تحية الذكرى السابعة والتسعين لتأسيس حزب السنديانة الحمراء

سبعة  وتسعون عاماً مضت على تأسيس حزب السنديانة الحمراء في ذاك الاجتماع التاريخي في بلدة الحدث يوم 24 تشرين الأول عام 1924. سبعة وتسعون عاماً من النضال والكفاح والمقاومة خاضها حزبنا ضد المشاريع الامبريالية والصهيونية والرجعية، دفاعاً عن شعبنا وكرامته الوطنية ومن أجل تحرره الوطني والاجتماعي،على طريق بناء الاشتراكية. 

تضحيات كبيرة قدمها الحزب طيلة هذا التاريخ المجيد، لها في هذه الذكرى تحية إجلال وتقدير، كم لها كل العهد والوفاء على متابعة المسيرة المضرّجة بدماء الشهداء الأبرار الذين سقطوا تحت القمع والتعذيب والخطف والاغتيالات والملاحقات والاعتقالات، وفي كل المحطات النضالية المقاومة: في الثورة السورية، وفي العمليات العسكرية ضد قوات حكومة فيشي والانتداب الفرنسي ومعارك الاستقلال والجلاء، وضد المشروع الصهيوني في فلسطين، وضد الاحلاف العسكرية في ثورة عام 58، وفي مقاومته عبر قوات الأنصار والحرس الشعبي وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمّول" ضد الأحتلال الصهيوني واعتداءاته، وفي مواجهة القوى الطائفية ومشاريعها في التقسيم والفدرلة ابان الحرب الاهلية، ودفاعاً عن القضية الفلسطينية، ومع الحركة الوطنية من أجل التغيير الديمقراطي والخلاص من النظام السياسي الطائفي وتبعيته للأمبريالية، وفي شتى التظاهرات والمعارك النقابية من أجل حقوق الطبقة العاملة وكل الفئات الشعبية، التي كان الحزب ولا يزال أميناً لهذه المسيرة الطويلة التي جسّدها بمتابعة السير على خطاها، مع العديد من القوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية المستقلة، عبر مواجهته للمنظومة الحاكمة ونظامها في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما ساهم في إنضاج إنتفاضة 17 تشرين وتحت شعار "الشعب يريد اسقاط النظام". 

 

لقد أخضعت  المنظومة  الحاكمة البلاد الى أكبر عملية نهب إجتماعي وطبقي منظّم، وأوقعته في قعر الانهيار الشامل، وعاثت فيه فساداً ومحاصصة وتبعيةً، وألقت بأوزار الانهيار على الطبقات الفقيرة من عمال وأجراء ومتوسطي الدخل، عبر رفع الدعم وزيادة معدلات البطالة والهجرة والأفقار والتجويع وانهيار الليرة واستفحال الغلاء وتبخًر القوة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود، إضافة الى السطو على أموال الصناديق الضامنة، وحرمان اللبنانيين من التغطية الصحية الشاملة والكهرباء والمياه والنقل العام ومن تعليم رسمي نوعي ومجاني لأبنائهم.

واليوم، وبعد كل هذه الجرائم التي لم يحاسب عليها أحد من المسؤولين، وفي ظل عجز المنظومة الحاكمة عن إيجاد الحلول لأزمات نظامها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تدخل  البلاد مرحلة جديدة من العنف في الخطاب السياسي والصدام والاقتتال الأهلي بطابعه المذهبي والطائفي، لفرض فدرالية الأمر الواقع وهو ما إستحق ويستحق من جانبنا وجانب كل حماة السلم الأهلي الرفض والادانة لاعادة أجواء الحرب الأهلية من باب التحقيق في جريمة إنفجار المرفأ. 

إن موقف حزب الله وحركة أمل المتمسك بالنظام السياسي الطائفي الذي يتمسك به الاميركي كأداة لتنفيذ مشروعه وفرض نفوذه وهيمنته، وأسلوب التجييش الطائفي والمذهبي وزج الشارع بمواجهة الشارع والتهديدات والاتهامات بتسييس التحقيق بجريمة انفجار المرفأ، يضعهما في موقع تحمّل المسؤولية في الدفاع عن هذا النظام الطائفي، الذي نعتبره مولداً لكل لأزمات وللصراعات الطائفية والمذهبية، التي تشكل خطراً على كل اللبنانيين وعلى مصير لبنان ووجوده وكيانه. إن الاقتتال الاهلي والفتن الطائفية وإقامة الفدراليات الطائفية والمذهبية، على إختلاف صيغها بقوة الامر الواقع، إنما تستهدف شرذمة اللبنانيين وتقسيمهم، كما تستهدف بشكل خاص الشيوعيين والوطنيين واليساريين والعلمانيين والوطنيين والديمقراطيين وكل التقدميين واللاطائفيين بوجودهم وهويتهم . إنه نظام طائفي عدو للمقاومة. 

