المقاومة الشعبية الفلسطينية الواقع والتحديات

حين نتحدث عن المقاومة علينا أن نميّز ما بين شكلين من أشكال المقاومة ..المقاومة المسلحة .. والمقاومة الشعبية .. فالمقاومة المسلحة وإن لم تسقطها كلّ الفصائل التي لها أجنحة عسكرية من برامجها إلّا أنها لا تمارسها عملياً في الساحة الرئيسية للمواجهة وهي الضفة الغربية بما فيها القدس وكلّ العمليات المسلحة يقوم بها أفراد لم تعلن الفصائل أنهم من عناصرها أو قاموا بعملياتهم بأوامر منها ..

وهي عمليات تحدث بين فينة وأخرى وليست منتظمة ومكثّفة وهذا دليل آخر على أن الفصائل ليس لديها قرار باستئناف العمليات المسلحة. وهناك مقاومة أكثرَ عنفاً من المقاومة الشعبية وأقلَّ من المقاومة المسلحة كعمليات الطعن بالسكاكين أو محاولات الدهس لجنود ومستوطنين وهي أيضاً عمليات فردية تحدث كردود فعل على تصاعد بطش وجرائم المحتلين، وهي عمليات تقلق فعلاً المحتلين، لأنّه وعلى رغم كلّ احتياطاتهم وعمل مخابراتهم وأعوانهم لم بستطعوا، ولن يستطيعوا التنبؤ بمن سينفّذ تلك العمليات ولذلك يقومون بحملات مستمرة لاعتقال مجموعات من الشباب والصبايا علّهم يستطيعوا الوصول لمن يمكن أن يقوم بأيٍ نشاط يصفونه بالعنيف ضد الاحتلال.

 

وتبقى المقاومة الشعبية هي الشكل النضالي الجامع لكلّ الفصائل على ضرورة استخدامه ضدّ الاحتلال، وقد تمّ وضعه "جميعاً "في برامجها السياسية - هذه - المقاومة، ذات المخزون الكبير لدى الشعب الفلسطيني، ولها تاريخ قديم ولم ينقطع منذ بدء الاحتلال على الرغم من إهماله بل واعتباره غير مجدي لسنوات طوال من قِبل الفصائل المسلحة .. إلّا أن هذه الفصائل وصلت إلى قناعة بأنّه شكلٌ مجدٍ وملائم للظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وعلى أرض الواقع - الآن - هناك مقاومة شعبية تمارسها فصائل وهيئات ولجان وطنية على شكل فعاليات احتكاك واشتباك مع جنود الاحتلال عند نقاط التماس مع المحتل على الحواجز والطرق الالتفافية والأراضي المُصادرَة والمهَدَّدة بالمصادرة والتجمّعات التي تتعرّض للتطهير العرقي .. هذه الفعاليات في معظمها تكون ردود فعل على جرائم الاحتلال وفي أحيان قليلة تكون ذات طابع هجومي أي بمبادرة من النشطاء أنفسهم بالتوجه للحواجز أو المستوطنات أو إقامة ما نطلق عليه قرى الحرية كباب الشمس والكرامة والعودة ودير حجلة والمناطير .. والجسم المنخرط بالمقاومة الشعبية يعاني من ضعف التنسيق ما بين المجموعات ولم تنجح لغاية الآن الفكرة التي أطلقها حزب الشعب المنخرط بمعظم أنشطة وفعاليات المقاومة الشعبية وهي فكرة بناء جبهة متحدة للمقاومة الشعبية بل وإن قرار بناء قيادة وطنية موحّدة للمقاومة الشعبية ما زال يراوح في مكانه ..

