مقابلة مع النقابي أديب أبو حبيب (٢/٢)


استكمالاً لما نشرته النداء في العدد السابق، تنشر المجلة الجزء الثاني من هذه المقابلة.

لماذا لم يقر لغاية الآن قانون ضمان الشيخوخة، ومن هم برأيك المعرقلون؟
بدايةً هناك نصّ في قانون الضمان الاجتماعي الصادر في العام 1963 (مادة 48) يعمل في هذه المادة الى حين انشاء ضمان الشيخوخة والتي تقول: "تعويض نهاية الخدمة، يعمل في هذه المادة طبقًا لقانون الضمان بدأ تنفيذه في العام 1965 في شهر أيار (مايو)." أما فروع الضمان الباقية هي المرض والأمومة وتعويض العائلة... تعويض العائلة نفذ بعد عامين، والمرض والأمومة لم ينفذ، وأصبحت مطالبة من الحركة النقابية على أيام الرئيس شارل الحلو، وقد هددنا بالاضراب في تلك الأيام ضمن نشاط موحد للحركة النقابية بتطبيق فرع المرض والأمومة، وقد كان الحلو يمتاز بالحنكة (رحمه الله) أخذ قرارًا بتطبيق الضمان الصحي في عهد رئيس الجمهورية الذي سيستلم بعده، فكان سليمان فرنجية، وقد كان معروف عنه أنه كان قاسيًا بعلاقاته مع النقابات في بداية عهده، لكنه ما لبث أن تغير بعلاقاته لاحقًا.

بإحدى المقابلات العمالية في إهدن طالبوه بتعديل المادة 50 من قانون العمل لمنع الصرف، فنظرالرئيس إليهم وقال: (أنا عندي شغيل بالأرض بدي شيلو شو إلكن معي). هذا رد الفعل الخاص به. وبسبب نضالات الحركة العمالية طبقت المادة 50 على أيامه، وهذا كله بفضل الحركة النقابية حتى رئيس الجمهورية تبدَّل تفكيره.

أمّا السبب الثاني وهو كان مطلبه، وهو تطبيق الضمان الصحي التي رماها عليه رئيس الجمهورية وأصرّ على تطبيقه بوقته، وطلب من موظفي الضمان الاجتماعي أن يعملوا 24 ساعة على 24 ساعة لتنفيذ الضمان الصحي، وفعلاً بدأ تطبيق الضمان الصحي في عهده.

والآن ومنذ ذاك التاريخ حسب قانون الضمان كان يجب أن يطبق على الفروع الأخرى.كقانون طوارئ العمل غير المنفذ حتى الآن، وهذا خلاف للقانون لأنه من المفترض كل عامين أن يطبق فرع، وكذلك الانتقال الى التقاعد والحماية الاجتماعية. في فترة معينة أصحاب العمل كانوا يريدون تطبيق ضمان الشيخوخة، وهذا كان مطلبنا لأنه حق للعمال، وأن أصحاب العمل، كانوا يريدونه كي يتخلصوا من مبالغ التسوية المتعلقة بتعويض نهاية الخدمة عبر تطبيق ضمان التقاعد والحماية الاجتماعية، ويدفعوا مرة واحدة الاشتراكات. من هنا السلطات السياسية لا تريد تطبيقه، وخصوصًا بعد اتفاق الطائف في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا عبرت عنه أنا في مقابلة على تلفزيون "المستقبل" وفي ندوات عدة، وهو أن الرئيس الحريري كان مؤمنًا بالليبرالية الحديثة التي كانت وجهة نظر مارغريت تاتشر وريغان، وهي (فلنجعل من السوق أن يحدد آليته)، والدولة ليس لها أي علاقة، وكان مؤمنًا أيضًا بالتخصيص مثل الكهرباء وشركات النفط... إلخ...