 لقد خدمت الأحداث الأخيرة المشروع الاميركي - الصهيوني وصبت لمصلحته، بقدر ما شدّت العصب الطائفي والمذهبي وعزّزت موقع سمير جعجع وحزب القوات اللبنانية عشية تحضير أطراف المنظومة الحاكمة للانتخابات النيابية. 

 إن موقف التمسك بهذا النظام ومؤسساته يستوجب حماية استقلالية القضاء ورفع الحصانات ودحض الادعاءات قضائياً بالأدلة الدامغة، بدلاً من اللجوء الى القيّمين على المؤسسات الدينية التي تتولى حماية المرتكبين من مسؤوليها، أو باللجوء الى مقولة "شو وقفت عليي، فليبدأ التحقيق بغيري"، أو بالقول: دعوا النواب يقومون بتعيين القضاة الذين يختاروهم للتحقيق معهم. وهكذا نجنّب البلد الفتنة بإشراف أطراف المنظومة جميعهم على دفن الحقيقة والعدالة. 

وتبقى إدانتنا الشديدة لحزب القوات اللبنانية على مبادرتها المجرمة في إستخدام السلاح والقنص على المدنيين،  مؤكدين على محاسبة كل المرتكبين ومن ورائهم وفي مقدمهم سمير جعجع، وهو ما  يتطلب متابعة التحقيق وإنزال العقاب العادل بهم، ومحملين المسؤولية لهذه الطبقة السياسية التي وافقت على إصدار العفو العام عنه، وهو المعروف بتاريخه الاجرامي. فبالأمس القريب نصبت مجموعاته القواتية كميناً جباناً، وقامت بالاعتداء على المشاركين في تظاهرة 4 آب التي دعت اليها لجنة اهالي ضحايا المرفأ، حيث سقط نتيجة هذا الاعتداء جرحى ومصابين من المتظاهرين  كان من بينهم رفاق لنا وأصدقاء. 

لقد وجدت المنظومة الحاكمة في إستخدام العنف والاقتتال الداخلي وسيلة للتغطية على جرائمها في نهب المال العام وفي تفجير المرفأ، وهي جرائم لم تتمّ محاسبة أو محاكمة أي مسؤول عنها في مواقع القرار الأساسي، تأكيداً لذروة الفساد السياسي الذي تمتهنه القوى الحاكمة وتعتاش منه. 

 كل ذلك ليس الا وسيلة لطمس وتغييب القضية الأساسية التي يعاني منها اللبنانيون، أي تداعيات الانهيار الاقتصادي الذي تتحمّل مسؤوليته أطراف المنظومة الحاكمة بهدف منع التغيير، ولكي يحفظ كل طرف من أطرافها موقعه وحصته في التسوية المقبلة. إن تفجير الصراع  الطائفي غايته الأساسية جلوس القوى الطائفية بالنهاية على الطاولة، بحضور الراعي الدولي والاقليمي لانتاج التسوية على أساس صيغة طائفية جديدة، إعتادوا على إستخدامها في كل التسويات السابقة، والتي لم تؤدي الى حلول بل الى تفاقم الأزمات على غير صعيد. فمن أين لشعبنا، القدرة على دفع كلفة انهيار نظام الطائف ونموذجه الريعي، ودفع كلفة بقاء منظومة النهب ونظامها وفق إحياء صيغة الفدرلة الطوائفية مرة ثانية، وهو على  هذه الحال يرزح تحت أعباء الافقار والبطالة والافلاس، وهاجر منه من هاجر  من كوادر وكفاءات شبابية واعدة؟  

واذ ندعو القوى الأمنية إلى تحمل مسؤولياتها في حماية السلم الاهلي، ندعو أيضاً إلى إستكمال التحقيق ليأخذ مجراه القانوني بشفافية مطلقة، من أجل كشف الحقيقة وضمان حقوق أهالي الضحايا، ومحاسبة كل المرتكبين مهما علا شأنهم وإلى أية جهة انتموا، سواء في الداخل أوالخارج. إنّ الضمانة الوحيدة للشعب اللبناني لن تكون سوى بالانتقال إلى الدولة العلمانية الديمقراطية، التي تحمي إستقلالية القضاء وتكفّ يدّ التدخلات المحلية والخارجية عنه، لوضع المواطن وحقوقه الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية فوق كل اعتبار. 

وفي الختام، نوجه دعوتنا الى كل الرفاق لاحياء الذكرى السابعة والتسعين لتأسيس الحزب، والتي تتزامن مع بدء النقاش المؤتمري في المنظمات الحزبية لوثيقة المؤتمر الثاني عشر، داعين أيضاً الى اغناء الوثيقة ورفع التوصيات والمقترحات إضافةً وتعديلاً. كما نعلن للشيوعيين واليساريين والقوى السياسية الوطنية والعلمانية، عزمنا على إقامة ورش نقاشية بمشاركتهم بهدف بلورة مشروع الحزب في الفكر والسياسة والتنظيم. عاشت الذكرى السابعة والتسعين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني، وألف وردة حمراء في الشوارع والساحات، والمجد والخلود للشهداء الأبرار.