يوم شهداء حزب الشعب والوطن

يوم الشهيد الشيوعي هو يوم ينبض بأسمى قيم التضحية ومعاني الشهادة. فقافلة الشهداء الشيوعيين تمثل أنصع الصفحات المجيدة والمشرقة في تاريخ حزبنا وشعبنا ووطننا. فقد رسموا بدمائهم الزكيّة خريطة الوطن. فهم من كل الوطن بمناطقه وطوائفه ولكل الوطن.

ويحلّ يوم الشهيد الشيوعي هذا العام في ظل انهيارٍ متمادٍ، وتهديد وحدة الوطن والدولة، وتدهور معيشة الشعب الاجتماعية، وتخبّط وتعثّر انتظام دور الدولة وسلطتها. مما يضاعف من قيمة ودور شهداء الحزب الذين كان استشهادهم من أجل تحرير لبنان وبناء وطن ودولة على أساس المواطنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لإلغاء أسباب الانقسامات العمودية والحروب الأهلية المدمرة التي تكمن في صلب بنية النظام الطائفي الطبقي القائم. وقد شكّل الانقسام العمودي في جلسة انتخاب الرئيس مثالاً على ذلك، وأظهر أنهم في وادٍ، فيما قضايا شعبنا الاجتماعية والوطنية في وادٍ آخر. ويجسّد تنوّع مجالات ومواقع استشهاد الشيوعيين شمول مسار الحزب النضالي مجمل القطاعات الشعبية الوطنية والإجتماعية والديمقراطية. فقد كان حبيب طنوس دياب ونمر الرمّوز، على سبيل المثال، أول شهيدين للنضال الاجتماعي عندما وقفا في شارع أنطلياس في وجه كسر إضراب السائقين عام 1935 الذي كان الحزب الشيوعي يسانده. كما كان إستشهاد وردة بطرس عاملة الريجي، في مواجهة القمع السلطوي لإضراب عمّال الريجي عام 1946. واستشهد الطالب فرج الله حنين وهو على رأس تظاهرة لطلاب الجامعة اليسوعية عام 1951 من أجل إنشاء الجامعة اللبنانية.
ومن الشهداء الذين يشكلّون في استشهادهم معالم تاريخية أيضاً، الشهيد عسّاف الصبّاغ (منطقة مرجعيون) الذي كان يقوم بمساعدة الثورة الفلسطينية عام 1936 ضد العصابات الصهيونية، فقامت سلطة الانتداب بإعدامه بعد ذلك. وإضافةً إلى مواجهة ربط لبنان بعجلة الأحلاف العسكرية للدول الاستعمارية، كان للشيوعيين تضحيات وشهداء في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القرى الأمامية، في ظلّ تخاذل سلطة الدولة وعدم اهتمامها في الدفاع عن الوطن وحماية أبنائه. فأقدم الحزب الشيوعي على تشكيل "الأنصار" مع بعض أحزاب شيوعية عربية و"الحرس الشعبي" في القرى الحدودية عام 1969.
وقد كان للحزب وشهدائه دور اساسي في مواجهة المشروع الطائفي الرامي الى إلغاء الرأي الآخر، وتجريد لبنان من عروبته وعزله عن محيطه العربي، وفي إفشال مشاريع تقسيمه وضرب الثورة الفلسطينية بالتواطؤ مع المخطط الصهيوني الاميركي ، كما كان له الدور الريادي في إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي فرضت بطولات شهدائها ومقاوميها على جيش الاحتلال الصهيوني، الانسحابات المتتالية من أول أرض عربية، بدءاً من العاصمة بيروت وصولاً- مع اتساع القوى المشاركة ضد الاحتلال - لاستكمال تحرير الجنوب عام 2000، وكذلك في صد العدوان الصهيوني عام 2006. ولم يكن غرض إغتيال قياديين في الحزب الشيوعي المقاوم على صعيد جبهة الفكر والثقافة والاعلام برصاص الغدر والظلامية، أمثال حسين مروة، حسن حمدان، سهيل طويلة خليل نعوس، أحمد المير الأيوبي وغيرهم، سوى لإضعاف دور هذا الحزب ونهجه الوطني المقاوم للاحتلال والظلم الاجتماعي، ولتمرير التجديد لنظام الانقسامات الطائفية والفساد والاستغلال الطبقي لأكثرية الشعب الساحقة، واستمرار ضعف دور الدولة وسياسة التخاذل وطنيا، وكذلك لفرض الطابع الطائفي والمذهبي على المقاومة .
لكن حزباً يستشهد أمينه العام فرج الله الحلو في أقبية مباحث عبد الحميد السراج في دمشق أواخر حزيران عام 1959، متميزا بالشجاعة والصلابة والحرص على حزبه بوجه جلاديه، وهو القائد الشيوعي المتمسك بلبنان الوطن وبإ ستقلاله وعروبته وبالنضال من اجل التحرر العربي وحق الشعب الفلسطيني بكامل فلسطين ، ويستشهد أمينه العام الآخر جورج حاوي بتفجير سيارته في 21 حزيران 2005 ، وهو المبادر الى إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية لتحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني ، والذي كرّر مع توقف الحرب الأهلية ضرورة عقد مؤتمر مصالحة وطنية لا يقتصر على زعماء وممثلي الطوائف، بل مصالحة مع الوطن وقضايا الشعب، بما يزيل أسباب الانقسامات والحروب الأهلية. فإن هذا الحزب بشهدائه ومناضليه وشبابه لن تنطفىء شعلة كفاحه وفكره التحرري والثوري. إذ أن الأفكار لا تموت وإلا لما تطورت البشرية في مواجهة أنظمة الاستبداد والتخلف والاستغلال الاقطاعي والرأسمالي.
وعلى الرغم من التماثل في معنى الشهادة أيا يكن الشهيد فإنّ ميزة الشهيد الشيوعي هي أن استشهاده ليس من اجل منصب او كسب مادي، فحزبه هو خارج سلطة توزيع المناصب والمنافع، ولا من اجل الدفاع عن طائفة أو زعيمها . والقيمة الاخرى المضافة للشهداء الشيوعيين ، كما أشار المطران جورج خضر مرة، هي أن أكثريتهم غير متيقِّنين من الانتقال الى حياة أخرى فالشهادة عندهم هي التضحية بكل وبأغلى ما يمتلكونه وهو حياتهم هنا.
إن معاني وقيمة الشهادة والشهداء لا تُحَدُّ بتاريخ حصولها، بل تتواصل في مسيرة نضال حزبهم وتبقى معلماً مضيئاً في وجدان رفاقهم وطموحات شعبهم لتحقيق الاهداف التي استشهدوا من أجلها. ويتجلّى ذلك في الترابط والتلازم بين تحرّر الوطن والمواطن. فلا يكون الشعب حرّاً في وطنٍ محتل أو تابع، ولا يكون الوطن حراً وشعبه مكبلاً بالإنقسامات والأزمات والجوع والإذلال. فالحرية لا تتجزأ. وإن بقاء هذا النظام التحاصصي الطائفي الفاسد، وخطر تحلّل الدولة وتمزيق الوطن، يتواءم مع أهداف المخطط الاميركي الصهيوني إزاء لبنان والمنطقة.

 تحية إجلال وإكبار لروح شهداء حزبنا وشعبنا ووطننا
 تحية لأرواح شهداء مقاومة الاحتلال الصهيوني والظلم الاجتماعي.

  • العدد رقم: 416
`


موريس نهرا