 

كنّا نتطلّع ونعمل من أجل تعزيز المقاومة الشعبية كنهج للخلاص من الاحتلال كي تتحوّل إلى انتفاضة شعبية عارمة ومن أجل أن يزداد عدد البؤر الملتهبة وتصبح بالعشرات بدل الآحاد .. لكن المقاومة الشعبية لم تتطوّر لا من حيث التنظيم ولا من حيث الإبداعات بل وللأسف ما زالت بنفس الشكل في معظم الأحيان وهنا الخطر أن الاحتلال يمكن أن يتكيّف معها، وما زالت الفعاليات تعتمد في معظمها على تحرّك نشطاء المقاومة الشعبية من موقع إلى آخر ( وكأن النشطاء قوات محمولة ) لكن هناك نماذج بارزة ومتطوّرة لمواقع الاشتباك مثل بلدة بيتا وبلدة بيت دجن وفي مناطق أخرى تكون فيها المشاركة الشعبية المحلية هي الأساس وفيها وحدة وطنية ميدانية عزّزت ديمومة هذه النماذج والمشاركة الشعبية فيها .. ومن الملاحظ أن حركة حماس وإن كانت تعلن تبنّيها للمقاومة الشعبية إلّا أنها ما يزال انخراطها في الميدان أدنى مما هو مطلوب . كما وأن استمرار الانقسام الفلسطيني يؤثّر بشكل كبير على المقاومة الشعبية ..

 

وحين نتحدّث عن المقاومة الشعبية (صمود وتصدي وتحدي ) .. فإنه يندرج تحت هذا العنوان تشكيل لجان شعبية للدفاع عن الأراضي بالمواقع ولجان حراسة ليلية، كما ونتحدّث عن أطر رسمية كهيئة مقاومة الجدار شبه الرسمية التي أُسِّسَت لتقدّم الدعم والاسناد للمقاومة الشعبية، لكن هذه الهيئة ورغم دورها الكبير في المقاومة الشعبية إلّا أنها ظلّت هيئة منقادة للقرار الرسمي ومقتصرة على حركة فتح برغم أنها إحدى هيئات منظمة التحرير. 

 

وهناك حركة المقاطعة التي هي شكل من أشكال المقاومة الشعبية والتي هي بصراحة ناشطة جداً بالخارج، وتحقّق نجاحات كبيرة على الصعيد الدولي إلّا أنها في الداخل المحتل أقلّ نشاطاً أو تتّسم نشاطاتها بالموسمية ولا تعير الفصائل للمقاطعة الأهمية المطلوبة ولا تمارسها بشكل منتظم، وتواجه في نفس الوقت مشكلة مع الجسم الرسمي المتمسك باتفاق أوسلو وببروتوكول باريس الاقتصادي وكذلك موقف المنتجين الفلسطينيين الذين يستفيدون جداً من المقاطعة لكنهم لا يساهموا بها إلّا بشكل محدود.

 

وما هي أشكال المواجهة، خاصة بعد قضية الشيخ الجراح وانتفاضة القدس؟

 

نعم أثبتت أحداث القدس أن لدى الشعب الفلسطيني استعدادية كبيرة للانخراط في المواجهة مع المحتل، وتوحّدت جهود فلسطينيي القدس مع فلسطينيي الضفة وغزة والداخل المحتل عام 1948، وكان المأمول أن تمتدّ الفعاليات وتتواصل إلى أن تتحوّل إلى انتفاضة شعبية عارمة،  لكن هذا الأمر لم يحصل، وشيئاً فشيئاً عادت المقاومة الشعبية إلى شكلها ما قبل أحداث القدس .. وكان من المفترض مع تصاعد عدوانية الاحتلال وهجمات المستوطنين أن تتطوّر المقاومة الشعبية لتصبح أكثر إيلاماً للمحتل والانتقال من الدفاع إلى الهجوم وبناء تنظيم لهذه المقاومة كما هو حال المستوطنين الذين يعملون بشكل منظّم، ولهم تنظيمات ومليشيات تقوم باعتداءت مخطّط لها سلفاً، لكن هذه المَهمة ( تنظيم المقاومة الشعبية ) ما زال يراوح مكانه بسبب النزعات الذاتية والتعصّب التنظيمي الضيّق ومحاولة البعض لاستخدام المقاومة الشعبية لأغراض تنظيمية ضيّقة.

 

عضو المكتب السياسي لحزب الشعب