رحلة البحث عن أمل في مقبرة الأحلام..


أراقبُ بصمتٍ عيون من حولي، أنظر للملامح البائسة والوجوه الشاحبة، وأرى الكثير من الخيبة والإنكسار في أبسط تفاصيلهم. لا طاقة للجميع هنا على العطاء أو بذل جهد بسيط، لا رغبة لديهم بالكلام والتعبير عن الفوضى الكبرى التي تعمُّ في أعماقهم. النيران تحرقهم من الداخل، الألم يتغلغلُ في أجسادهم المنهكة وما من أحد يخمد القلوب المتوهّجة ويطمئنها.


أشهرٌ مضت ونحن نأمل أن تتحسّن الأوضاع السياسيّة والإقتصاديّة والصحيّة في البلد، أشهرٌ من إنهيار قيمة العُملة الوطنيّة أمام الدولار الأميريكي، أشهرٌ من الرهان والتعويل على الصمود الشعبي أمام فظاعة المشهد. إلا أنّ الخذلان كان سيّد المواقف، والرُعب تزعّم الساحات، حصل ما كنّا نخشاه وانهَرنا نحن مع الليرة والبلد، وخسرنا الحرب المعنويّة والنفسيّة التي شنّها النظام الكافر الذي يرعى الفساد ويهللُّ للطبقة الغنيّة ويباركُ ثرواتها بينما يصطفُّ الفقراء بالمئات أمام أبواب المحال التجاريّة بحثاً عن زيت وسكرّ وكيس طحين مدعوم. من المؤسف أن تصبح أهداف المواطن اللبنانيّ ومعاناته اليوميّة تأمين كسرة خبز وحياة تليق به وبعائلته، من المؤسف أن تضيع الأحلام وتُدفن تحت ركام النظام، أن ندفع نحن ثمن الإنهيار بينما هم يقيمون التسويات على حساب أحلامنا وطموحاتنا وآمالنا. ندركُ وبعمقٍ رهيب أنّ النظام ينهشُ أجسادنا، يفترسُ واقعنا وسعادتنا ويسلبُ منّا رغيف خبزنا وكلّ شيء لنا في هذه الدار. والأسوء من ذلك أنّ الأمور خرجت عن السيطرة وخابت آمال الجميع هنا، خسرنا الحلم والشغف حتّى أننا خسرنا أنفسنا، وضعنا أكثر وأكثر في متاهات هذا البلد وعلقنا في أنفاقه الحالكة ووصلنا للإنهيار الكبير؛ إقتصاديّاً، سياسيّاً، إجتماعيّاً، تربويّاً ونفسيّاً. طوابير أمام أبواب المستشفيات بحثاً عن أسرّة فارغة أو مكنة أوكسيجين، طوابير أمام المحال التجاريّة من أجل كيلوغرام من الأرز والحليب المدعوم، طوابير أمام الأفران، محطات المحروقات والصيدليات، طوابير في المطار بحثاً عن وطن بديل يحتضن الجراح، مستقبل جيل بأكمله إلى المجهول وقطاعٌ تعليميّ وتربويّ ينهار.
وسط هذه العبثيّة والدّمار الكبير، نلملم جراحنا وننهض لنبحث عن أمل بين حطام الوطن، آملين أن ينتهي البؤس هنا وتعود لنا الحياة. نعم، نفتقرُ وبشدّة للأمل لذا رحلة البحث عنه لن تنتهي. نعم، النفق حالك وسنحترق وننيره وننيرُ درب التائهين في هذه الأرض.
حيثُ وجدنا، حيث وُجد القمحُ والملحُ والجرحُ، وجد أملٌ في التغيير.
سنمضي سنمضي إلى ما نريد، وطن حرّ وشعب سعيد..