وارتباطاً بادراك الأوساط والأحزب اليسارية والوطنية والتقدمية خطر الفاشية هذا في الكثير من البلدان، تشكلت هيئات وأطر متنوعة ضد الفاشية، لكشف جوهرها المعادي للشعوب، ونشر الوعي والتعبئة الشعبية ضدها. وقد تشكلت في لبنان عصبة مكافحة الفاشية كما في معظم البلدان، في أواخر ثلاثينيات وأوائل أربعينيات القرن الماضي. وكان من أبرز رموزها في لبنان عمر فاخوري، انطون تابت، نقولا شاوي، رئيف خوري، وغيرهم. واذا ما كانت أضخم وأهم إحتفالات النصر على الفاشية، تجري في الاتحاد السوفياتي وروسيا اليوم، فذلك لأن الدور الحاسم في إلحاق الهزيمة بالفاشية كان للجيش الأحمر الذي قضى على الهتلرية في عقر دارها في برلين، وأنقذ بذلك بلده وشعبه وشعوب العالم. هذا مع العلم أنّ هذه الحرب، قد أودت بحياة 54 مليون ضحية، 27 مليوناً منهم من الاتحاد السوفياتي وحده، اضافة الى تدمير أكثر من 1100 مدينة وبلدة سوفياتية.. لقد كانت الوطنية الروسية والسوفياتية العامل الاساسي في صلابة مجابهة الترسانة العسكرية الضخمة للهتلرية. ويرتبط ذلك كما جاء في كتاب الطبيبة جمال القرى، وهي خرّيجة احدى جامعات الاتحاد السوفياتي، بظروف تكوُّن الشعب الروسي، والمراحل التاريخية التي مرت بها الدولة الروسية داخلياً وخارجياً . فمن ميزات هذا الشعب تمسكه بأرضه، وبالروح الوطنية العالية دفاعاً عن وطنه. واذ نرى في الكتاب المذكور، استناداً الى كتابات باحثين ومؤرخين روس، تتالي المراحل في علاقة روسيا مع لبنان وسوريا وفلسطين، فإننا نجد دوراً بارزاً للكنيسة الأرثوذكسية الروسية من خلال علاقتها مع طائفة الأرثوذكس في لبنان وسوريا والقدس. وكانت عاملاً مهماً في تنامي دور روسيا ونفوذها في مرحلة معينة. وكذلك كان للبعثات التبشيرية والإرساليات التعليمية الفرنسية والإنكليزية في القرن التاسع عشر دورٌ في تنامي النفوذ الفرنسي والإنكليزي.
وقد جرت شرعنة هذه التدخلات وتكريس دورها، بعد افتعال تلك الفتنة الطائفية عام 1859 ـ 1860 لضرب انتصار الثورة الفلاحية بقيادة طانيوس شاهين، في بروتوكولات 1863 ـ 1864، التي تمنح روسيا رعاية الطائفة الأرثوذكسية، وفرنسا الموارنة، والنمسا الكاثوليك، وانكلترا الدروز.
أما الوجه الآخر للعلاقة الروسية مع منطقتنا وبلدنا، إضافة الى المجال السياسي، فيتعلق بالمجال الثقافي. فالأدب الكلاسيكي الروسي بدأ باكراً يصبح موضع إهتمام من جانب عديدين من الأدباء والكتاب اللبنانيين والعرب. ويبرز ذلك كما جاء في كتاب الطبيبة ، ما كتبه أمين الريحاني، وفرح انطون، ومخايل نعيمة عن تولستوي، وآخرين، وأديب سعادة خوري (فلسطين)، وسلامة موسى، عن دوستويفسكي، وكذلك عن الشاعر المعروف بوشكين المجسّد للروح الروسية.
إنّ محتوى هذا الكتاب يُغنِي معرفة الباحث والمتابع لشؤون روسيا داخلياً ولدورها في العلاقة مع لبنان والمنطقة قبل الحقبة السوفياتية.
ولا بد من الإشارة الى أن نتاج الأدباء والكتّاب الروس، هو من مقدمات الثورة البلشفية التي أسست لوحدة الشعب السوفياتي والدولة السوفياتية.. ويمكن التأكيد أن الدفاع عن الوطن وعن منجزات ثورة أكتوبر الاشتراكية شكّلا معاً دافعاً أشمل وأكبر لبطولات وتضحيات الشعب السوفياتي وتحقيق الإنتصار الكبير على الفاشية.
إلا أنّ الفاشية ليست ظاهرة عابرة او تتعلق فقط بمزاج شخص او قائد او رئيس دولة.. فهي أولاً، وليدة النظام الرأسمالي وقانون التطور المتفاوت بين دول هذا النظام اقتصادياً وتكنولوجياً، فيخلق حالة تنافس وتصادم تصل الى الحرب. ثانياً، تلجأ الدولة أو الدول الرأسمالية المأزومة، الى سياسة العدوان والحرب والى الفاشية، كمخرج للهروب من أزمتها، ولتصديرها الى الخارج عن طريق العدوان والحرب ونهب ثروات الشعوب الأخرى.. ثالثاُ، إنّ ما يجري اليوم من مجازر وحرب إبادة لأهل غزة وفلسطين وفي جنوبنا اللبناني، على يد العدو الصهيوني، هو مظهر لفاشية جديدة مدعومة بأحدث الاسلحة من أميركا وحلفها الاطلسي. وما تقوم به الولايات المتحدة من مساندة لإسرائيل بعشرات مليارات الدولارات، وأكثر من ذلك لسلطة أوكرانيا ضد روسيا، وعشرات مليارات أخرى تقدمها الى تايوان ضد الصين، عدا بؤر توتر أخرى، تُظهر الميل لنزعة فاشية. وإن قمع واعتقال الألوف من طلاب الجامعات الأميركية، المطالبين بوقف الحرب على غزة، وتذرّع بايدن بأنها حركة معادية للسامية، يذكّرنا بوزير الاعلام غوبلز في المانيا الهتلرية، الذي يكرّر "أكذب.. أكذب، فلا بد ان يعلق شيئاً ولو بأقلية". وان هذا الاسلوب من العنف ضد تحركات طلابية سلمية، يُسقط قناع الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان عن وجه الامبريالية الاميركية وسلطتها، ويُظهرها على حقيقتها.
ذكرى الانتصار على الفاشية
يتخذ الاحتفال بالإنتصار على الفاشية في الحرب العالمية الثانية، طابعاً يتعدّى الدول التي تلاقتْ في محاربتها. فالفاشية بأيديولوجيتها وبأهدافها العدوانية وممارستها الوحشية، ترمي الى السيطرة على أوسع مدى في العالم. وهي بذلك خطرٌ على جميع البلدان والشعوب.
# موسومة تحت :
- العدد رقم: 424