يقتضي أولاً تحديد مفهوم العامل ومن ثم تحديد الطبقة العاملة، فالعامل له مفهوم إقتصادي وآخر قانوني، والمفهوم الإقتصادي للعامل أوسع وأشمل من التحديد القانوني، فالعامل وفق المفهوم الإقتصادي هو الشخص الذي يعمل ويؤدي نشاط يدوي أو ذهني، ويأخذ عادة أجراً مادياً أو معنوياً على عمله في المؤسسة الإقتصادية، وهو أحد عناصر أو عوامل المشروع الإقتصادي نظير خدماته المهنية في الإنتاج في المؤسسة.
أما القانون فقد كان أكثر تحديداً فأشار ضمناً الى أن العامل هو الأجير وهو كل شخص طبيعي أياً كانت جنسيته، يعمل لقاء أجر أو راتب لدى صاحب عمل بموجب إتفاق فردي أو جماعي، خطياً كان أو شفهياً، ويقصد بصاحب العمل كل شخص طبيعي أو معنوي يستخدم بأي صفة كانت أجيراً من أجل القيام لصالحه بمهام أو عمل أو خدمة مقابل أجر مهما كان نوع أو طبيعة هذا الأجر أو طريقة دفعه أو طريقة إستحقاقه.
ويتم الإستخدام بموجب عقد عمل، شفهي أو خطي، يلتزم به أحد المتعاقدين (الأجير) أن يعمل لصالح الفريق الآخر (صاحب العمل) وتحت سلطته وإدارته وإشرافه وتوجيهه مقابل أجر يلتزم صاحب العمل بتأديته للأجير، ويجب أن يكون البدل معيناً أو قابلاً للتعيين.
وصاحب العمل قد يكون من أشخاص القانون العام (الدولة أو المؤسسات التابعة لها أو البلديات) أو من أشخاص القانون الخاص (المؤسسات الإقتصادية الفردية أو الشركات أياً كان نوعها أو غايتها).
وبناء على ما تقدم، يعتبر عاملاً أو مستخدماً أو أجيراً كل شخص طبيعي إرتبط بصاحب عمل بصلة تبعية يتقاضى بنتيجتها أجراً أو راتباً، وهم على سبيل المثال لا الحصر:
1- الموظفون في القطاع العام وهم موظفو الإدارات العامة بالملاك الدائم أو الملاك المؤقت المتعاقدون والأجراء.
2- المستخدمون والأجراء في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة والبلديات.
3- المستشارون والخبراء وأصحاب المهن الحرة في حال إرتبط هؤلاء بصاحب عمل بموجب عقد عمل، وكان نشاطهم يخضع لمبدأ التبعية الإدارية والإقتصادية.
4- المستخدمون والأجراء العاملون في المؤسسات الإقتصادية الخاصة لقاء راتب أو أجر، وذلك أياً كانت تسميتهم (مستخدمون، عمال، أجراء، الخ...) شرط الإرتباط بصاحب العمل بصلة التبعية، العاملون في منازلهم لحساب صاحب عمل.
ويعرف الأجر بأنه العوض المترتب لقاء العمل "ويمكن أن يكون نقداً أو عيناً أو نصيباً من الأرباح"، فالأجر هو المقابل الذي يحصل عليه المستخدم أو الأجير من صاحب العمل لقاء قيامه بالعمل لصالحه وتحت إدارته، وجرى العرف على التمييز بين الأجر والراتب، فالأجر هو المقابل الذي يتقاضاه العامل أو الأجير أو المستخدم والذي يدفع له على أساس الوقت أو الإنتاج أو على الإثنين معاً، أما الراتب فهو المقابل الذي يتقاضاه الموظف والكادر والذي يدفع شهرياً.
والأجر قد يكون على أساس الوقت (الشهر، اليوم، الساعة) أو على أساس الإنتاج أو على أساس الوقت والإنتاج، ويتكون الأجر من الأجر الأساسي الثابت، ويكون نقداً كما يمكن أن يكون عينياً أو عينياً ونقدياً معاً، ويشمل الأجر أيضاً: الزيادات، البدلات، المسكن المجاني، الإنتقال، خدمات المياه والكهرباء المجانية، التعويضات، العلاوات، الحصة من الأرباح، المكافآت، الإكراميات، العمولة، المنح، بدل العمل الإضافي، نفقات التمثيل وغيرها من التقديمات والتخصيصات والجوائز والمنافع النقدية والعينية.
لقد سعت البشرية حكومات وشعوب الى حفظ حق الإنسان بالعمل وبالأجر العادل.
