نساء في العزل - لا للدعم الاجتماعي لخطاب العنف

 نحو خطاب اجتماعي مناصر للفئات الأكثر تهميشاً

فيما تعاني أغلب بلاد العالم من النتائج الاقتصادية والنفسية إثر العزل المنزلي، تتحمّل العديد من الفئات تبعات أقسى إن كان من ناحية العنف النفسي والجسدي والاجتماعي والاقتصادي، وبذلك نعني النساء والعاملات، وعاملات المنازل الأجانب والعمال المياومين واللاجئات واللاجئين.


بحسب المنظمات العالمية التي تعنى بحقوق الإنسان والجمعيات التي تعنى بحماية النساء ضد العنف، فمع مطالبة الناس في البقاء بمنازلهم، خطر العنف الأسري والعنف ضد النساء في ازدياد متصاعد خاصة مع إطالة المدة الزمنية للحجر.
تشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسبة العنف ضد النساء بشكل كبير في العالم، ففي الصين، الدولة الأولى التي طبق فيها الحجر المنزلي، ازدادت نسبة العنف الأسري بنسب ملحوظ. أما في فرنسا والولايات المتحدة، فبلغت الزيادة نسباً تتراوح بين ٣٠% و٣٧% فيما سجلت قبرص سنغافورة والبرازيل نسباً تراوحت بين ٤٠%و٥٠%. أما في تونس فقد تضاعف معدل العنف ضد النساء خمس مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وفي تركيا فقد قتلت ٢٩ امرأة في شهر آذار فقط بعد تطبيق إجراءات الحجر الصحي.
بالنسبة للبنان فقد أفادت قوى الأمن الداخلي بأن الاتصالات على الرقم الساخن لشكاوى العنف الأسري زادت بنسبة ١٠٠%، بينما العدد الحقيقي لنسبة العنف في ظل جائحة الكورونا أعلى بكثير. ويعود سبب وجود أعداد مختلفة، إلى تعذّر خروج النساء من منازلهن وصعوبة التبليغ عن الإساءات النفسية واللفظية والجسدية والضرب المبرح الذي يتعرضن له في الحجر وهنّ حبيسات معنّفهن.
"بالنسبة للبعض، فإن العزل الذاتي يشبه الحجر الذاتي عندما تكون في المنزل مع المعتدي...أنت تعيشين في رعب" يقول الخبراء بأن العزل الإجتماعي "يمكن أن تكون له بالفعل آثار مدمرة على سلامة وصحة ورفاه الضحايا"..
ويظهر هذا العنف جلياً ليس في ظل الحجر المنزلي الحالي فحسب، بل عبر كل الظروف الصعبة التي تمرّ بها الجماعات، من حروب ومجاعات وكوارث طبيعية، إذ تدفع النساء التكلفة الأكبر خلال الأزمات.
وقد عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن هذا الواقع بصراحة مطلقة عندما أطلق الأحد 4 نيسان نداء عالمياً لحماية النساء والفتيات "في المنازل"، إذ شدّد على أنّ "العنف لا يقتصر على ساحات المعارك". وقال: "للأسف، بالنسبة للعديد من النساء والفتيات، إنّ أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ. إنّه المنزل".
كما تتعرّض النساء في مجتمعات مختلفة، كما هي الحال في بعض بيئات المجتمع العراقي، لخطر الموت حالياً إذا أصيبت بفيروس كورونا لأن "النساء لا يُحجر عليهن"، حفاظاً على "شرف" العائلة. فالحجر بالنسبة للعديد من العائلات "معيب، ومغاير للعادات والتقاليد التي لا تسمح للمرأة بالمبيت في أماكن غير بيتها من دون مرافق"، كما ذكر عضو في المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية، لافتاً إلى "حدوث حالات رفض نقل فتيات ونساء مصابات بالفيروس إلى الحجر الصحي بحجة أن نقلهن مخل بالشرف ومعيب".
بالإضافة إلى ذلك، يشعر خبراء الصحة بالقلق، حيث إن الأدوار التي تؤديها النساء في المجتمع يمكن أن تضعها بشكل مباشر في مسار الفيروس. إن الغالبية العظمى من المضيفات والعاملات في القطاع الصحي والطبي والزراعي وفي مجال التنظيف والرعاية المنزلية والمعلمين والعاملين في صناعة الخدمات - أي القطاعات التي تبقي البشرية على قيد الحياة في ظل الجائحة- من النساء، حيث تضعهن وظائفهن في الخطوط الأمامية لتفشي المرض، وهن الأكثر تعرضاً للبطالة.
وفي المنزل، تقوم النساء بمزيد من أعمال الرعاية، لذلك عندما يغلق الفيروس المدارس، ويتمّ الحدّ من السفر، ويعرّض الأقارب المسنين للخطر، فذلك يعني بأن النساء لديهن المزيد من الأعمال والمسؤوليات. إذا لم يكن هناك بالفعل مشاركة متساوية لرعاية الأطفال والأعمال المنزلية، فستكون النساء مسؤولات أيضاً عن التعليم عن بعد، وضمان تأمين الغذاء والإمدادات، للتعامل مع هذه الأزمة.
أخيراً، في ظل الحجر، يتمّ الاعتماد على الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي بشكل أكبر من ذي قبل. لذا، فإن الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام والمواقع هذه يتضاعف عبر تثبيت فكرة دونية النساء وتسخيفهنّ من جهة، ودعم وتقوية خطاب العنف وتبريره.
إنطلاقاً من رؤيتنا العامة لإقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصية، كأداة أساسية لحماية النساء من مزاجية وظلم قوانين الأحوال الشخصية الطائفية، نرى اليوم من الضرورة أن يجري:
● تشدّد السلطات بتطبيق القانون على المعنِّفين والمعتدين، ووضع آليات تبليغ عملية، لأن البقاء في المنزل والعزل ليس خياراً ولا يجب أن يكون ترفاً. إن صحة النساء الجسدية والنفسية هي اليوم على المحكّ وهي ما يتمّ الاستهانة به حينما يتمّ التشكيك بصحة الشكاوى وخطورتها.
● نبذ الخطاب المشجّع للعنف في المجتمع والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
نحن نريد مجتمعاً لا يعتبر النساء ومعاناتهن مادة للسخرية والضحك. نريد مجتمعاً يعتبر تهميش النساء مادة أساسية في بنية النظام المهيمن، ويعمل لتغيير هذا الوضع، من حيث القوانين والممارسات الاجتماعية اليومية. نريد مجتمعاً يفكّر بالنساء بشكل مختلف عمّا يفعله اليوم.

اليوم، بينما نتعرَض كلّنا لظروف جديدة وصعبة وضغط نفسي واقتصادي، وبينما يرزح أكثر من 90% من البشر تحت ثقل البطالة والفقر، ترزح النساء أيضاً تحت خوف من العنف والقتل والاستغلال. ليس الحجر المنزلي خياراً، ولا يجب أن يكون الخيار بين الموت بالفيروس أو الموت قتلاً في المنزل.

 

 

  • العدد رقم: 375
`


مكتب شؤون وقضايا النساء