الصفحة 8 من 9

إبّان تولّي أمين الجميل مقاليد الرئاسة في لبنان، مُنِع الفلسطينيون من مزاولة حوالي ٧٠ مهنة. لم يكن غريباً هذا الأمر، إذ إنّ اليمين اللبناني لطالما اعتبر أنّ الحرب الأهلية وما سبقها كان بسبب الوجود الفلسطيني في لبنان، فكان عقاب اليمين آنذاك بمنع الفلسطينيين من العمل، وبالتالي حرمانهم من أبسط مقوّمات العيش. إلّا أنّ هذا المسار بدأ يتطور لصالح اللاجئين الفلسطينيين بدءاً من عام ٢٠٠٥ حين تولّى طراد حمادة وزارة العمل، فعمد إلى إصدار المذكرة رقم 1/ 67 التي أتاحت للمهنيين الفلسطينيين العمل في المهن اليدوية والمكتبية المحصورة مزاولتها باللبنانيين دون غيرهم، بشروط معيّنة، أبرزها أن يكون من الفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية، وأن يكون مسجّلاً في سجلات مديرية شؤون اللاجئين التابعة لوزارة الداخلية.

تسعة أشهر تسلّلت خلسة في ليلة واحدة وأنا غارقة في أمنياتي. عند إقلاع طائرة العودة إلى الصين، خفق قلبي وسرح نظري من خلال النافذة إلى المباني المصطفة حيث تشع أضواء الشارع. قبل تسعة أشهر، كنت في لبنان أتطلّع إلى العودة لوطني الأم، لكن بعد عودتي، أنا الآن أشتاق إلى لبنان. فقد استوطنت في ذهني ذكرياتي الجميلة هناك إلى الأبد.
لطالما تلذّذت بمشاهدة الليل وهو يرخي سدوله ليكسو أرض لبنان. أمّا المغيب فهو بالنسبة لي مثل صندوق ساحر يربط ذكرياتي بلبنان، يحملها ويصونها. وفي معظم أوقاتي كنت أتمتع بمشهد المغيب عبر شرفة شقتنا. كنت كلّما انتهيت من صفوفي المُتعِبة في الجامعة، أودّع وزملائي صاحبَ مقهى الجامعة، ذاك الذي يلقي السلام عليّ كل صباح ويعد لنا ألذّ "منؤوشة"، لأذهب بعدها إلى "موعدي" مع المغيب.

ليس غريباً أن يجري تنافس سياسي بين الزعامات والأحزاب السياسية، بدافع تعزيز نفوذ كلٍّ منهم، شعبياً وفي مواقع السلطة ومؤسسات الدولة. فهذا من طبيعة العمل السياسي وممارسة حرية الفكر والتعبير. لكن الغريب والمؤلم أن يصل التنافس والصراع إلى إسقاط ضحايا من المحازبين، هم من عامة شعبنا الطيب، وليس في مواقع الدفاع عن الوطن ضدّ غازٍ ومحتل، ولا دفاعاً عن المصالح المعيشية المشتركة للناس، ضدّ الافتئات على حقوقهم الاجتماعية، ورفضاً لسياسة الطبقة السلطوية ونظامها العاجز المأزوم.

الجامعة..جامعتنا
تشهد الجامعة اللبنانية منذ ما يُقارب الشهرين، حراكاً نقابياً كبيراً، يقوده الأساتذة والطلاب دفاعاً عن أحد أهم مراكز إنتاج المعرفة والثقافة الوطنية.
هذه الجامعة التي أُنشئَت كنتيجة مباشرة لنضال الأساتذة والطلاب، في وجه البرجوازية الحاكمة، الرافضة لتطوير البلد أولاً، ولحقِّ فقراء الوطن في أن يحصلوا على تعليمهم ثانياً، وكذلك للتحرر من الاستعمار عبر إنتاج ثقافة وطنية ترفض التبعية وتؤسّس لاستقلال حقيقي. بالرغم من مرور أكثر من 60 عاماً على تأسيس الجامعة إلّا أنها لا تزال تعاني من محاولات ضربها وتهميش دورها من قِبل السلطة السياسية ونظامها المتخلّف، عبر ضرب استقلاليتها وتقليص موازنتها والسيطرة على قرارها وبخاصة لجهة ملفات تعيين الأساتذة الذي يتم على أساس محاصصات طائفية ومذهبية وسياسية.
تخصّص "النداء" في هذا العدد منبراً لطلابٍ من الجامعة اللبنانية، يُعبّرون من خلاله عن آرائهم.

" نحن لا نتعوّد يا أبي إلّا إذا مات فينا شيء. تخيّل حجم ما مات فينا حتّى تعوّدنا على كلّ ما يجري حولنا."
ممدوح عدوان – من رواية "أعدائي"
لا يختلف اثنان، ليس في لبنان فقط إنّما في العالم أجمع، بأنّ العنصرية اللبنانية هي في أوجها تراكمت عبر السنون وتعمّقت في الفكر اللبناني لتصبح هي الفكر السائد والطبيعي لنمط العيش ليس داخل المجتمع وإنّما في نظامٍ عنصري بدائي. يتم التخفيف من عنجهيته عندما يوصف بالطائفي فقط.

ها قد مرّ حوالي نصف العام 2019، وموازنة هذه السنة لم تُنجَز بعد. يُظهر هذا البطء والإطالة في إقرار الحكومة مشروع الموازنة ثم تحويله إلى المجلس النيابي، مدى الاختلافات و"الشدشدة بين الأطراف السلطوية، ليضمنَ كل طرفٍ منها مصلحته الفئوية، حتى إذا ما تمّ ذلك، يصلون إلى التوافق عليها. والسبب الأساسي الآخر لهذا التأخير، هو حجم الأزمة والعجز والمديونية، والأسلوب الذي دأبت الأطراف السلطوية على استخدامه، بتضخيم الأخطار والتهويل على الناس بالأعظم، عملاً بالمثل الشعبي "التخويف بالموت للقبول بالمرض" ولإعطاء إقرار موازنة طابع "الإنجاز".

الصفحة 8 من 9