مسرحية قطاع الكهرباء مستمرة

 

عمر هذه المسرحية ٢٠عاماً، أبطالها جوقة السلطة الحاكمة التي وضعت الخطط الدراسات والتوجّهات مستعينة بالعديد من الخبراء الدوليين ، وأكرمتهم بملايين الدولارات ورفعت شعارالكهرباء ٢٤\٢٤. المسرحية مستمرة والوضع يزداد سوءاً. مكمن هذه الاستراتيجية والمنهجية وأهدافها واضحة منذ البداية خصخصة قطاع الكهرباء وبيعه لشركات الجوقة الخاصة وسماسرتها في الداخل والخارج. بدأت فصول المسرحية منذ ١٩٩٢ ببعض التأهيلات العشوائية على قطاع الكهرباء، دون أي خطة متناسقة تخدم الحلّ السليم. نفّذت المشاريع بالتناتُش والمحاصصة، وأهملت المؤسسة الأم مؤسسة كهرباء لبنان ومنعت من تأهيلها. لهذا السبب كلّ الخطط لم تصل إلى أي نتيجة إيجابية تحافظ وتطوّر هذا القطاع الحيوي. هذه هي الحقيقة التي أوصلت القطاع إلى الانهيار، وتستمر المسرحية ولا أمل من كلّ هذه الإجراءات وهذه المنهجية بأن تصل إلى نهاية سعيدة والكهرباء ٢٤/٢٤.


قامت جوقة السلطة بتنظيم مافيات المولّدات الخاصة وأسست شركاتها ( خصخصة مبطنة ) تؤمّن عجز التيار الكهرائي بمبالغ باهظة لا يتحملها فقراء هذا الوطن. هل تعلمون يا سادة بأن الكهرباء حقٌّ من حقوق الإنسان.. ولا يمكن تحويلها إلى سلعة تجارية يتحكّم بها قطاعكم الخاص. الشعب سيدافع عن حقه والعيش بكرامة، لن يسمح لكم ببيع قطاع الكهرباء. سرقتم وهدرتم أكثر من ٤٥ مليار دولار في قطاع من أموال الشعب اللبناني وما زال يعيش التقنين والعتمة. لا يا سادة ليس هكذا يُبنى قطاع الكهرباء بالصفقات والسمسرات والمحاصصات والتناتش. نعم لقد وصلتم الى النفق المسدود ولا حلّ لمشكلة الكهرباء على أياديكم.

لن تفيدكم سياسة حدِّ السكين التي استخدمتموها وتستخدمونها لتمرير مشاريعكم. تستخدمون سياسة العتمة والتقنين بحجج مختلفة.. أنتم، وأزلامكم مسؤلون عنها : الفيول المغشوش، عدم تسهيل الاعتمادات، أعطال مختلفة في المعامل أو الشبكات، فقدان الفيول.. كلّ ذلك كي يكفر الشعب ويستسلم إلى مخططاتكم، أوقفوا هذه المسرحية والتسكّع على أبواب سيدر وصندوق النقد الدولي من أجل حفنة من المال لتسرقونها مجدّداً، تحتالون على كلّ القوانين بما فيه قانون تنظيم قطاع الكهرباء المُقَرّ عام ٢٠٠٢ لبيع قطاع الكهرباء عبر الهيئة الناظمة؛ فاختلفتم بيد من ستكون صلاحيات البيع والشراء.. بيد الوزير أو الهيئة الناظمة، طالبتم بتعديل القانون وأجّلتم تنفيذه.. وصندوق النقد كشف احتيالكم ويصرّ على قرار نهائي منكم.. ببيع قطاع الكهرباء وتنفيذه . إرفعوا أياديكم عن قطاع الكهرباء والتسكّع.. كعاهرة تشحذ العِفّة.

ايقاف المسرحية...


لايقاف هذه المسرحية، لا بدّ من تأسيس هيئة وطنية من أخصائيين وطنيين في مجال الطاقة والاقتصاد والقانون، من خارج جوقة السلطة، مهمتها وضع خطة وطنية شاملة لانقاذ قطاع الكهرباء تفرض تنفيذها بقوة الضغط الشعبي، تتمحور حول القضايا الأساسية التالية :

١- دراسة ملفات قطاع الكهرباء منذ عام ١٩٩٢ حتى الآن وكشف مكامن الهدر والسرقات وتحضير ملفاتها العملية والقانونية وتظهير مسؤولية من أهدر وسرق المال العام أشخاصً أو مؤسسات وإحالتها إلى القضاء والضغط على محاسبة كلّ من تظهر مسؤوليته عن هذه الجرائم وإعادة هذه الأموال إلى الدولة. إن إعادة جزء بسيط من الأموال المنهوبة يمكّننا من تنفيذ الخطة الوطنية للكهرباء، بدون التسكّع على أبواب صندوق النقد الدولي. للذكر وليس للحصر أهم ملفات الهدر والسرقات:

- أنشأت الجوقة معامل لانتاج الكهرباء تعمل على الغاز ولم تؤمّن مادة الغاز الطبيعي برغم كلّ العروض التي قدّمتها شركات اجنبية منذ ١٩٩٦ وشغّلت هذه المعامل على مادة المازوت بكلفة خيالية فاقت أحياناً سبع مرات كلفة التشغيل على الغاز، حيث وصلت الى ٣٤ سنت للكيلوات، علماً أن الكلفة الطبيعية تتراوح بين ٣ - ٦ سنت وذلك إكراماً لمصلحة شركات الجوقة - مستوردي المشتقات النفطية لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.

