"عرين الأسود" و"كتيبة جنين": قيادةٌ لإنتفاضةٍ تلوح في الأفق

دخلت الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة حالة من الغليان وتصاعد العمل المقاوم في معظم المدن لم يسبق لها مثيل منذ الإنتفاضة الثانية

قد نبالغ إذا ما قلنا أننا في حالة انتفاضة مكتملة الجوانب كما الحال في الإنتفاضة الأولى والثانية، وذلك لعدة عوامل أهمها غياب الإطار السياسي الراعي للحركة المقاومة بأشكالها كافة الشعبية والعسكرية لأسباب بمعظمها سياسية فئوية أهمها:
• الرهان المشبوه للسلطة الفلسطينية على مشروع السلام.
• الإنقسام الفلسطيني بين فتح وحماس.
• الرهانات السياسية الخاطئة لحركة حماس في السنوات الماضية.
• التنسيق الأمني وتصفية وتفكيك الفصائل التي حاولت القيام بالعمل المقاوم بالأخص الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وبعض من قيادات كتائب شهداء الأقصى.
• الفصل بين الضفة وغزة فصلاً كلياً.
• ارتباط قيادات السلطة والعديد من قيادات الفصائل برجال أعمال فلسطينيين تتعارض مصالحهم مع أي فعل مقاوم.
سيطرت هذه التعقيدات السياسية على المشهد الفلسطيني لسنوات طويلة تخرقها بعض العمليات الفردية أو المنظمة من حين لأخر، مع بداية العام 2019 بدأت وتيرة العمليات بالإرتفاع وبالأخص موجة عمليات الطعن وموجات أخرى تلتها بعناوين مختلفة، واستمرت وتيرتها تتكثف والفوارق الزمنية بينها تضيق حتى وصلنا للأشهر الأخيرة فأصبحت حالة يومية بالأخص في نابلس وجنين وهنا بيت القصيد "كتيبة جنين" و"عرين الأسود في نابلس" عنوانان لحركة مقاومة ستمتد لمعظم مخيمات ومدن الضفة والقدس ولا نبالغ إذا ما قلنا أنهم سيحتلون المشهد الفلسطيني في الأشهر القادمة وربما أبعد بكثير.
إن التعبير الصريح عن الواقع الفلسطيني في القدس والضفة تحديداً هو أن الجماهير الفلسطينية فاقدة للثقة تماماً في القيادة السياسية وبالأخص في السلطة الفلسطينية ، وإن هذه الجماهير متقدمة سياسياً على قياداتها، إذ تتكون هذه الحركات من قيادات وسطية (ميدانية) مقاومة من كافة الفصائل ومن شبان في مقتبل العمر من مختلف التوجهات الفكرية استطاعت قرائة المشهد الدولي والمحلي واستخلصت ولو عن وعيٍّ فطريٍّ ضرورة قيام اطارٍ جامع للمقاومة الفلسطينية ولو على مستوى مناطقي.

في نشأة هذه الحركات وتحديداً في جنين بدأت مع مجموعات من الشباب تجمعت لصد الإقتحامات المتتالية لقوات الإحتلال للمخيم وأصبحت فرق صغيرة تنام في أزقة المخيم فكانوا تجسيداً لثقافة "أن لا دخول إلى المخيم من دون اشتباك" مستندين لرمزية وإرث مخيم جنين في مواجهة الإحتلال. تطورت هذه الحركة مع انخراط بعض من القيادات الوسطى للفصائل التي تمتلك خبرة سياسية وأمنية وحيثية اجتماعية خصيصاً من قيادات كتائب شهداء الأقصى المعترضة على أداء القيادة السياسية لحركة فتح من أمثال فتحي حازم (أبو رعد) وبالطبع غيره العديد من القيادات الميدانية للفصائل الأخرى وحافظ هؤلاء على علاقة جيدة مع المنظمات التي أتوا منها بالأخص حركة الجهاد الإسلامي التي تنخرط بشكل كبير في "كتيبة جنين" ولكن مع مروحة أوسع من الفصائل تُبعد مجاهدي الحركة وقيادتها عن دائرة التصفية والملاحقة، وكذلك فعلت الجبهة الشعبية وغيرهم. فتأَمن لهذه الكتيبة القدرات البشرية والمادية للإستمرار والأهم الإستمرار دون قيود سياسية وتسويات وهذا ما ساعدها في استخدام تكتيكات عجزت الفصائل التقليدية عن استخدامها للأسباب المذكورة أعلاه.
تكتيك العرين: تتحصن هذه المجموعات بالأخص المطاردين منهم في نابلس أو جنين في عمق المخيمات والبلدات القديمة في أماكن بمعظمها معروفة، فتتحدى القوات الإسرائيلية بالوصول اليها، كما تتصدى هذه المجموعات للإقتحامات الصهيونية بشكل مستمر ولا يستسلم مقاوموها بل إن معظمهم يستبسل حتى الإستشهاد ما يكسبهم شعبية هائلة وثقة من الجمهور الفلسطيني فقدها كل فصيل فلسطيني.
تكتيكات الذئاب المنفردة: إن هذه الحركات وفي ميثاقها تعلن أن ضرب العدو هو هدفها الأوحد، وبالتالي فإن لا حاجة عند كل عملية للعودة لقيادة مركزية وتوسيع دائرة الأشخاص المبلّغين بالعملية، فقد تكفي بندقية ودراجة نارية وشخص للقيام بعملية اصطياد لجندي والعودة للعرين أو الشهادة.
مكنت هذه التكتيكات وهذه الروح القتالية والخبرة القيادية بالإضافة إلى التخطي النوعي لكل العوائق السياسية والتنظيمية المذكورة أعلاه من تحويل هذه الحركات وبسرعة قياسية لمصدر ثقة كبير للجمهور الفلسطيني في الضفة والقدس ونجحت هذه الحركات في فرض اضراب عام أغلق معظم الضفة والقدس وجر جزء كبير الشعب الفلسطيني لمواجهات ضخمة مع قوات الإحتلال.
أخيراً إن ظهور هذه الحركات في هذا الوضع والتوقيت تحديداً ليس صدفة أو طفرة، إن حركة الشعوب تخضع لحركة التاريخ، إن هذا الوقت هو وقت التحولات الدولية الكبرى التي لا بد أن يكون للقضية الفلسطينية من يحملها فالواقع السياسي الداخلي الفلسطيني مأزوم مع سقوط مشروع أوسلو بالكامل بشقيه السياسي والإقتصادي بالإضافة إلى رغبة جدية لدى عدد من الفصائل الفلسطينية بتطوير حالة المقاومة في الضفة دون إحراج مباشر أو تصفية لها.
هي حركة التاريخ ونضالات الشعوب تتجلى في أوضح معانيها، هو فرزٌ سياسي تتجهز أرضيته اليوم بدم الشعب الفلسطيني سيطال حتماً كل فصيل، سيتجاوز القديم من القضايا والخلافات لفرض توازنات جديدة تعيد للشعب الفلسطيني ولو جزءً من حقوقه، ولا أظن أن هناك من سيكون أجدر من "عرين الأسود" و "كتيبة نابلس" ومن معهم من الفصائل والنخب السياسية، فما أنجزوه يثبت كفائة سياسية عالية وليس كما يصورهم البعض بفورة شباب.

  • العدد رقم: 409
`


علي إسماعيل