وفي أحد الاجتماعات لتطبيق هذه الفكرة دُعيت أنا كعضو في مجلس إدارة الضمان، وهذا نشرته في مجلة "الضمان"، ودعيت الى وزارة المالية بدعوة من غازي يوسف - وقتها كان الرئيس السنيورة وزيرًا للمالية - وبحضور ممثل شركات التأمين السيد انطوان واكيم وأعضاء من مجلس إدارة الضمان. في هذا الاجتماع تحدث السيد غازي يوسف وقال: "إن وزير المالية يريد الاجتماع معنا لموضوع الضمان الصحي"، ودخل الوزير السنيورة وقال بالحرف: "جايين نبحث وإياكم بتلزيم الضمان الصحي لشركات التأمين". واضح من هذا الطرح أن هناك نهج للتخلص من شيء اسمه الضمان الاجتماعي، ورعاية الدولة، لصالح شركات التأمين وهذا النهج لا يزال مستمرًا.

وقبل أن أردّ عليه، ردّ انطوان واكيم رئيس مجلس إدارة شركة "سنا" للتأمين وقال له : "نحن كشركات تأمين لا نستطيع أن نتحمل ضمان صحي، نحن نستطيع أن نعمل تأمين اضافي".موضوع الضمان هو بحاجة الى دولة ترعاه وليس الى شركات التأمين... مثلاً في أميركا يوجد دراسة تقول: "أن 30 مليون شخص من دون أي ضمانات ويرتفع هذا الرقم الى 65 مليون في السنة، والسبب أنه ينكسر على قسم من الناس تسديد مبالغ الى شركات التأمين".

لذلك الدولة هي التي يجب أن تكون حاضنة للضمان. مثل النموذج الأوروبي الذي يحتضن الضمان الاجتماعي، ويوجد امكانية لأن تقوم الدولة بإجراءات عدة لدعم الضمان الصحي، مثل وضع رسم على الكحول والسجائر والمواد المضرة بالصحة، وعلى الملوثات التي تسبب الأمراض وزيادة رسوم معينة لتغطية صندوق الضمان الصحي.

إنّ ضمان الشيخوخة يضمن للانسان أن يكون لديه معاش تقاعدي، وضمان صحي وأنا لديّ ملحوظات حول الضمان الصحي للمتقاعدين.

أولاً: هذا غير صحيح لأنه لا يوجد متقاعد في الضمان، بل يوجد بلوغ السن، فإذًا هذه تسمية خاطئة.
ثانيًا: لماذا التمييز بين المواطنين، فمثلاً من بلغ السن قبل صدور القانون بيوم واحد يجب أن يذهب الى الضمان الصحي الاختياري وملزم أن يدفع 90 ألف ليرة في الشهر، وبعد يوم من صدور القانون الذي يبلغ السن - أي بلوغ السن - عليه أن يدفع 60 ألفًا، وهذا يستفيد من صندوق الضمان، أما المضمون اختياريًا يتبع لصندوق خاص ولا يستفيد بحجة عدم وجود أموال ولا يوجد رصيد... لماذا؟
أكثر من ذلك إذا بلغ أحدهم السن ولا يزال يستفيد من الضمان الصحي، لأنه يعمل وأصبح عمره ثمانون سنة ممنوع أن يدخل الى الضمان الصحي الخاص بالمتقاعدين لأنه بلغ السن قبل صدور القانون مع أنه يعمل ويسدد عنه صاحب العمل الاشتراكات المتوجبة عن الضمان الصحي والتعويض العائلي.
هذا رأيي وتحدثت عنه كثيرًا حول التمييز. من هنا قضية التقاعد والحماية الاجتماعية أهميتها انها تؤمن للمضمون المعاش التقاعدي الشهري والضمان الصحي ، والتعويض العائلي والمساعدة المدرسية.

قدمت اقتراحًا بتعديل قانون العمل اللبناني ما هو، وهل لا يزال القانون الحالي ضمانة لحقوق العامل، ويشكّل صمّام أمان اجتماعي له لو طُبِّقَ بحزم؟