فقد نصت المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي:
" 1- لكل شخص الحق في العمل وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة.
2- لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساو للعمل.
3- لكل فرد يعمل الحق في أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان، تضاف إليه عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الإجتماعية.
4- لكل شخص أن ينشيء وينضم الى نقابات حماية لمصلحته.
كما نصت المادة 24 على ما يلي:
" لكل شخص الحق في الراحة وفي أوقات الفراغ، ولا سيما في تحديد لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر ".
نصت المادة 25 على ما يلي:
"1- لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الإجتماعية اللازمة وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.
2- للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الإجتماعية سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أو بطريقة غير شرعية ".
لقد وضعت الدول مجموعة من القواعد القانونية التي تهدف الى تنظيم العلاقات الناشئة عن قيام شخص طبيعي بالعمل لحساب شخص طبيعي أو معنوي آخر، فسنت قوانين للعمل تهدف الى الحؤول دون إستغلال الإنسان وذلك من خلال تحقيق الأمور التالية:
1- ضمانة العمل لكل شخص راغب فيه وقادر عليه.
2- ضمانة حرية إختيار الشخص للعمل الذي يناسبه.
3- حصول الأجير على الأجر.
4- توفير ظروف مناسبة للعمل يتمتع بها الأجير.
لم يعرف قانون العمل عقد العمل وإنما ورد التعريف في قانون الموجبات والعقود كما يلي: " إجارة العمل أو الخدمة، عقد يلتزم بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يجعل عمله رهن خدمة الفريق الآخر وتحت إدارته مقابل أجر يلتزم هذا الفريق أداءه له ".
يجيز قانون العمل أن يكون العقد خطياً أو شفهياً ويتصف بالخصائص التالية:
1- إنه عقد رضائي يتم بمجرد التعبير عن تطابق إرادتين.
2- هو عقد متبادل ملزم للطرفين بمجرد إبرامه تترتب حقوقاً وموجبات على كل من طرفيه أهمها: إلتزام الأجير القيام بالعمل وإلتزام رب العمل بدفع الأجر.
3- هو عقد ذو عوض بمعنى أن كل طرف يأخذ مقابلاً لما يعطي.
4- هو من العقود المستمرة بمعنى أن تنفيذ عقد العمل يمتد فترة زمنية، فالأجير يلتزم بتقديم عمله لوقت من الزمن معين أو غير معين.
5- عقد موافقة وإذعان يحدد عادة صاحب العمل شروط العقد وحده دون مشاركة الأجير الذي يضطر تحت ضغط الحاجة الملحة وضعفه تجاه صاحب العمل الى القبول بشروطه.
إن المفاهيم القانونية والإقتصادية والفكرية للعمل والعامل والأجير، للإستخدام وللإستغلال، للمستثمر والمستثمر، للمستغل والمستغل، المنوه عنها آنفاً، طرأ عليها تعديلات جوهرية بنتيجة التطور الإقتصادي والتكنولوجي. فلم يعد الإستغلال قائم على العلاقة التبعية القانونية والإقتصادية بين صاحب العمل والأجير، بل أن الإستغلال تنوعت أوجهه وأنوعه بتنوع أساليبه.
فالإستغلال يقوم الآن على أساس إخضاع الجمهور المستهلك والمنتج الى قرارات أصحاب الإمتياز السياسي والإقتصادي في السلطة السياسية أو في أنظمة الحكم. فقرار صاحب الإمتياز في السلطة يفرض على الناس بطريقة مباشرة أحياناً وبطرق غير مباشرة في أكثر الأحيان تبعية إقتصادية بدون تبعية قانونية عبر إستخدام وسائل الإستغلال التالية:
1- التحكم في أثمان الخدمات العامة (المواصلات، الإتصالات، المياه، الكهرباء، الصحة، التعليم،...).
2- التحكم في معدلات الفوائد التي تفرضها المصارف المركزية وتبعاً المصارف التجارية.
3- الإستدانة العامة (الدين العام) الذي يشكل مع خدمته (فوائد الدين العام) ضرائب غير مباشرة يتحمل عبأها أفراد الشعب.
4- التضخم أي زيادة الأسعار بنتيجة الممارسات الإحتكارية للكارتيلات الإقتصادية (أسعار الطاقة، المواد الغذائية، الدواء، الخ...). ومن شأن التضخم خفض القدرة الشرائية للعمال والأجراء والمستخدمين ولكافة أفراد الشعب.
5- التلاعب بأسعار النقد الوطني مقابل العملات الأجنبية حيث أن خفض سعر العملة الوطنية أو رفعها يؤديان الى نهب ثروات الأفراد ومدخراتهم.