- تقاسم مشاريع الكهرباء على أسس مناطقية وطائفية كلّفت الدولة أموالاً باهظة. أفحمتنا أخيراً الجوقة بخطة.. إنشاء ثلاثة معامل للغاز الطبيعي في لبنان حفاظاًةعلى التوازن الطائفي علماً، بأنه يكفينا معمل واحد. دول كبيرة جداً، لديها معمل واحد للغاز. فهذا يهدر ٢ مليار دولار على أقلّ تقدير.

- عدم تأهيل مؤسسة كهرباء لبنان منذ ١٩٩٢ ومنع التوظيف فيها وحرمانها من التجهيز الإداري والفني والمالية، ممّا جعلها غير قادرة أن تقوم بمهامها بشكل فعّال، ممّا سبّب هدر أموالٍ كبيرة.

- ملف الفيول المغشوش، ملف ليس جديداً، الصراعات بين أطراف الجوقة فتحته مجدّداً ويجول حالياً في القضاء.

- الهدر في شبكات النقل والتوزيع والجباية وصل إلى ارقام خيالية بحدود ٥٢ ٪ من الطاقة الكهربائية المنتجة علماً أنّ طبيعي عالمياً لا يزيد عن ١٠ – ١٢ ٪ هدر بامتياز.

- هذه الملفات قضائية بامتياز وسنجد العديد غيرها من ملفات الهدر والفساد يجب فتحها ودراستها.

٢- الخطة الوطنية يجب أن ترفض خطة الدولة المعتمدة على الشراكة مع القطاع الخاص لانتاج الطاقة لأنها تجربة أثبتت فشلها في العالم ، للذكر لا للحصر :

- سجّل العالم حتى ٢٠١٧ نحو ٨٣٥ حالة استورد فيها القطاع العام مشاريع كانت ضمن الشراكة مع القطاع الخاص في ١٦٠٠ مدينة في ٤٥ دولة .

- في مجال المياه ٢٦٧ مشروعاً ، فقط في فرنسا ١٠٦ ومنها مياه العاصمة باريس.

- في مجال الكهرباء ٣١١ مشروعاً فقط في ألمانيا ٢٤٨ مشروعاً.

- في بريطانيا بين عامي ٢٠٠٨ و ٢٠١٠ أنهت عقوداً للشراكة مع القطاع الخاص بقيمة ٢٠ مليار جنيه إسترليني.

- في تقاريره منذ عام ٢٠١٤ يصف ديوان المحاسبة الفرنسي “الشراكة " بالقنبلة الموقوتة.

- التقرير الصادر عن ديوان المحاسبة الأوروبي عام ٢٠١٨ يحذّر من الشراكة بين القطاع العام والخاص.

- صندوق النقد الدولي يحذّر من المخاطر المالية التي يجرّها نموذج المشاركة مع القطاع الخاص.

- كلّ هذه الوقائع لا تعني شيئاً للجوقة المتحكّمة بالقرار في لبنان وتصرّ على إقناعنا بأن خشبة الخلاص هي التشارك مع القطاع الخاص. فرنسا الحنون وأوروبا واميركا.. يبعوننا بضاعة فاسدة إنتهت مدة صلاحيتها.

٣- الخطة الوطنية يجب أن تلحظ تأمين الغاز للانتاج الكهربائي:

- تأمين الغاز الطبيعي يخفّض كلفة إنتاج الكهرباء بحوالي سبع مرات، ويقفل مزاريب الهدر والسرقات الموصوفة لشركات مستوردي الفيول والمازوت لمصلحة كهرباء لبنان.

- تدّل الإحصاءات بأن ٦٢٪ من انتاج الكهرباء في البلدان العربية يتم على الغاز الطبيعي، لذا كلفة الإنتاج تتراوح ما بين ٢ - ٦ سنت للكيلوات أما في لبنان وصلت إلى حوالي ٣٤ سنت.

- خطة تإمين الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء يجب أن ترفض خطة الدولة لإنشاء ٣ محطات في بلد صغير مثل لبنان والاكتفاء بمحطة واحدة، نوفّر هدراً بقيمة ٢ مليار دولار.

- الانتاج على الغاز أقل تلوّثاً للبيئة.

