ويحافظ الدّكتور هيّاف على التراث الموسيقيّ المشرقيّ الأصيل، إنّما يحرص في الوقت عينه على تقديم نتاجٍ موسيقيٍّ معاصرٍ ومتجدّدٍ، وهو في هذا السياق قد أطلق في 29 تشرين الثاني الماضي ألبومه الموسيقيّ الجديد والثامن تحت عنوان "دمعة بيّاتيّ" وذلك بدعوة من "بيت الموسيقى" في جمعية النجدة الشعبيّة اللبنانيّة خلال مؤتمر صحافي بُثَّ على وسائل التواصل الاجتماعيّ.
• د. هيّاف، حدّثنا عن ماهيّة عنونة الألبوم بالدمعة؟ ولماذا اعتمدت مقام البيّاتيّ أحد المقامات السبعة الأساسيّة؟
الدمعة ظاهرة تعكس شعوراً إنسانيّاً صادقاً وعظيماً، ففي حالة الحزن الشديد، يستسلم الإنسان لضعفه، وتتدحرج دمعته حزناً على خدّه، كما أنّه في حالة فرحه الشّديد، يفقد قدرته على تمالك نفسه، فتنهمر دمعته أيضاً من جديد. بين هذين النّقيضين، أو هاتين الحالتين الإنسانيّتين الصّادقتين، التصقت عبارة "الدمعة" باسم هذا الإصدار، الّذي يتمحور حول مقام موسيقيّ واحد من المقامات الموسيقيّة السّبعة الأصيلة المعتمدة في مدرسة النّهضة وهو مقام البيّاتيّ، فخرجت التّسمية بشكلها النّهائيّ "دمعة بيّاتيّ".
• هل حقّاً أنّ الألبوم يخاطب النخبة؟
للحقيقة إنّ أيّ إصدار موسيقيّ متعلّق بالموسيقات الفنيّة الكلاسيكيّة، هو إصدار يحتاج إلى مستوى من الثقافة لدى من يسمعه لفهم مكنوناته ومدلولاته وما يرنو إليه؛ إلّا أنّ المستمع العاديّ يستطيع أيضاً أن يتمتّع ويشعر بخلجات هذه الموسيقى على طريقته الخاصّة، شريطة أن يمنح نفسه وقتاً فيه تركيز وإنصات للموسيقى دون أيّ تشتيت من هنا أو هناك.
• سبب اعتمادك موسيقى عصر النهضة وارتباط مؤلّفاتك بالمناخ الصوفيّ؟
موسيقى النّهضة هي تلك الموسيقى التي تحمل في طيّاتها هويّة ثقافيّة متنوّعة في هذا المشرق فاقت عمرها مئات السّنين، وهي تقليد موسيقيّ فنّيّ في حيّز كبير من الإبداع ويحتاج إلى ملكات موسيقيّة متقدّمة عند روّاده. أمّا في الحديث عن المناخ الصّوفيّ، فهو صورة عن الاهتمام الموسيقيّ العميق الّذي نعتمده والّذي يحتوي على أبعاد تتجاوز الإطار الدنيويّ الماديّ البسيط والفاني. هذا النّهج يسمح بتحقيق أعمق للمستوى الإنسانيّ فينا، ويسمح برؤية أمورنا الحياتيّة ومنها الثقافة والموسيقى من مناظير مختلفة ومتعدّدة، تطرق باب الإبداع والتّجدّد الدائمين.
• اختيارك لقصيدة الشاعر أحمد عبد الفتاح "راحلون"؟
"راحلون" هي قصيدة تختصر كيف كنّا نفكّر بشكل عام في "دمعة بيّاتيّ"، فهي تتكلّم عن فناء الإنسان على هذه الأرض ولو بعد حين، لذا تدعوه دوماً إلى ترك أثر طيّب. تشعرك "راحلون" أثناء قراءتها وأيضاً أثناء سماعها مغنّاة بصوت المطرب رهيف الحاج، بضعف الإنسان وانكساره إلى أبعد حدود، ولكنّ كلّ ذلك مؤقّت، فهناك ولادة من جديد، وهناك استمرار للحياة "الجميلة" دائماً، وخلاص الإنسان بمزاولته دين الحبّ ودين العشق. وتختم "راحلون" نصّها بنصيحة إنسانيّة على شاكلة حكمة تقول فيها:
"فَلْنَمُتْ بِالحُبِّ... وَلَا نَعِشْ بَعْضاً لِبَعْضٍ كَارِهِين".
• ماذا عن قصيدة "قل إنه الإنسان" المهداة لروح الدّكتور غسان الأشقر؟
لقد نُظمت هذه القصيدة بقلم الفنّان "نقولا عيسى" في إطار تأبين الدّكتور غسّان الأشقر، طبيب الفقراء ومؤسّس جمعيّة النّجدة الشعبيّة اللبنانيّة في عكّار. وللحقيقة الدمعة في هذه القصيدة كانت حزينة جدّاً، فقد كانت تعبيراً عن فراقٍ ملؤه الحزن والألم على رحيل قامة وطنيّة بحجم الدكتور الأشقر...
