرَ لا محالة لقوى التقدّم والسلم والديمقراطية، ديمقراطية الشعوب ، لا "ديمقراطية" السياط والإرهاب والإجرام والفاشيّة.
أيّها الحاضر هنا... ها إنك تسمع الزئير -زئير شعبك- يصكُّ جباه السفّاكين ، يلطم وجوه أشباهِ الرجال ولا رجال، يزلزلُ قلوبَ العمالقة – الأقزام.
ها إنّك تسمع الصوتَ -صوتَك الهادئ الجبار- يهزأ هنا في حناجر شعبك، كما هزِئَ هناك في جلال صمتك وروعة صمودك وفولاذ إرادتك وكبرياء جراحك... يهزأ هنا، كما هزِئَ هناك بأوهام "الجبابرة" الأدعياء الجبناء، إذ توهّموك أظافرَ يقتلعونها فلا تنبتُ مكانها سواعدُ ومخارزُ ورجولاتُ وبطولاتُ ملايين وملايين، وإذ توهّموك جسداً يمزّقونه قطعاً وأشلاءَ، فلا يتحوّلُ جنوداً وحشوداً وزحوفاً تسدّ عليهم الآفاق...
الصادق الدائب لاستقلال سوريا وحرياتها الديمقراطية ورفاهية شعبها وثقافته وعافيته وفرح أطفاله...
وها إنّك تسمع قلوبَ العرب الأحرار جميعاً، وأنت الحاضر في ديارها جميعاً، كما أنت الحاضر هنا وفي سوريا... تسمعها هادرةً في أسماع القتَلة المجرمين كذلك، قائلةً لهم: إنّ فرج الله الحلو يعني كرامة العرب، لا لأنّه العربي الطيّب الشريف النبيل وكفى، بل لأن فرج الله الحلو -فوق ذلك- معنىً كبير من معاني النضال العربي الصادق الدائب لتحرير كل بلد عربي.
أيّها الحاضر هنا...
ها إنّك ترى وتسمع هذا الشعب كلَّه -شعبك الطيّب الوفي- يعلنها صيحةً هادرةً في أسماع جلاّدي الحرية والديمقراطية، تقول لهم: إنّ فرج الله الحلو يعني كرامة لبنان، كرامة شعبه واستقلاله وسيادته.. لا لأن فرج الله الحلو ابن لبنان وكفى، بل لأنه معنىً كبير من معاني النضال الوطني الصادق الدائب لاستقلال لبنان، ولصيانة هذا الاستقلال وتطويره حتى تكون ثمراته كلُّها لجماهير الشعب، لرفاهيتها وثقافتها وعافيتها وفرح أطفالها...
وها أنت تسمع قلب سوريا، وأنت الحاضر هناك، كما أنت الحاضر هنا.. تسمعه يجلجل في ظلام الأسر وفي قفص الاستعمار الأسود، هادراً بمثل صيحة لبنان يقول للجلاّدين أيضاً : إنّ فرج الله الحلو يعني كرامة سوريا، لا لأنه سُجِن وعُذِّب ونزف دمه في أرضها الحرة الأبية وكفى، بل لأن فرج الله الحلو كذلك معنى كبير من معاني النضال للشعوب العربية جمعاء من كل العبوديات الاستعمارية والفاشستية والرجعية...
ولا أزيدُك علماً ، أيّها القائد المعلّم، أنّ شعب لبنان، وشعبَ سوريا، وشعوب العرب كلّها تزداد كلّ يوم يقيناً بأن معناك النضالي الكبير هذا، إنما هو مشتقٌّ من معناك الأممي العظيم، من معدنك الأصيل المُصفّى، هذا المعدن الذي تنصهر فيه الوطنية والأممية جوهراً واحداً لا أصلب منه ولا أصفى ولا أنبل، جوهراً لا يلتاث بأدناس المغريات أو الشهوات، ولا يلين لمطارق الإرهاب ولا لسياط العذاب ولا لمقاصل الجلاّدين...
وبعد، فعهدُنا إليك أيها البطل، أن نكونَ لشعبنا في لبنان، لشعبنا العربي كله، ولمعدننا الفكريّ الوضيء، ولجوهرنا الصلب -أن نكونَ أبطالَ نضالٍ صامدين أبداً إلى الهدف لا نَحيد، كما علّمتنا أنت، وكما علّمنا رفاقك القادة الأمناء الأبطال...
وسلام عليك قائداً ومعلّماً وشهيداً خالداً إلى الأبد.
******
* خطاب ألقاه الشهيد المفكر حسين مروة في ذكرى اغتيال القائد الوطني فرج الله الحلو (في 25 حزيران 1959)، ونشرته جريدة "الأخبار" في 11 حزيران 1961.
فإلى الفرحِ الأكبر يا شعبَنا، يا حزبَنا، يا شهداءَ شعبِنا وحزبِنا .. يا أبطالَ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية في ساحاتِ وطننا ..
ليست ذكرى إستشهاد القائدين فرج الله الحلو وجورج حاوي مناسبة عابرة، بل إنها دافعٌ للإضاءة على رؤيتهما ودورهما القيادي، وعلى قيم النضال والتضحية في سبيل قضية شعبنا ووطننا. ولا يمكن الإيفاء بدور واحد منهما في مقالةٍ واحدة، فكيف بقائدين من هذا العيار. فقد شغل كلٌّ منهما مكانة مميزة في حياة الحزب، وفي الحياة السياسية العامة في لبنان ومحيطه. واندمج تاريخهما في مسيرة الحزب المستمرة ضد نظام الاستغلال الرأسمالي وجوهره الطبقي وطابعه الطائفي، الذي غرس الأجنبي في بنيته السياسية والاقتصادية، بذوراً تُنبت إنقسامات وتحاصصات وتبعية، فتضعف مناعة لبنان الداخلية، وتجعله مكبّلاً بشباك الطائفية ومنظومة الفساد، ومفتوحاً على التدخّلات الخارجية، وعلى الهزات والحروب الأهلية والإنهيار الذي يتخبّط فيه بلدنا اليوم.