قراءة في المشهد السياسي العام

 

يمر لبنان بمرحلة شديدة الخطورة، وحجم المخاطر المحدقة به كبيرة ومصيرية لبنان المأزوم يترنّح باشتداد أزماته السياسية والاقتصادية، المالية والاجتماعية. تؤشر تطورات المشهد عن تمادي الانحدار السياسي وتفاقم الازمات بحيث يعيش اللبنانيون يوميات الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي التي انعكست عليهم ضيقاً مادياً، وتوسعا في حالات الفقر والجوع والبطالة، واقبالاً على الهجرة. تحالف حيتان المال والسياسة والطائفية والفساد أفلس لبنان، وأفقره، وأوصله الي الانهيار. بلغت الأزمة ذروتها، والكارثة تتفاقم، والانهيار يتجه نحو القاع، والطبقة السياسية التي كانت سبب الأزمات عاجزة عن إيجاد مخارج حلول للأزمات، ووضعت لبنان أمام عجز تام في مواجهة الانهيار، وهي الان تستسلم للإملاءات والتدخل الاميركي والفرنسي.

العقوبات الأميركية وخلفياتها

منذ أشهر وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشنّ حملة ضغوط مبرمجة على لبنان، تناوب عليها الرئيس ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو وبعض المسؤولين الأميركيين. لقد تمادت إدارة الرئيس ترامب بإطلاق التهديدات والإملاءات والأوامر ضد حكومة لبنان وحزب الله وحلفائه. فأصدرت إدارة ترامب قانون قيصر ضدّ سوريا، الأمر الذي الحق الضرر باقتصاد لبنان والتبادل التجاري بين البلديين. كما أعلنت قرارات ذات طابع مالي واقتصادي ضدّ لبنان. في ٨ أيلول ٢٠٢٠، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وعلى كيانات اقتصادية لحزب الله. لقد دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لبنان الي نزع سلاح حزب الله، مؤكداً أن استمرار الأمور في لبنان على ما هي عليه أمر غير مقبول. كما صرّح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية احتمال انه " شينكر " قائلاً إنّ هدف الإدارة الأميركية هو تحقيق التفاوض المباشر بين لبنان وإسرائيل قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من تشرين الثاني عام ٢٠٢٠. في ١٣ أيلول، تعلن ادارة ترامب عن فرض حزمة جديدة من العقوبات علي إيران استهدفت ٢٧ كياناً وشخصيةً بينهم خمس علماء ووزارة الدفاع الإيرانية. وفي سياق القرارات والمستجدات، طلب الرئيس ترامب من الرئيس الفرنسي ماكرون دعم العقوبات على لبنان وإيران، فرفض الرئيس الفرنسي طلب الرئيس الاميركي. الرفض الفرنسي كان له ردود فعل اميركية انعكست سلباً على المبادرة الفرنسية في لبنان وعلى تشكيل الحكومة الجديدة.