قانون العمل اللبناني صدر في العام 1946 وأدخل عليه بعض التعديلات القانونية، مثلاً المادة رقم 50. كما صدّق لبنان على بعض الاتفاقيات، كعدم التمييز بالأجور، خصوصًا بموضوع التعويض العائلي الأخير، حيث تعدلت المادة وصار التعويض العائلي ليس كما كان بقانون العمل، حيث كان سبعة أسابيع أي 49 يومًا، بينما الضمان الاجتماعي كان 10 أسابيع، فعدلت أخيرًا. أما فيما يتعلق بصلب القانون كقانون لم يجر عليه أي تعديل حتى الآن إلا هذه التعديلات، فقد تشكلت لجنة لتعديل قانون العمل في العام 2001، وأنا كنت مكلفًا من قبل الاتحاد العمالي العام لهذه اللجنة، واستندنا الى تعديلات الاتحاد العمالي العام، على قانون العمل وأنا أخذت هذه التعديلات وحملناها الى اللجنة التي تشكلت من قبل وزارة العمل، وللأسف بقينا نناقش من نيسان 2001 الى نيسان 2002 حتى أقرينا التعديلات، وأحيلت على مجلس النواب لإجراء التعديلات عليها من الأطراف الثلاثة حسب الاتفاقيات الدولية، لأن كل قانون يتعلق بعلاقات العمل يجب أن يكون الأطراف الثلاثة مشاركين فيه: أي العمّال وأصحاب العمل والدولة. فسحب هذا القانون من مجلس النواب، وأدخلنا عليه التعديلات من 2001 الى 2002. أنجزت التعديلات وأرسلناها إليهم وحولوها الى مجلس النواب، ونامت في سبات.

هذه التعديلات أخذ فيها، وتعديلات أخرى لم يؤخذ بها، لهذه الأسباب وضعت على موقعنا الالكتروني ولا سيمّا التعديلات التي أقرت، وتعديلات الاتحاد العمالي العام وملاحظاتي كعضو باللجنة. وكنت قد وضعت اقتراحات بطرس حرب لأنه جاء بتعديلات وألغى بعضها، ونحن كلجنة للتعديلات وضعنا حق التنظيم النقابي للعاملين بما فيهم حق عمال الدولة، ويحق انشاء نقابات على أن يبقوا خاضعين لقانون الموظفين. أيضًا ببند النقابات وضعنا العاملين في الصناعة والتجارة وموظفي الدولة.

عندما جاء بطرس حرب وزير عمل كتب وعلّل وخاطب: إنّ هيئة التشريع والقضايا تقول بتقريرها أن جميع هذه التعديلات هي من التعديلات المهمة جدًا، ولأنه أدخل عليها الاتفاقيات الدولية والعربية والتطور العصري، وهذا تقرير التشريع والقضايا بما أن غاية النقابة الدفاع عن أبناء المهنة فلا داعي لإنشاء نقابات عن الدولة، موظفي الدولة لا مهنة لهم، فأخذ بطرس حرب من هنا وألغاها، وأنا كتبت نقدًا إليه.

تعديل قانون العمل رأينا فيه أصبح حاجة ماسة وأساسية، لأن فيه تطورات على قيادة المجالات والقطاعات العمالية، والاتفاقات الدولية والعربية المصدَّق عليها لبنان، ونحن أخدنا بالتعديلات ودمجنا كل القضايا المتعلقة بالعمل، لما فيهم مجالس العمل التحكيمية والوساطة التحكيمية، ولدينا نصّاً قانونياً واحداً، والعامل عليه أن يعي كل القوانين المتعلقة بقضايا العمل. هذه التعديلات نفذت لكن مع الأسف لم تقر حتى الآن.