٤- الخطة الوطنية يجب أن تلحظ إعادة تأهيل مؤسسة كهرباء لبنان:

- مؤسسة كهرباء لبنان تأسست عام ١٩٦٤ بعد تأميم الدولة لقطاع الكهرباء سنة١٩٥٤ كمؤسسة عامة تملك وتدير قطاع الكهرباء، هذه المؤسسة كانت من أنجح المؤسسات، ودرّت أرباحاً كبيرة على الدولة. خلال فترة الحرب أٌهمِلت وتعطّل العديد من المعامل وشبكات النقل والتوزيع، وفقدت العديد من كادراتها الفنية والإدارية. بعد الحرب أهملت قصداً ( كون التوجّه نحو بيع القطاع ) فمُنع التوظيف فيها وحرمها من التجهيز الفني والإداري، ولكنها تابعت العمل بهذا الشكل الانهياري. هكذا قرّرت الجوقة إدارة قطاع الكهرباء. لذا، من يريد حلاً لمشكلة الكهرباء عليه تأهيل هذه المؤسسة العامة كي تتمكن من إدارة القطاع .

 

٥- الخطة الوطنية يجب أن تلحظ مرحلياً إنشاء مصنعين لتوليد الكهرباء يعملان على الغاز الطبيعي:

كما ذكرنا أن استعادة جزء بسيط جداً من عشرات المليارات المنهوبة والمهدورة في قطاع الكهرباء يكفي لإنشاء مصنعين للكهرباء بقدرة حوالي١٥٠٠ ميغاواط دون التسكّع على أبواب صندوق النقد الدولي أو غيره.. كما تسمح بالتوجّه نحو الطاقة المتجدّدة الشمسية والريحية حيث تُثبت الدراسات الفنية والاقتصادية جدواها.

٦- الخطة الوطنية يجب أن تلحظ تخفيض هدر الطاقة الكهربائية:

وصل الهدر في الطاقة المنتجة في لبنان إلى حوالي ٥٢ ٪ من المنتج، حيث المعدل العالمي يتراوح حول ١٠٪ .. هذا الهدر جزء منه فني في عملية النقل والتوزيع يمكن خفضه إلى الحدود الفنية المقبولة، أما الجزء الآخر والأهم هو هدر في الجباية ومخصصات لبعض أطراف النفوذ السياسية والحكومية والدينية والتعليق على الشبكة.

٧ - الخطة الوطنية يجب أن تلحظ إعادة النظر بكلّ العقود المبرمة حتى الآن وإعادة دراستها وتجميد كلّ العقود المشبوهة التي يُشتم منها رائحة السمسرات، ولا تخدم الخطة الوطنية العامة.

٨- تجميد وفسخ كلّ العقود مع الشركات الخاصة في مجال التوزيع والصيانة.

التقارير العلمية والإدارية عن تجربة خصخصة التوزيع والصيانة والجباية تدل على أنها تجربة فاشلة وتهدر أموال الدولة دون أية نتيجة.. فلا تحسنت الجباية ولا الصيانة، بل العكس هو الصحيح. يجب تسكير مزاريب الهدر والسمسرات المناطقية وإعادتها إلى إدارة المؤسسة.

٩ - إلغاء الامتيازات القديمة للشركات الخاصة

عندما وضعت الدولة يدها على قطاع الكهرباء عام ١٩٥٤ بعد العصيان المدني، أسست مؤسسة كهرباء لبنان عام ١٩٦٤، فكان في حينه بعض الشركات لديها امتيازات طويلة الأجل لتوليد وتوزيع الكهرباء في مناطق محدّدة : زحلة، عالية، جبيل وقاديشا، أبقت الدولة على هذه الامتيازات بشرط إنتاج وتوزيع وجباية الكهرباء في مناطقها بأسعار الدولة. بعد الحرب أوقفت هذه الامتيازات إنتاج الكهرباء وأصبحت تشتري من الدولة الكهرباء بأسعار زهيدة وتوزّعها في نطاقها بتسعيرة الدولة. فتبين بأنها تشتري بأسعار ٤٥ - ٧٥ ليرة للكيلواط ساعة وتبيعه بسعر ١٦٠ - ١٧٥ ل ل وتجني أرباحاً طائلة. تدل الاحصاءات عن خسارة الدولة أكثر من ١٣٥ مليون دولار سنوياً.

١٠- يجب أن تلحظ الخطة الوطنية رفضها رفع التعرفة الكهربائية الحالية. لأننا ببساطة إذا أنتجنا الكهرباء بكلفة عادية ٤ - ٦ سنت للكيلوات وقمنا بتخفيض الهدر والسرقات من ٥٢٪ إلى معدلها الطبيعي ١٠ - ١٢ ٪ تصبح التعرفة الحالية مرتفعة.

هذه هي خارطة الطريق لاسدال الستار على مسرحية جوقة السلطة. من خلال هذه الخطوات نستطيع فرض خطة وطنية متكاملة من شأنها تأمين التغذية الكهربائية على دوام الساعة، وتنظيم قطاع الكهرباء، وتأمين ديمومة انتاجيته.

(*) مهندس طاقة