المبادرة الفرنسية: آفاقها والعرقلة الخارجية والداخلية

لم يطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرته إلّا بعد التشاور والتنسيق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعطى موافقته عليها الامر الذي شجع الرئيس ماكرون على إطلاق مبادرته في لبنان. بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت وتداعياته المأساوية، قام الرئيس ايمانويل ماكرون بزيارتين الي لبنان. في زيارته الثانية، اجتمع مع ممثلي القوى السياسية اللبنانية في قصر الصنوبر وعرض عليهم مبادرته بدءا" بتسمية مصطفى اديب رئيساً مكلفاً، مرفقةً بجدول زمني لتحقيقها. بنود المبادرة الفرنسية: تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين لا تضم وزراء من أحزاب المنظومة السياسية، تنفذ الحكومة اصلاحات في القضاء والكهرباء، محاربة الفساد، واعادة هيكلة المصارف بما فيها مصرف لبنان المركزي. كما تضمنت المبادرة الدعوة لانعقاد مؤتمر دولي في باريس لدعم لبنان في مطلع كانون الاول ٢٠٢٠ بعده يقوم الرئيس ماكرون بزيارة لبنان في منتصف كانون الاول. ختم الرئيس ماكرون الاجتماع بموقف يحمل تهديداً مباشراً للطبقة السياسية قائلاً: إذا لم تنفذوا بنود المبادرة وتعملوا على انجاحها فالعقاب والعقوبات بانتظاركم. بعدها أعلن ممثلو القوى السياسية التزامهم المبادرة الفرنسية ودعمهم لها متجاوزين كالعادة كرامتهم وشعارات الحرية والسيادة والاستقلال. للمبادرة الفرنسية أبعاداً وأهدافاً عديدة منها: منع الفوضى في لبنان ووقف الانهيار الاقتصادي، والاحتفاظ بموقع نفوذ فرنسي في لبنان وخلفية سياسية وأمنية لفرنسا في مواجهة النفوذ التركي في شرق المتوسط. بعد ١١ أيلول، تعثرت المبادرة الفرنسية على إثر اتصال الرئيس الأميركي بالرئيس الفرنسي طالباً منه دعم قرارات العقوبات الأميركية على إيران ولبنان فرفض الرئيس ماكرون. بعد ساعات، شنت ادارة ترامب حملة على السياسة الخارجية الفرنسية ومارست ضغوطاً على بعض أدواتها في لبنان لا سيما نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين فرضوا علي الرئيس المكلف تبني المداورة وعدم اعطاء حقيبة المالية للثنائي الشيعي والذي بدوره رفع سقفه متمسكاً بحقيبة المالية. فتعطلت عملية تشكيل الحكومة وتعطّل التنسيق الفرنسي الاميركي. بدا واضحاً أنّ ولاء معظم السياسيين اللبنانيين لأكثر من جهة أجنبية يعكس ولاءاتهم ومواقفهم. وبعد أن اصطدمت المبادرة الفرنسية بالقرار الاميركي الرافض، استنفرّ الرئيس الفرنسي وقرر انقاذها وأجرى اتصالات عديدة وطلب من سعد الحريري اتخاذ موقف يساعد على تحريك الاوضاع فأصدر الحريري بياناً مضمونه يسهّل عملية ولادة الحكومة الجديدة.

قوى ومجموعات التغيير: مهام وتحديات

منذ تأسيسه، التزم " لقاء التغيير من أجل لبنان ديمقراطي"، العمل لبناء ائتلاف وطني يشمل سائر قوى المعارضة والتغيير من أجل توحيد الطاقات وضع اللقاء خطة لتشكيل الإطار الوطني والقيام بالاتصالات والتنسيق مع سائر أطراف المعارضة والقوى الحيّة في انتفاضة ١٧ تشرين آخذين بالاعتبار واقع التنوع الفكري والسياسي بين قوى المعارضة. ساهمت عملية الاتصالات والحوار بتقريب وجهات النظر من اجل بناء الإطار السياسي وصياغة برنامج عمل مشترك. لقد باشر لقاء التغيير بتأسيس منبر اقتصادي ومالي يضم الخبراء من أعضاء اللقاء واصدقاء وأخرين. شكْل اللقاء لجان نقابية وطالبية ونسائية. اننا اليوم نعيش مرحلة التحولات التي نتجت عن انتفاضة ١٧ تشرين ٢٠١٩. لذلك فالتحديات كبيرة والمخاطر جسيمة والتحولات عميقة يجب مواجهتها وبذل الجهود من اجل صياغة برنامج عمل وطني مشترك ومشروع سياسي بديل. انّ غياب المشروع البديل والإطار والبرنامج المشترك خدمة للنظام الطائفي المتصدع والطبقة السياسية العفنة الفاسدة. لبنان الماضي انتهى لنبني لبنان الجديد والنظام السياسي الجديد والدولة المدنية: دولة المواطنة والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية وحكم القانون وحقوق المرأة.

• عضو لقاء التغيير من أجل لبنان ديمقراطي