العيد الستين للحزب وَبَعْـــــــد.. فـــــــإلى الفَـــــــرح الأكبر

فإلى الفرحِ الأكبر يا شعبَنا، يا حزبَنا، يا شهداءَ شعبِنا وحزبِنا .. يا أبطالَ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية في ساحاتِ وطننا ..

هل انتهئ موسمُ الفَرَح بانتهاءِ احتفالاتِ العيدِ الستين ؟..
الفَرَحُ العظيمُ لا ينتهي .. الفرحُ العظيم ليس له موسمٌ زمنيّ، أيْ ليستْ له حدودٌ موسمية تتّصلُ بالزمنِ هنا، وتنقطعُ عن الزمنِ هناك ..
الفرحُ العظيم ، كالحبِّ العظيم، هو الحياة، هو قوّةُ الحياة، هو جمالُ الحياة، هو خصوبةُ الحياة ..
الفرَحُ العظيم ، كالحقدِ العظيم، هو الإنسان، هو كبرياءُ الإنسان، هو جسارةُ التّحدي في الإنسان، هو جَلالُ العنفوانِ في مقاومةِ الإنسان ..
الفرحُ العظيم كالحزنِ العظيم، هو الوجود، هو الالتصاقُ الحميم بالوجود، هو العمقُ العميق المضيء للوجود، هو اليقظةُ القصوى أمام أقوى احتمالاتِ الوجودِ رهبةً وخطراً ..
الفرحُ العظيم، كالأملِ العظيم،هو الشجرُ والمطر، هو القمحُ والضوءُ والنُضج، هو الهواءُ والبحرُ والشِراع ..
***
فرحُ العيدِ الستّين لا ينتهي بانتهاءِ احتفالاتِ العيد، لأنه لم يبدأْ معها .. لأنه كالحبِ العظيم، كالحقد العظيم، كالحزنِ العظيم، كالأملِ العظيم .. هو ـ إذن ـ لا موسمَ زمنياً له، هو ـ إذن ـ ليس سحابةَ صيفٍ أو خريف يبدأُ كما السحابة وينتهي كما تنتهي ..
فرحُ العيدِ الستين لا ينتهي، لأنه لم يبدأْ مع العيد .. بدأ منذ ستينَ عاماً، وسيبقى بعد الستين .. بدأ ليبقى، ولا بدَّ أن يبقى ما دام له وطنٌ وأرض، وما دام لوطنه وأرضِه شعب، وما دام للشعبِ صانعو فرَحه، أي صانعو تاريخِه، أي صانعو خبزِه وفنّهِ وأدبِه وثقافتِه الوطنية، أي صانعو أسبابِ تطوّرِه وتقدّمِه، أي صانعو سعادتِه ..
***
فرحُ العيد الستين هو فرَحُ الشعب، شعبِنا المقاتل .. هو عصارةُ كلِّ سنواتِ الحزنِ والوجعِ والحرمانِ والجَلْد، والمقاومةِ الجَسور، والتّحدّي الشامخ، وكبرياءِ الوطنيةِ الصاعدةِ من عُمقِ الجذور حتى أعلى أهدافِ الطموحِ الوطني، الحرية، الديمقراطية، الاشتراكية ..
فرحُ العيدِ الستين، هو شكلُ الانفجارِ العظيم الذي كان لا بد أنْ يكون .. هو شكلُ اللهفةِ المكبوتةِ في شعبنا انفجرَتْ فرَحاً عارماً اجتاحَ، في لحظةٍ واحدة، كلَّ الأحزانِ والأوجاع .. هو شكلُ الجِراحِ النّازِفةِ في جسَدِ شعبِنا انغَسَلَتْ بالفَرَحِ العارِم، فتشكّلَتْ في لحظةٍ واحدة جُموعاً زاخرة عاشت العيدَ الستين عشرةَ أيامٍ بسجيّتها الصافية، بثوريّتها العفَويةِ النقيّة ..
فرحُ العيدِ الستين هو شكلُ التّفتّحِ العظيم الذي كان لا بدَّ أنْ يكون .. هو شكلُ التّفتُّحِ الثوريّ لزهرةِ الفنِّ المقاومِ في أرضِنا الطيّبة وفي عصرِجبهةِ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية .. هو شكلُ الثورةِ ارتعشّتْ بها فنونُ الوطن، مسرحاً وغناءً وموسيقى ورسماً ورقصاً وكلمة .. هو شكلُ الثورةِ ارتعشتْ بها كلُّ الأبعادِ الديمقراطيةِ لفنونِ الوطن، كلِّ الأصولِ الشعبيةِ العميقة لفنونِ الوطن ..
فرَحُ العيدِ الستين هو شكلُ التلاقي العظيم الذي كان لا بد أن يكون .. هو شكلُ التفاعُلِ الخصيب، شكلُ التلاحقِ البهيج بين عناصرِالمثلّث/الفني المتكاملِ موضوعياً وفعلياً، الفن الوطني اللبناني، (يعقوب، وزياد، ومارسيل)، والفن القومي العربي ( فرقة أميّة، شيخ إمام)، والفن الأممي ( فرقة "روستاف" السوفياتية ) .
***
انتهتْ احتفالاتُ الستين لحزبنا الشيوعي اللبناني، ولم ينتهِ الفرَح .. لكنْ انتهى فرحُ المحطة الزمنية لتنفتحَ لنا الطريقُ واضحةً ساطعة إلى الفرحِ الأكبر، إلى الأُفُقِ المشمس حيثُ تنبعُ كلُّ الشموس ..
فرحُ العيد الستين لحزبنا الشيوعي اللبناني، محطةٌ كبيرة، استراحةٌ كبيرة، على الطريق نحو النبع الأعظم للفرح، نحو النصر الأكبر، نحو التحريرِ والتغيير، تحريرِ الوطنِ كلّياً، وتغييرِ شروطِ حياةِ الشعبِ نوعياً وجذرياً ..
الفرحُ على هذا الطريق وجعٌ وحزنٌ وتعب، ومِن هنا الفرَح .. الوجعُ، والحزنُ والتعَب على هذا الطريقِ كفاح ـ والكفاحُ بذاته هو الفرَح .. كلُّ خطوةٍ على هذا الطريق ولادةُ فرَحٍ جديد .. كلُّ جرحٍ على هذا الطريق، نافذةٌ جديدة لضياءِ الشمس البعيدة ينسكبُ فرحاً في الأعماق .. كلُّ حبّةِ عرَق مِن عناءِ هذا الطريق نجمةٌ جديدة تُزهرُ بشارةً بالاقترابِ منَ النبعِ الأعظم ..
فرحُ العيد الستين، كان الخطوةَ الستين نحو الفرحِ الأكبر ..
.. فإلى الفرحِ الأكبر يا شعبَنا، يا حزبَنا، يا شهداءَ شعبِنا وحزبِنا .. يا أبطالَ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية في ساحاتِ وطننا ..
.. وإلى اللقاء معَ الفرحِ الأكبر أيها الفنّانون المبدِعون الذين صنعتم لنا العيدَ فنّاً مدجَّجاً بالفرحِ المقاوِم ..

* حسين مروة
كُتبَت هذه المقالة في جريدة "النداء" ، بتاريخ 1/11/1984 ، بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني

  • العدد رقم: 409
`


حسين مروة