هل مجالس العمل التحكيمية تقوم بدورها، وماذا ينقصها كي تقوم بعملها؟

صدر قانون مجالس العمل التحكيمية بموجب المرسوم رقم 3572 بتاريخ 21 تشرين الاول 1980، وقد جاء في المادة 77 من قانون العمل المعدلة ما يلي: "ينشأ في مركز كل محافظة للنظر بالنزاعات المشار اليها في المادة الاولى من هذا القانون مجلس عمل تحكيمي او اكثر"... وقد جاء في المادة 80 من قانون العمل ما يلي:" ينظر المجلس التحكيمي في القضايا المرفوعة اليه بالطريقة المستعجلة ".وها نحن اليوم وقد مضى على اصدار هذا القانون 35 سنة ولم يجرِ أي تعديل عليه، يتناسب مع التطورات الحاصلة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، حيث اثبتت التجربة بأنه ليس من الضروري حصر انشاء المجالس التحكيمية في مركز المحافظة، بل يجب انشائها في الأماكن التي يتواجد فيها مصانع ومؤسسات، لأنه ليس من المعقول أن يضطر العامل الذي يسكن ويعمل في جبيل مثلاً او في الهرمل ان يتقدم بشكوى في مركز المحافظة في بعبدا او في زحله .كما أثبتت التجربة أيضًا بأن موضوع دعاوى العمل المفروض فيها أن تكون لها صفة الاستعجال حسب القانون، كما هو وارد في المادة 80 من قانون العمل، تستمر هذه الدعاوى ولا يبت فيها لأكثر من ثلاث سنوات وأحيانًا لعشر سنوات، حيث يموت العامل المدعي قبل صدور الحكم .لذلك سأعرض في هذا السياق تجربتي بهذا الخصوص، وبعض الاقتراحات التي أجدها ضرورية من أجل تطوير مجالس العمل التحكيمية. كوني قد شغلت سابقًا منصب ممثل عن العمال في مجلس العمل التحكيمي في بعبدا، وسأركز بشكل خاص على اربع ثغرات في مجال عمل مجالس العمل التحكيمية، وهي على التوالي: بطء وتيرة عملها، والنقص في تخصص أعضائها، وعدم الاعتراف بالطابع الجماعي لبعض النزاعات، وأخيرًا قصر المهلة للتقدم بدعاوى الصرف التعسفي. وقد أرفق بملاحظاتي هذه التذكير بعدد من الحلول التي تم تضمينها في مشروع تعديل قانون العمل سنة 2001 حيث كنت عضوًا في اللجنة التي شكلتها وزارة العمل لتعديل القانون، ومع الاسف الشديد لم تجد الحكومات المتعاقبة ولا البرلمان الوقت لمناقشته؟؟!!!

كيف ترى آفاق الحركة النقابية ودورها بعد انتفاضة ١٧ تشرين؟

أقول بصراحة كم نحن اليوم بحاجة الى المؤتمر النقابي الوطني الذي كان يمثل بالإضافة الى الاتحاد العمالي العام وروابط الاساتذة ونقابة المعلمين والمنظمات النسائية الذي سيّر أكبر مظاهرة بتاريخ لبنان سنة 1987. حينذاك، حيث أتى المتظاهرون العمال والنساء والطلاب من كلا المنطقتين "الغربية والشرقية لبيروت" الى المتحف تحت شعارات موحدة، وهي تحرير الجنوب والبقاع الغربي من المحتل الاسرائيلي ووقف الحرب واعادة بسط سلطة الدولة على كامل اراضيها وتحقيق مطالب العمال وذوي الدخل المحدود، وعمل العمال على إزالة المتاريس بين المنطقتين رغم التهديدات التي قام بها المسلحون في كلا المنطقتين والتي قدرت تلك المظاهرة بحوالي 400 ألف متظاهر وكان الاتحاد العام "الدينمو" المحرّك لهذا المؤتمر كما انني أذكر بأن المؤتمر النقابي الوطني خاض النضال قبل وبعد اتفاق الطائف وقد وضع برنامجًا متكاملاً لمعالجة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في دورته السابعة سنة ١٩٩٦.

وبمناسبة الذكرى الاولى لانطلاقة انتفاضة ١٧ تشرين الاوّل، أدعو الناشطين في كلّ المناطق لتشكيل لجان نقابية تتشاور وتنسق فيما بينها، وتشكل هيئة تنسيقية لهذه اللجان، هكذا نخلق البدائل، وعدم ترك الشارع، وهذه المهمة هي بالأساس مهمة الأحزاب، خصوصًا الأحزاب اليسارية كي تعود وتفعّل دورها بين الجماهير، هذه هي الأرض الصالحة للعمل اليساري. نحن بحاجة الى وطن وليس الى مجموعة مزارع، لأننا أصبحنا بحالة من الجوع واليأس، وهذا ما يعكسه هروب الناس في البحر والغرق، لأنه لم يعد هناك من افق في هذا البلد، والمطلوب من الحراك أن يضع أمام الناس أفق لبناء وطن متكامل، تدافع عنه الشابات والشبان، وليس الهروب من الوطن، وأن نزرع أملاً من خلال التجارب التاريخية، وهي أنه من خلال أي تحرك نقابي ومطلبي يجب أن يتحقق مكسبًا ولو كان صغيرًا هذا يعطي العمال الثقة في التغيير... تغيير هذا الواقع المزري.