عالمْ مجهول... لغةٌ حياتية واحدة

هناك، في مدينةٍ ما، قومياتٌ لا حصرَ لها، وديانات ما بين سماوية... ووضعية، أيضاً لا حصرَ لها، جُلّها ويا للعجب اجتمعت في مكانٍ واحدٍ تحت رايةٍ واحدة، تحت ذات الشّمس والقمر في بلادنا ذات زمن.


أيضاً هناك أنفاسٌ مُتعَبة، كأنّما في دورةٍ تدريبيةٍ على تلك الحياةِ... هنا، في تلك البلاد البعيدة.
بلادٌ جديدة، كأنّها كوكبٌ قائمْ بذاته. بلادٌ تستقبل جميعَ الأعراق، نكتشف فيها قُبحَنا الوطنيَّ في بلادنا المُغرَقةِ التناقضات حتّى الإحتراب القاتل.


التاريخ، ذلك السجِّلُ الكونيُّ المترعُ النجيع، هاك، تناثرتنا الخطوب فوق بيادر التعب، نحتشي الغياب بأنياب الحنين؛ فلا أنينَ بعدها يُبكي، يُدمي العروقَ حتّى السقوط عن شجرة الإنسانية.

كان، وما يقع عن الوقتِ... وجودٌ بطول الشّمسِ وعرضها، أرضُهُ المطبوعة بسعف اللجين، بشغف العيون، ببداءةِ الوجود، كيف نجيئهُ ورؤانا، ثم لا نلبثُ نكتشفها الرؤى، نتعرّف عليها رويداً وحرباً، نتكئ على غراباتها الروحية، حيث تتسرّبُ أدوارُنا الّلاحقة، لحظاتها الفاصلة، مجرّد مرآةٍ تخايلية، لحيواتٍ بلا نهاية.
البداية، لطالمت تقع في لحظة النهاية طالت أم قصُرت، فهي لحظة القرار، أو الإقرار بالتقاط لحظة السردية الشريدة المُثخنةِ الاجتهادات. حولها، حول تلك البهجةِ الفَزِعةِ الأعراف، مخيلاتٌ كأنّما تُنجِبُ الملاحمَ والأساطير، ولأنّها العودة إلى منابع المسقط والعشق والروح، تنشطر عنها عقائد الواقع، تفتح لمُركّباتٍ عضوية وغير عضوية، تتناحر ببساطةٍ وتعقيد، بعفّةٍ وتزييف، بتمرّدٍ وخنوع، بانتهاجٍ ثوريٍّ لاهب، بمُسكّناتٍ ذات تناقضٍ حصريِّ الأهواء والأمزجة المُتماكرة، تطغى عليها اصطراعات تنافسية، تُغلّبُ في ما بينها آلهة التمر العصرية.


أزماتْ تعترينا.. كما لو تزاوجٌ ضيريُّ الطوائفِ والمذاهب... كذا الأديان بإحالتها على التقاعد المُبتلي التباعد، فإذّانا في سيرورةٍ لا فكاكَ منها وحسب، لا بل تعمل على إزهاق وجودِنا ونفينا، وما نشهدُهُ بين الفينة والأخرى، ضمائر منفصلة مُخضَعة لتأويلاتٍ عبثية لا تُترجم بصيغةٍ واحدة.

تعترينا ملامحُ قديمة بحلّةٍ جديدة، ملامحُ تحوز على صفات وهيئات العقائد والأحزاب والتنظيمات والجمعيات بأسرها قاطبة، وجميعها صحيحة، لا جدلَ في ذلك أو مُداهنة... حقيقيّةٌ لحدِّ الكُفر، ملاحظة... الكفر بمعنى الرفض. وليس ما دَرَجَ عليه... ظلُّ الخالق على الأرض، يعقدون ارتباطاً مغلول القيم الإنسانية والمبادئ، مفاسد، هي القاعدة العملية بقدر النظرية... بمعنى أبواق البلاط، بما هَدَّ أركان المجتمعات بتسخير المدارس الفقهية زماناً لمِلَلٍ ومَلَل، وبقدرة عصبيات التسلّط، تحوّلت إلى عصبيات مسطّحة المفاهيم، متقاتلة، متباعدة، متخاصمة الأهواء، كاسرة التوازن الجمعي الأخلاقي، كما لو صندوق أسود.
تسودُنا مفاهيم التحاقد والتباغض بلا فهمٍ وعقلٍ على الأقل من باب الإطّلاع والتعرّف على كتابات أساتذة المذاهب، أو المذهب المشمول بصاحبه، والقناعة ليست لدي وحسب، لا بل الأساس المعرفيّ الروحي.. إنّ الدِّينَ في نهج الإنسان، ولِحفظ حريتنا الفكرية الأخلاقية الإنسانية والدينية... فما دون هذا السقف؛ فهو باطل، وبلا تعجّب بلا طائل. لأجل أن تعمَّ الفائدة المرجوة، لنتعرّف أجمعين على الفحوى الحقيقية لغاية مجمل الأديان، بعيداً عن المخاصمات السياسية القائمة على.. إنَّ المُلكَ عقيم، وهو لكذلك، عقيم، يحمل على قتل الأخ لأخيه، وبمراجعة بسيطة نقع على مسلسل القتل السلطوي، بلا تمييز وعبر المراحل كافّة.

هناك، خلف الرؤى، أبوابٌ لعوالمَ مجهولة. كانت تلك الرؤيا، تفتح على رؤىً متداخلةِ الروح والعقل، كان الوافدُ إليها بحُلُمٍ واحدٍ لجميع الكائنات، حتّى تلك القابعة في الأساطير. كان، ذلك الصوت القديم قِدمَ الدُّهور. كان، أنَّ هاتي الحكاية، تُشابِهُ عِلمَ الفيزياء. الفيزياء، تلك المعادلات المُكتشفة، وبأنّ اكتشافَ ما بعدها مجرّد وقتٍ لا أكثر، أن الولوجَ الرقميَّ، حفرٌ في الرأس لذات الغاية، أنّ الحكايةَ المُستَلَبة، انعكاسٌ يتقاطعُ والأبعاد، خزين الإبداع لشخوصٍ متعلِّقٍ بالفكرة، بالصورة، بالمُتَخَيل، باحتماليةِ المكان بفكَّ شيفرةِ الزّمان، بقوّةِ الدفعِ المهجوسِ الفضول.


لكأنّما مشاكسةٌ لتجاوز سرعة الضوء بما لا يُحَدُّ. هي رحلة الخيال بقرار الظلِّ وراء الحياة كانعكاسٍ يسود على الواقع.


الأفكار، جنيّاتٌ خارقة، ساحرة العناصر، نبض الأساطير والخيال. تلعب الأفكار برأس صاحبها، تلعب بالعقل الجمعي، تتفجّرُ إبداعاً قلِقَ إيجابيةٍ ننعمُ بخيراتها، أو نعلقُ في كثبانها، في رمالها المتحرّكة القاتلة.