ربّما، أختلقُ وهماً بين مجتمعين، لكنهما واقعان يؤرّخان لمزاجين وعلاقات متنوّعة مختلفة. والوجه الساخر الشعبوي، مادة حياتية رائعة ورائدة، هي التعبير الفكاهي المفرط السخرية عن الأوضاع المزرية، وبالأخص عامل الاقتصاد، الذي حوله تستقيم أو تنفلت الغرائز الأساسية للحياة والاستمرار، والحارة بمجمل اجتماعها... تصقل الشخصية الجمعية لدرجة التعاون في كلِّ الظروف، وعلى كلّ المستويات، تستلهم دورَ "إبن المقفّع"... الذاهب في النُظُمِ الوظيفية بلسان عالم الحيوان لتجريفها وفضحها بأسلوبه الساخر، المجرّد من صفة الكائن الإسميّ، حيث تغلب الصفات العامة على الخاص.
إشكاليّة الذات، تمزجُ ما بين المفاهيم، بما يجعل الخوض فيها راهنيةً ذات ديمومةٍ لمواجهة التحدّيات. ولامتلاك عناصر الخروج على الواقع، ثمة مراحل غير منفصلة، يؤسَّسُ عليها الهدف الجامع ضدّ الاستبداد في الداخل والخارج. المعركة هنا طويلة، ذات مسارين متشابهين متشابكين، ولربّما تأخذ أكثر من مسار، التركيز يكون على درجة الوعي، العامل الأهم والوحيد الضروري المُلّح لامتلاك الأدوات، لتوحيد الأنماط، حيث الموروث والتجربة والهدف، كيف تتساوق هذه الصورة الثلاثية الأركان، إذا ما غلبتْ الصورة الساخطة، المتهكمة والمتهتّكة، الناقدة للذات، لدرجة سحبها عن مسارها الحياتي الحيوي. حين يقوم الأبُ، الأمُّ، المعلّم والمُعلّمة بإهانة وضرب "الأبناء"، هم يقترفون إثمَ تدمير الشخصية الأولى الطريّة للمجتمع، وتقديم النماذج كثيرة ومتاحة، لا حصرَ لها.
الذي يحدث في ما بعد، تقليدُ الخيال، فالمِخيال التبجيلي محصور في ذات صاحبه المُتلّقي، النافي لذاته، المُبَجِّل للآخر عبر عملية إخضاعية جرت أحداثها طوال سنيه السبع الأولى والثانية والثالثة، وعلامَ حصلَ المجتمع...!! حصلَ على تقليدٍ ضيريٍّ يعكس الخيالَ المُقَلَّد، وينفي الأصل المُقَلِّد. فالتربية والتوجيه والتعليم والتدبّر، لا تكون المعالجة بالترهيب والترغيب والاخضاع، وإلّا ما هو الفارق بين إرهاب الثلاثي... البيت والشارع والمدرسة، لبناتهم وأبنائهم، وبين إرهاب الدول - دولة كبرى ما، الكيان الغاصب الصهيوني، الأمثلة عديدة، الدول الاستبدادية الفاشية، ودلالات المقارنة موجودة، وبقوّة لدى مختلف عوالم كوكب الأرض.
والفرق شتّان، ما بين الذات الواثقة، المُشبعةِ القيم الإنسانية والمبادئ والثوابت، المُبدعة. وما بين الذات المنهزمة... !! وعبر نظرة شاملة، لِنُنْعِم النظرَ ونُمعِن، في صورة العدوّ الوجوديّ الصهيوني، في التعليم، في النشيد الوطني، في توجيه الأجيال وغرس عقولهم ونفوسهم بالحقد والكره، وبالأخص لنا، نحن أمة العرب، أيضاً في الدراسات، في الاختراع والاكتشاف، في مختلف المجالات. والعكس صحيح لدينا، نحن غارقون في التقليد، الخيالات، لا تخترع، لا تكتشف، لا تتطوّر، لا بل والأنكى، أنّنا كُتلٌ جمعية متنابذة، متنابزة، على دين ملوكها، وهو المعيار الجحيمي القاتل. كم نقرأ عبارة، ممنوع التقليد.