وطبيعي ان يغيظ هذا التحرك الكبير جميع المسؤولين المتمسكين بمواقعهم وبنظامهم الطائفي الذي يحتمون به، والذي اوصل البلد الى الانهيار. ولم يكن حادث الجميزة خارج السياق المذكور. فهو ليس حادثاً بين اشخاص ولا عفوياً. ومن اسبابه ان جعجع الذي ولد وميليشياته من رحم النظام الطائفي، ما يزال اسير مناخ الحرب الاهلية والمشروع الطائفي التقسيمي. ومع اهتراء هذا النظام التحاصصي الطائفي القائم، يعود الى مشروع الدويلة المسيحية، ليصبح مرور التظاهرة في شارع الجميزة بمشاركة كثيفة من الشيوعيين وغيرهم، خرقاً جغرافياً وسياسياً لمنطق الدويلة من اصحاب الرأي الآخر. علماً ان الدولة والوزارات والمناطق ليست ملكاً خاصاً لأحد. وينطوي الاعتداء الهمجي المدبر ضد المتظاهرين السلميين، ومنهم الشابين جاك وجوني بركات على اغتياظ جعجع من دور الحزب الشيوعي الذي افشل بتوجهاته الاجتماعية والديمقراطية الجامعة في الانتفاضة، محاولات حذفها عن مسارها ضد الطبقة السلطوية ونظامها الطائفي الفاسد.
وبدلاً من الاعتذار عن شغب بلطجيته المسيء لذكرى شهداء المرفأ والمعتدى عليهم، عمد جعجع الى اختلاف روايات لا تنطلي على اطفال بالسياسة.
وليس غريباً ان تلتقي القوات وقوى الامر الواقع في النبطية، في الاعتداء على المناضل الشيوعي مازن ابو زيد. فهم يصطفون دائماً مع الاحزاب السلطوية بمن فيهم حزب الله. والمثل الاخير في انتخابات نقابة المهندسين وغيرها. لكن الغريب هو كيف ان دولة اسلامية متشددة هي السعودية، تتبنى وتمول جعجع المتشدد مسيحيا ولماذا؟
ان الشيوعيين لن يثنيهم هذا الاعتداء عن مواصلة النضال لتحقيق مطامح شعبنا باسقاط النظام الطائفي المهتريء، والذي جعجع احد حراسه. فالحل ليس بتقسيم لبنان دويلات متصارعة بينها وداخل كل منها. ولا بتسلط طائفة على الدولة، ولا بالمثالثة او اية صيغة طائفية. فهي ولاُدة انقسامات وشلل وحروب اهلية، تمنع تحول الكيان الى وطن والمجموعات اللبنانية الى مجتمع.
اما الزعم بتبعية الحزب لسوريا ولحزب الله تدحضه الوقائع والتاريخ. ففي ظل الوصاية السورية، استبعد الحزب الشيوعي، وعين جعجع وليس جورج حاوي وزير دولة في حكومة 1990. وفي موضوع المقاومة فقد بدأ الحزب الشيوعي عام 1970 بتشكيل مجموعات الحرس الشعبي لمقاومة عمليات الكوماندوس الاسرائيلي المتكررة ضد القرى الامامية لجنوبنا اللبناني، بسبب غياب الدولة في الدفاع عن كرامة الوطن والمواطن. وكان تخاذل النظام ازاء عدوان اسرائيل على مطار بيروت عام 1968 وتحطم 12 طائرة ركاب، وتكرار التخاذل عندما دخل الكوماندوس الاسرائيل الى بيروت عام 1973 وقتل ثلاثة قادة فلسطينيين في منازلهم، الدافع الاساسي لمبادرة الحزب الشيوعي باطلاق جبهة المقاومة الوطنية في 16 ايلول 1982 فور وصول الجيش الصهيوني الى بيروت. ليفرض بتضحيات شهدائها وعملياتها البطولية على الجيش المحتل الانسحاب العاجل من عاصمتنا، ثم من الجبل والمناطق الاخرى. فاسرائيل اصلاً عدوة لبنان وبنيته التعددية لأن التعدد نقيض دولتها الدينية العنصرية. وهي طامعة بارضه ومياهه وبدوره التجاري والسياجي والمصرفي والاعلامي والصحي في المنطقة ( قبل الانهيار ) وليس تفجير المرفأ بعيداً عنها ليصبح مرفأ حيفا هو البديل. هذا عدا ثأرها من لبنان لهزيمتها فيه.
لذلك هدد نتنياهو لبنان قبل ثلاث سنوات باعادته الى العصر الحجري، والمؤسف ان التنفيذ يجري على يد طبقة سلطوية ومالية مافيوية متمسكة بنظام عقيم. فالحزب بتاريخه الوطني والمقاوم يتقاطع مع المقاومة دون تبعية، ضد عدوانية اسرائيل، ويختلف دون عداء، مع اي جهة سياسية تناهض بناء الدولة الديمقراطية العلمانية ولبنان الوطن. وهو ضد المخطط الاميركي الصهيوني الرامي الى تفتيت بلدان المنطقة ومنها لبنان.
لقد قام الحزب بمبادرات عديدة لعقد مؤتمر مصالحة وطنية ليس بين اشخاص، ولا بتنازل طائفة لأخرى، وانما مصالحة مع الوطن والدولة والسلم الاهلي وحقوق الشعب الاجتماعية، استخلاصاً لدروس الحرب الاهلية ومنع تكرارها. لكن زعامات الطوائف بتشجيع اميركي وتواطؤ رسمي عربي، ابقوا على الاسس الطائفية نفسها، ليبقى البلد وسلمه الاهلي مهدداً ومفتوحاً على تدخلات الخارج.
وقد بينت التطورات ان استبعاد الحزب الشيوعي هو استبعاد لبناء وطن ودولة حديثة ولقضايا وحقوق عمالنا وشعبنا. فهم اوصلونا الى الكوارث والانهيار. ولا ينتظر حلول منهم. والفوضى هي غرضهم. فالحل يصنعه الشعب في تحرك ضخم موحد يفرض التغيير وبناء لبنان الجديد.