6- خلق حاجات إستهلاكية جديدة بنتيجة التطور التكنولوجي ولا سيما الذكاء الإصطناعي.
إن وسائل الإستغلال المذكورة من شأنها التأثير على توزيع المداخيل والثروات الوطنية بشكل سلبي على حصة عائد العمل الذي يحصل عليه الأجراء والمستخدمين والموظفين، بالإضافة الى تأثيره على مداخيل المواطنين كافة من فلاحين ومزارعين وحرفيين وأصحاب مهن حرة، وعلى العموم كافة أفراد الشعب ما عدا أصحاب الإمتياز السياسي والإقتصادي في النظام السياسي الحاكم وهم من أصحاب الكارتيلات الإقتصادية والمالية والدائنين سواء منهم دائني القطاع العام أم الخاص.
أما في لبنان، فقد أطاحت الدولة بكل حقوق العامل والأجير والمستخدم والموظف بل بحقوق المواطن كإنسان في لبنان.
إن السياسات الإقتصادية والمالية والنقدية ومنذ إتفاق الطائف أدت الى إلحاق أفدح الأضرار بقطاعات الإنتاج الحقيقي في لبنان، وتسببت في إسقاط شرائح واسعة من الطبقة الوسطى الى حدود الفقر ودونه بجانب توسيع نطاقي البطالة والهجرة وتوسيع الفوارق الطبقية.
إن كل ذلك حصل بسبب أن السلطة صاحبة الأمر والنهي، هي منظومة الزعماء السياسيين المتحالفة مع رأس المال وهما يشكلان الدولة العميقة في لبنان، ولها يعود رسم السياسات الإقتصادية والمالية والنقدية وفقاً لمصالحها ومنافعها ورغباتها.
لقد استطاعت عصبة الحكم (الدولة العميقة) من تحقيق المكاسب والمنافع والمغانم بطريقة غير مشروعة ونقلت عبئها الى كافة المواطنين من كافة الشرائع والطبقات وجعلت لبنان يتكون من طبقتين: طبقة الحكام وطبقة عامة الشعب، ذلك كما كان الحال في أوروبا قبل عصر النهضة والثورة حيث كان الشعب منقسماً بين طبقة النبلاء والإكليروس وطبقة عامة الشعب التي ثارت ووضعت رقاب الحكام في مقصلة العدالة.
وهنا لا بدّ من طرح السؤال، أين هي الطبقة العاملة في لبنان؟ وماذا تشكل من عامة الشعب؟ وأين دورها في إحداث التغيير المطلوب ولتحقيق العدالة الإجتماعية؟
هل ما زالت الطبقة العاملة موجودة؟ وأين؟ وأين نقاباتها وأين فعاليتها؟
أين أحزاب الطبقة العاملة؟ خاصة أحزاب اليسار. هل مثلت دائماً العمال وتكلمت باسمهم وناضلت من أجلهم؟ هل هذه الأحزاب ما زالت موجودة؟ وفاعلة؟ هل هذه الأحزاب تمثل فعلاً الطبقة العاملة أم ضميرها؟ أم أنها تخلت عن دورها الإجتماعي الخاص بحفظ حقوق العمال والأجراء؟ أم أن الكثير من هذه الأحزاب إلتحقت بالمنظومة السلطوية الحاكمة السياسية الإقتصادية المالية؟
هذه الأسئلة وغيرها، يقتضي على أحزاب اليسار خاصة وعلى كل القوى الإجتماعية مناقشتها والإجابة عليها.
إن وضعنا مأساوي وما لم نتحرك جميعاً لن يبقى لدينا وطن،
وتفضلوا واطلعوا على ما يقال عن لبنان، حيث ورد في مقالة في جريدة LE MONDE في نوفمبر 2020:
" لبنان لم يعد دولة... لبنان الدولة وحش لا يمكن السيطرة عليه "
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وصف المشكلة المالية في لبنان بأنها " الجريمة ضد الإنسان " وقال " إن حكومة لبنان تقوم بإفقار وحشي للمواطنين وتخريب حياة الناس
77% من العائلات ليس لديها ما يكفي من الطعام.
لبنان هو الدولة الأكثر تعاسة والأقل سعادة ".
ذلك أن المستغلين إتسعت مروحتهم وفئاتهم وتنوعت أساليب الإستغلال لديهم، وبالمقابل فإن العمال المستغلين أصبحوا " كثرة " يشكلون أغلبية أفراد الشعب في حين أصبحت مداخيلهم وثرواتهم الحقيقية تتسم بالقلة "والندرة ".