والمؤكد هو أنّ هذا النظام بمعاييره وآلياته، جعل الدولة وسلطتها مكبلةً بسلاسل الطائفية، وأوصلنا الى ما نحن فيه، من كوارث وأزمات وحالة انهيار، على جميع الصعد والمستويات. وقد أتاح هذا الوضع الفرص لمزيد من التدخلات والوساطات والوصايات الخارجية ومنها المبادرة الفرنسية الآن. لذلك كانت انتفاضة ١٧ تشرين غير المسبوقة، وشمولها جميع المناطق والطوائف، رداً حقيقياً على حالة الأزمات والفساد واللا وطنية، وصولاً الى اسقاط النظام الطائفي، ومنظومته السلطوية الفاسدة. وبدلاً من وقوف المرجعيات الدينية الى جانب الشعب الذي هو الضحية الاولى لهذا النظام ومنظومته السياسية، والدعوة الى التآخي ورفع الظلم عن الناس وتحقيق العدالة، لجأوا الى مواقف بعيدة عن المصالح العامة للشعب والوطن، غير مبالين بما يستوجبه الوضع القائم ومضاغفاته او أخطاره. فوضع بعضهم خطاً أحمراً لحماية الفاسدين في طائفة كل منهم وأقدم آخر بنبرة عالية، تجلت بموقف البطريرك الراعي، والحاحه على موقف لا يتوافق مع الوضع والظروف التي يمرّ بها لبنان. ويأتي الرد المباشر من مرجعية دينية كالمجلس الشيعي الاعلى، ليتم التلاقي والقبول المصلحي مع الزعامات السياسية السلطوية، على التمسك بوزارة المالية للطائفة، ليحصل غيرها على وضع مماثل، وتطويب الوزارات لطوائف. فيتكامل مشهد طائفي نافر، يصحّ فيه القول الشعبي المعروف “كمل النقل بالزعرور"!! هذا مع العلم أنّ تدخل المرجعيات الدينية في معمعة التجاذبات والصراعات السياسية، هو أكثر سلبية في انعكاساته على الوضع العام، وفي قواعد الطوائف نفسها، ولعلّ من أغراض هذه المواقف، التأثير على المناخ الشعبي الموحد، الذي خلقته الانتفاضة التي إنبثقت من قلب حالة الانهيار والكوارث والجوع. ولا بد من الاشارة إلى انّ استثارة العصبيات حتى التي ترتبط الآن بكباش خارجي، أميركي – ايراني في لبنان الساحة تغذّي التحريض على تقسيم لبنان، وتحويله الى كونفدرالية، خلافاً لقول مفكّر لبناني بارز " ان لبنان أصغر من أن يقسّم وأكبر من أن يبتلع"، والمعروف أنّ واحدة من الاهداف الاساسية للمخطط الاميركي الصهيوني، يتمثّل بخلق حالة من الفوضى، واحداث النزاعات الداخلية، لتفتيت بلدان المنطقة ومنها لبنان، لتصبح اسرائيل بالتالي الدولة الدينية والاقوى بين دويلات لاقليات متصارعة.
لقد أثبتت التجربة منذ الاستقلال، أنّ الامتيازات المارونية، لم تشكّل حماية وضمانة للطائفة، بل استولدت مشروعاً طائفياً دموياً وانتحارياً، اصطدم باكثرية اللبنانيين الساحقة، وفشل رغم الدعم الخارجي. وليست المناصفة حلاً كما أن ليس الحلّ أحادية سيطرة طائفة على الطوائف الأخرى. ومواجهة الضغوط الخارجية، لا تصح بجعل الوزارات مستملكة باسم الطوائف، والثلث الضامن ليس ضمانة فعلية، خصوصاً في الوضع الشعبي الصاعد، والتقلّص الكبير للثقة بالسلطة والسلطويين. فقد أصبح تبني قضايا الشعب وانتفاضته على المستوى اللبناني، هو الضمانة الحقيقية الثابتة، التي تجعل الشعب يلتف حول كل طرف أو جهة سياسية تتبنى هذه القضايا الاجتماعية والوطنية. ولم يعد استرضاء وعدم اغضاب أطراف وشخصيات سلطوية ضمانة لحماية ظهر المقاومة، بالصمت عن فسادهم. فقد أظهرت التجربة عدم صدقيتهم. والآن وإزاء الضغوط الأميركية المتلاحقة، وموجة تطبيع سلطات خليجية مع العدو الصهيوني، بات التأخير في اعتماد رؤية وطنية واجتماعية مترابطة تعكس مصالح شعبنا، وتتلازم فيها حماية التحرير بالتغيير، ينعكس سلباً على المقاومة ودورها وقاعدتها الشعبية.
اذاً، النظام الطائفي يزداد اهتراءً وتهالكاً. والخناق يشتد على معيشة الناس ويدفع بعضهم الى الهجرة حتى في قوارب الموت. ولن تكون مبادرة ماكرون أو ما يماثلها أكثر من جرعة أوكسحين للنظام وطبقته السلطوية فالحاجة الاساسية تتجلّى باعتماد مسار جديد ينقذ لبنان الوطن والشعب، ويبني وطناً موحداً، ودولة مواطنة ديمقراطية وعلمانية قادرة على حماية لبنان وأمن شعبه الوطني والاجتماعي.
المواقف الطائفية للمرجعيات السياسية والدينية مناقضة للانقاذ
في وقت يواجه فيه شعبنا وبلدنا أزمات وكوارث وطنية واجتماعية وصحية غير مسبوقة، وتستمر فيه حالة الشلل والفشل السلطوي في ادارة شؤون الدولة والمجتمع، تتواصل التناقضات والانقسامات التي يستولدها نظام التحاصص الطائفي، ويتصاعد تداخل العوامل الخارجية مع الداخلية. فتصبح مسألة تشكيل الحكومات عملية قيصرية تستدعي ارضاء أو مشاركة مرجعيات خارجية واقليمية ودولية، كأننا أمام تشكيل ذات طابع اقليمي ودولي، ولكن بلباس لبناني. وكثيراً ما تطلّب تشكيل حكومات شهوراً طويلة وقد استمر الفراغ في الموقع الرئاسي سنتان ونصف، وجرى التمديد للمجلس النيابي مرتين.
النداء 2024. حقوق المنادى فقط محفوظة.