ترتفع اليوم راياتُ أولِ أيار في رحابِ الأرضِ كانبثاقِ الربيعِ من أعماقها، شامخةً دون استعلاء، حافظةً عهدَها للتاريخ بأنها الأمانةُ أبداً لإرادةِ التاريخ: إرادةِ التطورِ والتقدم، إرادةِ الخصبِ والعطاء، إرادةِ المسيرةِ الثوريةِ الدؤوبِ في طليعةِ القافلةِ البشريةِ الأرقى فالأرقى، والأنبلِ فالأنبل من حضارة الإنسان.
كان أول أيار أحب الأعياد إلى عمر فاخوري.. فلم يدع المناسبة تفوته دون أن يحتفل بهذا العيد الذي قال فيه:
"لقد أنقذ العمّالُ الحريةَ في العالم، فليس بدعاً أن ينتظرَ منهم أن يحفظوا الحريةَ في لبنان.. ليس أولُ أيار عيدَ العمّال وحسب، فهو أيضاً عرسُ الحرية. وإنما هو عرس الحرية، لأنه عيدُ العمّال...!".
إن ذكرى الأول من أيار، هذه الذكرى العظيمة لكافة عمّال العالم ومنها الطبقة العاملة اللبنانية وحركتها النقابية، مناسبةٌ لاستنهاض وتحفيز للحركة النقابية العالمية، واللبنانية خاصة التي تعاني من الشرذمة والتفكّك والتراجع منذ ما يقارب الربع قرن، نتيجة السياسات الممنهجة للسلطات المتعاقبة على الحكم بهدف ضرب وحدة الحركة النقابية المتمثّلة في الاتحاد العمالي العام، وتهميشها وتعطيل دورها في مواجهة السلطة المتآمرة على حقوق العمال ومكاسبهم التي حقّقتها طيلة السنوات السابقة.
بعد أيامٍ قليلة، يطل علينا عيد الأول من أيار. ويتميز العيد هذا العام، بكون عمالنا وكادحينا، بسواعدهم وأدمغتهم، في المدينة والريف، يعيشون معاناة وظروفاً أشد قساوة. ويطاول القلق أيضاً شرائح الطبقة الوسطى، التي تشهد تراجعاً وانحداراً في ظروف عملها، وفي مستوى معيشتها، التي باتت أقرب إلى وضع العمال.
ويحلّ الأوّل من نوار هذا العام، وعمال لبنان والعالم يعانون وزر التسلط والاستبداد اللذين تمارسهما رأسمالية متفلّتة من كل ضوابط أخلاقية وسياسية؛ رأسمالية أخذت على عاتقها نهب الشعوب وتجويعها وسلبها حرياتها وربطها بتبعية سياسية واقتصادية وإغراقها بالحروب والاستغلال والحصار والعقوبات والاحتلال...