• كيف تحافظ على الاستمرارية بتمسك موسيقاك بالتراث العريق وربطها بالعصر؟
عادة من يكون مهتمّاً بالحيّز التّقليديّ الثقافيّ الموسيقيّ، يسهل اتّهامه وزجّه في خانة التكرار والتقوقع. وللحقيقة هذا حكم متسرّع وجائر.
نعم هناك من يتمسّك بالتّراث بشكله التكراريّ، فيكون إنتاجه الجديد مطابقاً مع القديم وترداداً له، دون أيّ إضافة أو أيّ تغيير يذكر، وفي هذه الحالة تصحّ وصف هذه الحالة بأنّها متحجرّة ومتقوقعة في ذاتها.
وأيضاً هناك من يدعو إلى الحداثة المفرطة، تتجسّد في التّخلّي شبه التّام عن هويّة ثقافيّة موسيقيّة مهمّة في هذا المشرق، عمرها مئات السّنين وأكثر.
أمّا ما ندعو له نحن اليوم، فهو الذهاب باتّجاه تجديد من الدّاخل، بمعنى المحافظة على القواعد الأساسيّة لهذه الموسيقى، وترك مساحة الإبداع مرهونة بالألحان الجديدة المنتجة. هذا سياق أصيل في مضمونه وعصريّ في شكله، يمكن أن يسمح لهذه الموسيقى الجميلة بأن تجد مساحة حقيقيّة لها بين أوساط الموسيقيّين والمستمعين على حدٍّ سواء.
يُذكر أن "دمعة بياتي" من أداء فرقة التراث الموسيقي العربي التي يقودها د. هياف ياسين ويعزف فيها على آلة السنطور، بالإضافة إلى مشاركة كلٍّ من الأساتذة: رهيف الحاج: غناء - كريستو العلماوي: عود وغناء - جورج الشيخ: ناي - ناجي العريضي: رق؛ ومن تسجيلات استديو "نبض الشمال"، منشورات "بيت الموسيقى" في جمعية النجدة الشعبية اللبنانية 2020. وهو متاح للاستماع والتّحميل بشكل سهل على المنصّات الإلكترونيّة الموسيقيّة المستخدمة عالميّاً.
هيّاف ياسين: سيرة ذاتيّة مختصرة.
1- دكتور في الموسيقى وعلم الموسيقى (الموسيقولوجيا)، أخصّائيّ في علوم التّربية الموسيقيّة.
2- رئيس قسم الموسيقى العربيّة في كليّة الموسيقى وعِلمها في الجامعة الأنطونيّة (لبنان).
3- مدير عام "بيت الموسيقى" في النّجدة الشّعبيّة اللّبنانيّة.
4- أستاذ محاضر في الجامعة اللّبنانيّة.
5- موسيقيّ، مؤلّف، ملحّن، وعازف، وله 8 إصدارات موسيقيّة ("غزل" 2008 - "عشق" 2011 - "بدنا نغنيّ" 2013 - "أنا والميجانا" 2014 - " يللّه نسمع" 2014 - "ليلة راست" 2015 - " ليلة حجاز كار" 2017 - و"دمعة بياتي" 2020).
6- فائز بالمسابقة الدّوليّة في التأليف الموسيقيّ العربيّ لعام 2019 الّتي ينظّمها المجمع العربيّ للموسيقى عن لحنه لموشّح "أخفي الهوى" شعر عمر بن الفارض.
7- صاحب لقب: شخصيّة "إبداع" للموسيقى عام 2016 (لبنان).
8- مخترع آلة "السّنطور" في شكليها المحترف والتّربويّ للأطفال.
9- صاحب كتاب "منهج في التّربية الموسيقيّة المشرقيّة المدرسيّة" بمشاركة د. بشرى بشعلاني.
10- قائد "فرقة التّراث الموسيقيّ العربيّ" (المختّصة بالتّقاليد الموسيقيّة المشرقيّة العربيّة).
11- مُعدّ ومقدّم برنامج "مئة عام من الموسيقى العربيّة" ــ إذاعة الشّرق 2013 (لبنان).
12- مشارك في مهرجانات محترفة ومرموقة، دوليّة وعربيّة ومحليّة.
13- صاحب مقالات علميّة عديدة منشورة في مجلّات مُحكّمة.
https://www.hayaf.com
https://www.youtube.com/Hayafyassine
https://www.facebook.com/hayafyassine.music
https://www.instagram.com/hayafyassine/channel
Tel & WhatsApp: 00961 3 77 44 69
Contact: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.